أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

جعجع وحيداً... ليس للبطريرك من يقاطعه

الثلاثاء 10 نيسان , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,993 زائر

جعجع وحيداً... ليس للبطريرك من يقاطعه

في الكنيسة المارونية سرّ كهنوتي يسمّى سر الاعتراف. يختلي المتدين بناءً عليه بكاهنه ليعترف له، نادماً عن جميع الخطايا التي ارتكبها، طالباً الغفران. يحضر هذا السر مع تبعاته في العلاقة بين البطريرك بشارة الراعي ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. فالمطّلعون على ظروف سجن «الحكيم» يؤكدون اعتراف جعجع لدى الراعي بخطاياه، حين كان يواظب على زيارته شهرياً في سجن وزارة الدفاع طوال خمس سنوات. ويعلم الراعي بالتالي عن حقيقة «الناسك المتنسّك» أكثر من جعجع نفسه. مع الراعي، لا مجال. حرب جعجع على الراعي بدأت قبل انتخاب الأخير بطريركاً، وقد خسر جميع المعارك حتى الآن. عندما أصرّت القوات على القتال بالبطريرك نصر الله صفير حتى آخر نفس، خسرت أول معركة. حين توسّط جعجع بين بعض المطارنة لترجيح مطران على آخر قبيل انتخاب بطريرك جديد، خسر جعجع ثاني معركة. حين حاول جعجع تعزيز مرجعية البطريرك المستقيل على حساب مرجعية الراعي، خسر ثالث معركة.


حين سعى المعرابيّون لإحداث شرخ في مجلس المطارنة تجاه الموقف من الأحداث في سوريا، خسروا رابع معركة. حين افترض جعجع أن تغييراً سيطرأ على الاستقبالات المناطقية الحاشدة للبطريرك إن صعّد ضده، خسر خامس معركة. حين حاول تعويض القطيعة بينه وبين البطريركية بالتواصل مع الرهبانيات، خسر سادس معركة. وحين حاول أخيراً التسويق لنظرية «مقاطعة البطريرك»، خسر سابع معركة.

مقاطعة بكركي في عيد الفصح اقتصرت على القوات. فمسيحياً حضر الرئيس ميشال سليمان وتكتل التغيير والإصلاح وحزب الكتائب. وبدا واضحاً من الحشد أن هناك مسيحيين «يصلّبون بالخمسة»، غير أهل معراب. ووطنياً، علمت «الأخبار» أن أقرب حلفاء جعجع لم يجاروه في «بدعة المقاطعة»، فقد اتصل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالصرح مهنّئاً، وكذلك فعل رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة. وزار أمس عضو مكتب تيار المستقبل السياسي غطاس خوري الصرح للتهنئة أيضاً، فيما اتصل النائب عاطف مجدلاني أمس بالصرح أيضاً ليطلب موعداً له. وفي واحدة من اللحظات النادرة، ارتفع صوت الكتائب عكس الريح القواتية. ففي موازاة مشاركة الرئيس أمين الجميّل في القداس، أعلن الوزير السابق سليم الصايغ أن «بكركي مرجعيتنا الروحية والدينية والأخلاقية والوطنية»، وفي السياق نفسه رأى نائب رئيس الحزب سجعان قزي أنه لا «يجوز مقاطعة البطريركية». في ظل استغراب الصرح الحديث عن حصول مقاطعة، وتأكيد أهله أنهم لا يشعرون نهائياً بما يشبه ذلك.

انتقلت القوات منذ بضعة أيام إلى خطة جديدة تظهر بموجبها في موقع المستهدَف بدل المستهدِف. بناءً على ذلك، تحمّل معراب بكركي مسؤولية تدهور العلاقة بين جعجع والراعي، لعدم «تعذيب» الأخير نفسه بالاتصال شخصياً بجعجع لتهنئته بالسلامة. أما في الصرح، فيؤكدون أن ثمة من يصرّ على «افتعال أزمة». ويشرحون أن «البطريرك في التقاليد البطريركية لا يتصل أياً كان رئيس الحزب المستهدف بمحاولة اغتيال». وتكليف الراعي نائبه العام الأول بالاتصال يوازي بروتوكولياً اتصال الراعي نفسه. وتدعو بكركي إلى التمعّن في البيان الصادر عن المكتب الإعلامي، وفيه إدانة واضحة لـ«محاولة الاعتداء الآثمة»، وإشارة إلى أن البطريركية «تصلي من أجل حمايته»، قبل أن يستعيد المصدر نبرته الواثقة مؤكداً أن «البطريرك تعرّض لإساءات كبيرة، لا تُمحى في لحظة». وإن كان الصرح يحرص على تأكيد «قيام الراعي بواجباته الأبوية»، فإنه يحرص أكثر على الإشارة إلى «تعرّض البطريرك يومياً لمحاولات اغتيال»، وإلى أن «الأب لا يهان ولا يجوز التجنّي عليه».

