النقل التلفزيوني المباشر للجلسات هو الهاجس الأبرز. ولذلك، فقد شرعت كل الكتل النيابية في إحصاء النقاط التي يمكن أن تحقق من خلالها رضا الجمهور، الذي يؤمل أن يتحول إلى صوت في صناديق الاقتراع العام المقبل. أما النقاش الحاد المتوقع حول عمل الحكومة وإنجازاتها وإخفاقاتها تحديداً، فعلى أهميته، إلا أنه بات محسوماً أنه لن يفضي إلى طرح الثقة بها مجتمعة أو بأي من أعضائها. وكل صوت عال سيسمع في أرجاء القاعة العامة للمجلس، سينتهي مفعوله مع رجع صداه، بعدما تراجعت المعارضة عن مسألة طرح الثقة. مع ذلك، فإن أكثر من نائب غير «مستقبلي» يؤكدون أنهم سيطرحونها فردياً.
تنبهت المعارضة، للمرة الأولى منذ تشكيل الحكومة الحالية، الى أنها لا تملك الأكثرية. خلال الجلسات التشريعية كانت دائماً مطمئنة إلى أن النائب وليد جنبلاط لن يخذلها، عندما تحتاجه. أبرز الأمثلة كان مشروع قانون الـ8900 مليار الذي رفض جنبلاط تمريره من دون اتفاق. أمس كان نواب «المستقبل» يرددون للمرة الأولى: لا نملك الأكثرية لطرح الثقة بالحكومة. قالوا ذلك بعدما تأكدوا أن جنبلاط ما زال متمسكاً ببقائها، وبالتالي رافضاًَ تعريضها للخطر. انطلاقاً من ذلك، فقد أفضت النقاشات المستقبلية إلى استبعاد هذا الخيار «لأن أي طرح للثقة من دون أن نملك الأصوات الكافية سيكون بمثابة إعطاء ثقة جديدة، وهو ما لن نسمح به». يضحك نائب أكثري عند سماعه ذلك، قائلاً: المعارضة لا تملك ترف طرح الثقة بالحكومة، لأن الأمر ليس لها، ومن يدعمها خارجياً لا يزال حريصاً على بقاء الحكومة أكثر من حرص أعضائها أنفسهم عليها.
في المحصلة، وبعيداً عن أسباب عدم طرح المعارضة للثقة، فمن المؤكد أن الجلسة ستكون مضبوطة بسقف عدم الإخلال بالتوازنات والاستقرار، وإن كان نائب مستقبلي يصر على التأكيد أن السقف «سيكون عالياً جداً».
تضع مصادر رئيس المجلس نبيه بري الجلسة في سياقها القانوني، مؤكدة أنها لا تحتمل التأويل السياسي. وهي إذ تستبعد طرح الثقة، فهي تؤكد أن الحكومة حاجة للجميع بمن فيهم معارضوها. أما مصادر رئيس الحكومة فتأمل، بدورها، «أن تكون النقاشات بناءة وإيجابية وبعيدة عن الصخب السياسي». كما تؤكد أن «الحكومة حضّرت كل ملفاتها وسيكون لها إجابات على كل ما يطرح، إذا ما كان الهدف منه هو تصويب العمل». ولا بد من الاشارة هنا، إلى أن الحكومة برئيسها وأعضائها ستبقى مستمعة حتى نهاية اليوم الثالث، حيث سيكون لميقاتي ردّ شامل، مع إمكانية أن يرد الوزراء أيضاً إذا ما دعت الحاجة.
لا يبدو الحديث عن السقوف العالية غريباً عن الواقع الحالي، وما سيطرح خلال الجلسة لن يكون مسلوخاً عن السجالات التي تشهدها الساحة السياسية، بل صورة عنها. ولكن هذه المرة من تحت قبة البرلمان، لا عبر وسائل الإعلام، ولذلك تشهد دوائر المجلس زحمة طالبي كلام، حيث وصل العدد مساء أمس إلى أكثر من أربعين، علماً أن العدد سيرتفع اليوم وغداً، في ظل انتظار عدد من النواب وجهة الجلسة قبل أن يطلبوا الكلام.
