برغم زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن والتطمينات التي حصل عليها من الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإن الخشية الاميركية من قيام اسرائيل بضربة كهذه، تبدو حتى الآن، خشية واقعية، ولو أن المعطيات الاميركية التي لخصها رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي تشير الى «أن توجيه ضربة لإيران في هذا الوقت سيزعزع الاستقرار ولا يحقق أهداف اسرائيل على المدى الطويل»، وهو التصريح الذي استدعى ردا من وزير الخارجية الايراني بقوله «إننا مستعدون لأسوأ السيناريوهات وايران تمضي قدما الى الأمام بعزة واقتدار، وليست مترددة في مواصلة نشاطاتها النووية السلمية».
ويكشف مصدر دبلوماسي لبناني بارز لـ«السفير» أن «مسؤولا لبنانيا تبلغ خلال زيارته الى عاصمة أوروبية مؤخرا، ان إسرائيل لم تسحب عن الطاولة خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران بهدف تدمير قدراتها النووية وان القيادة الاسرائيلية وضعت سقفا زمنيا لهذه الضربة هي شهر حزيران المقبل».
ولدى محاولة المسؤول اللبناني استيضاح المسؤولين في العاصمة الاوروبية العبرة من اختيار شهر حزيران، كان الجواب «انه الشهر الأنسب لناحية الظروف الجوية المساعدة، ففي هذا الشهر يكون الطقس في أفضل حالاته كما ان حالة الصحراء لا تكون كبقية الشهور لجهة ارتفاع الغبار الرملي الكثيف، ما يسهل تحديد الاهداف وسهولة التزود بالوقود عبر الجو».
ويوضح المصدر الدبلوماسي في بيروت في معرض تحليل المعلومات المذكورة، «ان أي عملية عسكرية جوية اسرائيلية تحتاج الى تقييم الاهداف والنتائج من نواح عدة أبرزها، وجود نقص في المعلومات الاستخبارية حول حقيقة القدرات الايرانية النووية والدفاعية ومسألة تزود الطائرات الاسرائيلية بالوقود في الجو، الأمر الذي يسهل على سلاح الجو الايراني ودفاعاته الارضية الصاروخية إسقاط الطائرات المهاجمة بنسبة قد تصل الى حدود النصف، أما العدد المتبقي من الطائرات، فلن يكون بمقدوره تنفيذ كامل المهمة، والنتيجة ستكون بقاء مفاعلات نووية غير مدمرة تحت الارض. أي ان الهدف الاسرائيلي بوقف المشروع النووي الايراني سيفشل فشلا ذريعا».
يضيف المصدر «من جهة ثانية، فإن ضرب ايران يعني فتح جبهات تمتد من الخليج الى سوريا الى لبنان وصولا الى غزة. يعني ذلك أن كل دولة ينطلق من أرضها أو يعبر في أجوائها، طائرات تشارك في ضرب ايران، ستصبح هدفا عسكريا بالتوازي مع ضرب المصالح الاميركية في المنطقة. واذا اندلعت الحرب، فإن الإسرائيليين يستطيعون التحكم بتوقيت الهجوم ولكن التكهن بنهايته سيكون غير ممكن وعلى الأرجح لن يكون بيدهم، وبكل الاحوال ستكون خسارة كبيرة لإسرائيل. أما اذا لجأت اسرائيل الى التهديد بضرب المفاعلات الايرانية بصواريخ بالستية بعيدة المدى، فيعني ذلك بالنسبة الى الايرانيين فتح أبواب جهنم الصاروخية التي ستشعل الكيان الاسرائيلي».
لذلك يرى المصدر الدبلوماسي اللبناني «أن التهديدات الاسرائيلية تندرج في خانة التهويل الذي يهدف الى تشديد العقوبات الدولية على إيران، خاصة في ظل المناخ المتنامي في العاصمة الأميركية وعواصم القرار الغربية الأخرى باللجوء الى العقوبات من أجل إضعاف بنية ايران وجعلها تسقط من الداخل». ويضيف المصدر «أي ضربة اسرائيلية من دون تنسيق مع الأميركيين، وهذه خطوة ستكون من سابع المستحيلات، تعني حشر الولايات المتحدة على أبواب انتخاباتها الرئاسية، خصوصا بعد هزيمتها في أفغانستان والعراق، وبلوغ مشروع إسقاط النظام السوري الحائط المسدود، كما ان أي ضربة سيحولها الايرانيون الى فرصة لإخراج الاميركيين نهائيا من منطقة الشرق الاوسط، وهي معادلة يدركها جيدا القائد العسكري الأميركي دايفيد باتريوس، في ضوء تجربته المباشرة والغنية بالعبر والدلالات في العراق مع قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني».
يقول المصدر الدبلوماسي شارحا ما يسميها «معطيات أميركية»: «هناك مصطلح يحدد القدرات النووية على مستويات ثلاثة، تبدأ بالنية النووية، ومن ثم القدرة النووية واخيرا تأتي الاسلحة النووية، وايران بوضعها الحالي وصلت الى مرحلة تطوير القدرات النووية أي المرحلة الثانية وبالتالي من غير المسموح لها تخطيها الى المرحلة الثانية».
ويكشف المصدر «ان المعادلة الاميركية الجديدة مفادها ان أي قنبلة ايرانية نووية لأغراض سلمية سيقابلها أمر أخطر بكثير، فالقنبلة النووية الاسرائيلية الحربية لم تأخذ بعد الصفة الشرعية.. واسرائيل لم تدخل بعد رسميا في نادي الدول النووية، علما ان معظم التقديرات تؤكد امتلاكها ما يفوق الثلاثمئة رأس نووي حربي، وبعيد انتخاب كل رئيس أميركي جديد، فإن اللوبي الصهيوني يوقع معه اتفاقية سرية مفادها ان الادارة الاميركية تتكتم على أي نشاط نووي إسرائيلي عبر عدم الاعلان عنه، يقابله شرط أميركي بعدم قيام اسرائيل بإجراء تجارب نووية».
ويختم المصدر بالقول «استنادا الى المعطيات الاميركية فإن عدم تراجع ايران عن القنبلة النووية لأغراض سلمية، والمقصود بالقنبلة السلمية الوصول الى نسبة تخصيب لليورانيوم يسمح بإنتاج القنبلة النووية، سيقابله إضفاء شرعية دولية على القنبلة النووية الاسرائيلية الحربية، بما يدخل اسرائيل شرعيا النادي النووي الدولي مع ما يعنيه ذلك من استثمار إضافي لمصلحة اسرائيل في صياغة القرار العالمي».
ماذا عن لبنان؟
يقول المصدر الدبلوماسي اللبناني إن السفراء الغربيين في بيروت توقفوا كثيرا عند العبارة ـ المفتاح للسيد حسن نصر الله حول واجبات المقاومين اذا تعرضت ايران لضربة عسكرية، وأشار الى أن عددا من السفراء والدبلوماسيين راجعوا جهات لبنانية عدة، في معرض محاولة تفسيرها.. ولم يحصلوا على جواب شاف.