عممت وزارة التعليم العالي السورية، في آب الفائت، قراراً يحمل الرقم 355، ينظم عملية انتقال الطلاب السوريين من جامعات لبنان وليبيا واليمن إلى الجامعات السورية. وقد حصر تنفيذ القرار في العام الدراسي الحالي. هذا ما أثر في وجود الطلاب السوريين في الجامعات اللبنانية خصوصاً. إذ صار في إمكان الطالب السوري الذي اجتاز سنته الجامعية الأولى بنجاح، أو حقق 25 ساعة معتمدة، أن ينتقل إلى الجامعات الحكومية السورية. أما مَن لم يستطع تجاوز السنة الأولى، ولم يحصّل 25 ساعة معتمدة، فيحق له الانتقال إلى التعليم المفتوح. هذا ما لم يكن متاحاً، في الأعوام الماضية، إلا لمن اجتاز سنوات دراسية أعلى.
يستطيع زائر كلية الآداب في «الجامعة اللبنانية»، الفرع الأول، أن يلحظ تراجع الحضور الكثيف للطلاب السوريين. يؤكد ذلك رئيس مجلس طلاب الفرع عبدو شومان. كان يمكن للعدد أن يتناقص أكثر، وفق شومان، لولا تعرقل انتقال عدد لا بأس به منهم، جراء الإضراب الذي نفذه أساتذة الجامعة في نهاية السنة الماضية، ما آخر صدور نتائج الدورة الثانية. إذ لم يلحق الطلاب الوقت المحدد للتسجيل في جامعات بلدهم.
ينسحب التناقص على «الجامعة الإسلامية» أيضاً. يشير الأمين العام للجامعة سميح فياض، إلى أن عدد الطلاب السوريين في السنة الماضية كان نحو 1500 طالب. انخفض العدد هذه السنة إلى النصف تقريباً، «على الرغم من أن وجودهم كان في تزايد مستمر في الأعوام الماضية».
لم تخسر «جامعة بيروت العربية» كثيراً من طلابها السوريين نتيجة القرار الاستثنائي. كان عددهم في العام الماضي 701 طالب. أما هذه السنة فانخفض العدد إلى 649 طالباً، وفق مساعد الأمين العام للجامعة لشؤون الطلاب محمد حمود. لكن حمود يشير إلى أن انخفاض عدد السوريين في الجامعة يرجع إلى الأعوام الماضية، حين ألغي نظام التسجيل بالانتساب. ذلك أن «الحضور الالزامي المطبق في الجامعة، منذ أكثر من خمسة أعوام، ما عاد يلائم من كان منهم يعمل أو يعيش في سوريا».
لا تتيح إدارة «الجامعة اللبنانية الأميركية» الاطلاع على بيانات طلابها، وفق أمين شؤون الطلاب رائد محسن، «لكن لا مشاكل تواجه الطلاب السوريين في الجامعة». ولهذا دلالة. إذ إن الطلاب السوريين المنتسبين إلى الجامعة هذه، في الغالب، لا يجعلون تسجيلهم في الجامعات اللبنانية مرحلة أولية قبل تحويل أوراقهم إلى الجامعات السورية، كما لدى المنتسبين إلى الجامعات الأخرى، على ما أشار كل من فياض وحمود وشومان.
ينتسب معظم الطلاب السوريين، في «الجامعة الإسلامية»، إلى كلية الحقوق. التناقص اللافت في أعداد الطلاب لن يؤثر في ماليتها، وفق أمينها العام، «ذلك أن قسط كلية الحقوق زهيد». لكن احتساب أعداد الطلاب الذين تناقصوا، مع الأعداد المحتملة لازديادهم، تبعاً لمعدل نموهم المفترض سنوياً، ومقاربتها بالقسط السنوي (1000 دولار) يبين حجم الخسارة المالية للجامعة.
وينطبق ذلك على «الجامعة اللبنانية» إذا عُمم التناقص على الفروع الأخرى. والحال أن ملامح «اقتصاد الطالب السوري» تبدو بارزة في هذا المجال. إذ إن التسامح مع الحضور الإلزامي، وفق فياض، قد يصل إلى 40 في المئة، «فما يهم هو نجاح الطالب في الامتحان». والمواد الرئيسية للتخصص، الذي يشكل السوريون أغلبية طلابه، وضعت في يومين محددين كي لا يضطروا إلى الحضور يومياً من دمشق، في باصات نقل مشتركة بينهم.
يلفت حمود إلى أن الطلاب السوريين يشكلون النسبة الأكبر من طلبة كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية، بينما تبقى نسبة الطلاب اللبنانيين هامشية في الكلية. اضطرت الجامعة، استثنائياً، إلى السماح لبعض الطلاب السوريين، وخصوصاً من طلابها السابقين، بالتسجيل في الجامعة بعد انتهاء الفترة المحددة لذلك. ترجع عودة هؤلاء الطلاب إلى كون وزارة التعليم العالي في بلدهم لم تسمح لهم إلا بالانتساب إلى جامعات التعليم المفتوح، الأقل مستوى من التعليم الحكومي، «ففضلوا العودة إلى جامعتهم لاستكمال سنواتهم الدراسية».
لا يمكن تجاهل صدور القرار، المسهل لعودة الطلاب إلى بلدهم، وشموله بلدين شهدا تحركات شعبية، بعد أشهر من بدء حراك شعبي مماثل في سوريا. هذا على الرغم من أن طلاباً سوريين، أكدوا لـ«السفير» أن القرار كان مطلباً ملحاً ودائماً بالنسبة إليهم. لكن صدوره في هذا التوقيت، ولسنة واحدة فقط، بقي غير مفهوم لبعضهم. من البديهي أن تنسحب الأزمة في سوريا على طلابها المقيمين في لبنان. وإذا كانت الجامعتان «العربية» و«الإسلامية» تمنعان العمل السياسي في حرميهما، وفق حمود وفياض، فإن الأمر مختلف إلى حد ما في «الجامعة اللبنانية». إذ يشير شومان إلى حزازات معينة تظهر في الفرع، بين الطلاب السوريين، يعمل سريعاً مجلس الطلاب على ضبط تطورها. هكذا، منع المجلس السياسة عن الطلاب السوريين في الجامعة، «لأننا لا نريد نشاطاً سياسياً في الجامعة»، وفق شومان مسؤول «حركة أمل» في الفرع.