منذ اللحظة التي طُرح فيها موضوع التمثيل النسبي في الانتخابات النيابية، وجد وليد جنبلاط نفسه في دائرة التصويب والاستهداف، لأن خياراً كهذا يأخذ منه ولا يعطيه، لا بل يخرجه من دائرة القرار السياسي الذي لطالما كان شريكاً أساسياً وفاعلاً فيه منذ اول انتخابات نيابية بعد الطائف في العام 1992، بحيث تم تكريسه رئيساً رابعاً من بعد الرؤساء الثلاثة ولو أنه ظلّ من دون أي كرسي.
مع طرح النسبية، شعر جنبلاط أن ساعة المواجهة السياسية الصعبة حول القانون الانتخابي آتية لا ريب فيها، عاجلا ام آجلا، ولذلك كان لا بد له، كما يقول انصاره، أن يبدأ بإعداد العدة لتلك المواجهة الحتمية المفروضة عليه. ولأن لا مجال لحرق المراحل، ولا لسلق المواقف ولا للقيام بدعسات ناقصة، لم يلجأ جنبلاط الى اعلاء الصوت، كما لم يلجأ الى إثارة الصخب السياسي، كما توقع خصومه، بل قرر الانحناء امام عاصفة النسبية، حيث اعتمد بداية اسلوب المواجهة الناعمة لمشروع التمثيل النسبي الذي أعدّه وزير الداخلية مروان شربل، وسجل عبر وزرائه في الحكومة موقفاً اعتراضياً خلال مناقشة المشروع في مجلس الوزراء للمرة الأولى على قاعدة تكبير الحجر: «اذا كنتم تريدون الإصلاح فنحن معكم، ولكن ليس على اساس الإصلاح الجزئي بل على اساس الاصلاح الشامل»، مع التذكير المتكرر بأن أول من نادى بالنسبية هو الشهيد كمال جنبلاط (البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية).
ولكن مع عودة الحديث عن النسبية، فإن جنبلاط، وعلى ما يبدو، شعر بأن تلك المعركة تقترب، ولذلك سارع الى رفع «الدوز السياسي»، وتجلى ذلك في الرسائل المتعددة الاتجاهات لمن يعنيهم الأمر سواء في الداخل ام الخارج، والتي اطلقت خلال المؤتمر الصحافي الأخير للوزير غازي العريضي.
لا يخفي خصوم جنبلاط انه آن الاوان لتصويب المسار الانتخابي الداخلي عبر إعطاء كل ذي حجم، حجمه التمثيلي من دون زيادة او نقصان، واقرب الطرق الى هذا التصويب يكون عبر اعتماد مسار انتخابي بديل عن قانون الستين الذي اكسب جنبلاط القدرة على ان ينفخ حجمه التمثيلي، كما أكسبه القدرة على التحكم بالأكثريات والأقليات.
ولعل أكبر المآخذ التي يسجلها خصوم جنبلاط عليه «أنه ومنذ انتخابات العام 2009، تصرّف سياسياً وكأنه «صانع الأكثريات» في لبنان، وأعطى لنفسه الحق في ان يقرر لمن هي الغلبة السياسية، وان يقرر حين يشاء هو شخصياً، رفع «8 آذار» أو «14 اذار»، وها هو اليوم يراهن على متغيرات في المشهد السوري ليبني عليها استعداداً لانعطافة جديدة تؤسس لانقلاب سياسي في لبنان»، والكلام هنا لخصوم الزعيم الدرزي.
يضيف هؤلاء إن هناك مخاطرة كبرى بالإبقاء على «قانون الستين» الذي سيؤدي تلقائياً الى اعادة تكرار التجربة وتسليم راية «صنع الأكثريات» مجدداً لوليد جنبلاط، او بالأحرى اعادة تفويضه بادارة المشهد السياسي في فترة ما بعد انتخابات العام 2013 إن قيض لها ان تجري على اساس «قانون الستين»، وبالتالي فإن منطق الأمور يقول بالتغيير الحتمي للقانون المذكور.
ولكن اين وليد جنبلاط بلا «قانون الستين»؟
مما لا شك فيه أن هذا القانون الانتخابي مصيري بكل معنى الكلمة، بالنسبة الى الزعيم الدرزي، لأنه لا يريد ان يرى في هذا الزمن السياسي أن حجمه قد تراجع وأن دوره قد خفّ وأن وهجه قد خفت.
ولكن في المقابل، ورغم كل ما يثار حول الموضوع الانتخابي، يسعى وليد جنبلاط الى الظهور بمظهر غير العابئ بما يجري، لأنه كما يقول «ما حدا خبرني ان هناك طرحاً لقانون الستين».. ثم يستدرك ويقول «اعتقد ان هناك ما هو اهم من «قانون الستين» او الانتخابات، هو الكهرباء، فقبل هذا القانون وقبل الانتخابات، اعملوا كهربا وجيبوا الكهربا للناس».
النسبية كما هي مطروحة حالياً، مرفوضة كما تقول اوساط جنبلاط، اذ انها تطرح بخلفية سياسية وليس اصلاحية، وتسأل «كيف يمكن أن تستقيم النسبية والطائفية، فإذا كنتم جادين، تفضلوا وخفضوا سن الاقتراع الى 18 سنة، واحسموا تصويت المغتربين، وابحثوا في تحديد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وفي إلغاء الطائفية السياسية وانشاء مجلس للشيوخ واعادة النظر بالتقسيمات الادارية، ومن ضمن ذلك اطرحوا النسبية، ونحن جاهزون للنقاش ومنفتحون على كل الاقتراحات والطروحات».
تقول أوساط جنبلاط «إنه ليس بمقدور أحد تجاوز الحجم السياسي والشعبي لوليد جنبلاط، واذا كان البعض مأسوراً في اعتقاد أن إعداد قانون انتخابي بمعزل عن جنبلاط، فهذا ليس بالمنطق السليم، نحن نرى ان هناك من يريد ان يحسن شروطه وموقعه في قانون الانتخاب، ولكن لا يفكرنّ احد بأن يحسن شروطه او موقعه على حسابنا».
تضع اوساط جنبلاط الاوصاف التي تطلق عليه كـ«بيضة قبان» او «صانع أكثريات» او «متحكم بها»، وغيرها، في سياق التحريض، وتقول «لا توجد لدينا عقدة الإمساك بالتوازنات السياسية، ولا عقدة الخوف من محاولة إقصائنا او إضعافنا، نحن نعرف قوتنا، ولكن عندما يتحدثون عن قانون الانتخابات فعلى الاقل يجب ان يكون قانوناً تمثيلياً، يحفظ كل المكونات اللبنانية».
هناك من يضع لارتفاع نبرة وليد جنبلاط ضد النظام السوري بعداً انتخابياً واسترضائياً للصوت السني وتحديداً في بيروت والشوف والبقاع الغربي، وكذلك للصوت المسيحي في دائرة عاليه، لكن اوساط جنبلاط تقول في المقابل: «موقفنا مما يجري في سوريا اخلاقي وتاريخي يغلب على أي عامل آخر وكان لا بد من اتخاذه، اذ ان ما يجري هناك ليس بالأمر القليل، ولا علاقة لموقفنا بأي حسابات انتخابية».