بالنسبة للمعارضة، الخيار واضح. كل السهام ستصوّب على وزراء «التيار الوطني الحر»، وخاصة على وزيري الطاقة جبران باسيل والاتصالات نقولا صحناوي، على خلفية ملفي الكهرباء وداتا الاتصالات. أما سلاح المقاومة، فلن يكون مادة رئيسية على جدول أعمال هذه القوى، في ظل الأحداث السورية وطريقة تعامل الحكومة معها، أي أن بوصلة المعارضة ستريح «حزب الله» نسبياً وتستبدله برئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
اكتملت، أمس، كل التحضيرات لدى الأكثرية والمعارضة على السواء. وزعت الأدوار على النواب بدقة، وكل بحسب ملفه. حتى الكلمات التي ستتلى تم التنسيق بشأنها، علماً أنها ستطال كل المواضيع من دون استثناء.
وإذا كانت الأكثرية والمعارضة ستتشاركان في التطرق إلى الملف المعيشي والمناطقي، فإن المعركة الحقيقية ستكون سياسية بامتياز. تطال من جانب المعارضة، سياسة النأي بالنفس المتبعة من الحكومة، إضافة إلى كل ما يتصل بالملف السوري من نازحين وخروقات واعتداءات كان آخرها استشهاد المصور علي شعبان. ومن باب محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات» سمير جعجع سيتم التطرق بشكل مركز إلى موضوع «داتا الاتصالات». كما سيكون ملف «البواخر والسمسرات» على جدول أعمال هذه القوى، من دون نسيان «ميدان الوزير غابي ليون».
وفي ظل كل ما يشاع عن الموقف الضعيف للأكثرية، في مواجهة الحملة المركزة التي ستشنها قوى المعارضة، تعد مصادر «8 آذار» بأنها لن تكون لقمة سائغة، وبدل الدفاع ستكون هي في موقع الهجوم، مذكرة بأن «كل الملفات التي تعالجها الحكومة اليوم لم تهبط عليها من السماء بل هي نتاج ما اقترفته المعارضة أيام كانت في الحكم». ويوضح نائب أكثري أنه «لا يمكن أن تكون الحكومة التي شكلت منذ تسعة أشهر مسؤولة عن كل السياسات التي أفضت إلى هذا الوضع المأساوي». وتفصيلاً يسأل المصدر: من الذي أوصل الكهرباء إلى هذه المرحلة ومن الذي صرف 17 مليار دولار على هذا القطاع من دون أن يضيف إلى الشبكة أي ميغاوات، ومن المسؤول عن الملف المالي والتربية والصحة والأشغال والدين العام...
أما في الموضوع السوري، فترى مصادر رئاسة الحكومة أن مواقف المعارضة منها هي إدانة لها، إذ انه في ظل سعي الحكومة للنـأي بلبنان عن الصراع الدائر هناك، كانت هذه القوى تصر على توريطه، وبالتالي فإن سياسية الحكومة حفظت الحد الأدنى من الاستقرار وحمت البلد من أي انقسام. وهي، بحسب ما تظن المعارضة، تفخر بخيار النأي النفس الذي اعتمدته لاعتبارات ثلاثة هي: الحدود الجغرافية، العلاقات الدولية والعربية والانقسام الداخلي. ويسأل المصدر: لو كانت المعارضة في الحكم فهل كان يمكنها أن تأخذ أي خيار آخر، وهل كانت على استعداد لتعريض السلم الأهلي للخطر؟
يؤكد نائب في «8 آذار» أن هذه القوى ستعتمد الموضوعية في المناقشات، فتنتقد حيث يجب أن تنتقد، آملة أن تقوم قوى «14 آذار» بالمثل. وإذ يؤكد أن الأكثرية ستلتزم بالخطاب الهادئ، إلا أنه يشير إلى أنها لن تسمح بتدني مستوى الخطاب وسترد على أي محاولة للتجني والإساءة.
النائب نفسه يعيد النقاش إلى البداية، مشيراً إلى أنه «مهما تعددت الملفات وتشعبت، فإن العنوان الأول لكل ما سيتلى ويردد سيكون الانتخابات النيابية». ولهذا، يؤكد أن «التصويب على وزراء «تكتل التغيير»، ينطلق من حسابات المعركة المسيحية المسيحية، التي ستحسم هوية الأكثرية المقبلة». كما يستنتج أن «خلف هذا التصويب محاولة للتغطية على معضلة حقيقية يعيشها مسيحيو «14 آذار» وتحديداً «القوات اللبنانية»، وتتمثل بالعلاقة شبه المقطوعة مع البطريركية المارونية، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على هذه القوى، التي اعتادت سابقاً على الدعم اللامحدود من بكركي».