كل من ليس مع جعجع (على العمياني وبكل شيء) هو ضده. مشكلة البطريرك أنه طلب في عظة العيد مثلاً تجنّب «إدخال لبنان في لعبة المحاور والأحلاف الإقليمية والدولية، سواء على أساس سياسي أو مذهبي». ويمكن جعجع في هذا السياق ضمّ الرئيس أمين الجميّل إلى من هم ضده، إذ أكد الأخير الالتحام أمس ببكركي على هذا الصعيد، وأشار إلى أن مصلحة لبنان تتأمن عبر النأي بنفسه عمّا يحصل في الجانب السوري، داعياً اللبنانيين إلى «إقناع سوريا بأن ليس لديهم الرغبة في التدخل بالشأن السوري، لا العكس».

في لقائهما الذي استمر ساعة، بحث رئيس الجمهورية وبطريرك الموارنة ثلاثة ملفات:

أوّلها قانون الانتخاب، فكان اتفاق على الضغط لإقرار القانون النسبي في مجلس الوزراء، وبعدها يكون للبطريرك حديثه مع المجلس النيابي. وفي بكركي من يرى أن جعجع حاول الدفع بالقانون الأرثوذكسي لإسقاط الطرح النسبي الذي يضرّ بحلفائه، فيما تكفّل حلفاؤه بإسقاط الطرح الأرثوذكسي قبل أن تعطّل القوات عقد اللقاء الماروني للخروج باقتراح نهائي ليعود الجميع إلى النقطة الصفر، أو قانون الستين. وفي رأس البطريرك صورة واضحة: ثمة فريق سياسي ـــ طائفي يقول له: «اختر القانون الذي تريده سواء نسبياً أو فرزليّاً لتعيد طائفتك إلى النظام السياسي». وثمة فريق سياسي ـــ طائفي يعبّر عنه تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط ويناور باسمه سمير جعجع يقول له إن النسبية إلغائية والأرثوذكسية تقسيمية، وليس أمامك غير القانون الستينيّ.

ثانيها مالية الدولة. فقد بحث البطريرك في كيفية استفادة الرئيس من المادة 58 في الدستور ليمارس دوراً تحكيمياً جديّاً. وخرج الرئيس بعدها ليتحدث بإيجابية عن لجنة المال والموازنة لأول مرة، فيما علمت «الأخبار» أن خلوة جمعت رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان والبطريرك الماروني إثر خلوة الأخير والرئيس سليمان.

ثالثها التعيينات التي يمثل الراعي صلة الوصل في شأنها بين سليمان والعماد ميشال عون. وقد أكد سليمان على هذا الصعيد أنها «ستستمر، وأن لا أحد يعرقل بقصد العرقلة».

الشمس هنا في الصرح البطريركي تشرق وتغيب في موعدها. ديك الصرح يصيح والجرس يقرع والمطارنة يلهجون بالصلاة. لم يغيّر حرد جعجع الكثير، ولن. البطريرك صفير اقتنع أخيراً بأن لبكركي مرجعية غيره. أشهر قليلة ويتقاعد المطران يوسف بشارة أيضاً. الراهب بشارة الراعي بلغ في تقريب البطريركية من الرهبانيات حدّ إشراك رؤساء الرهبانيات في اجتماعات مجلس المطارنة الشهرية. المشهد هنا يختلف تماماً عمّا يطمح إليه النائب فريد حبيب، دون شك. البطريرك يريد رجالاً يعرفون أحجامهم، لا موهومين ضائعين بين ملفات أكبر منهم كإسقاط النظام السوري أو أصغر منهم كتوتر عين نجم التي يتوعد جعجع اليوم من يفكر في حل مشكلتها بالقوة، متناسياً أن للتهديد بالقوة قرارين اتخذتهما حكومتا الحريري والسنيورة بمشاركة وزرائه.

جعجع يقاطع الراعي. البابا يبارك الراعي. حين خيّر مطارنة الموارنة بين جعجع والبابا عرفوا من يختارون. قريباً في استقبال بنديكتوس السادس عشر، سيتضح موقف مسيحيي المنطقة وحجم الأخذ الشعبي بدعوات القوات لمقاطعة البطريركية المارونية.

على الهامش، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن مجهولين أقدموا في بلدة بزبدين في أعالي قضاء بعبدا على تكسير لوحة زجاجية تذكارية تحمل اسم البطريرك بشارة الراعي، وقد بدأت فصيلة حمانا إجراء الاستقصاءات والتحقيقات لمعرفة الفاعلين.


Script executed in 0.20149207115173