الزيارة التي قام بها الراعي تحت عنوان «وحدها الثقافة تبني لبنان»، ورافقه فيها المطرانان بولس مطر وكميل زيدان والأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار والمونسنيور جوزيف بواري والأب مروان ثابت، تشكل استكمالاً لخط انفتاحه اتجاه الآخر وتترجم أكثر مبادراته اتجاه الأطياف المختلفة في المجتمع اللبناني.
تأتي هذه الزيارة، بعد أيام ثلاثة على ذكرى الحرب الأهلية، كرسالة سلم وسلام عابرة لحواجز وخطوط تماس الماضي اللبناني الثقيل.
ينظر الأطفال وأبناء الجمعية هنا إلى الراعي بانبهار. وبدوره، يوزع عليهم ابتسامات قريبة ثم يصافحهم فرداً فرداً. هذا كان مشهداً رمزياً أليفاً يغض النظر عن أي اختلاف ويخفف تعب الذاكرة من حدة الاصطفافات واشتعالها بشكل أو بآخر. الاحتفالية البسيطة جاءت لتنقل صورة مناقضة عن صراخ ومصالح متضاربة وانشقاقات عميقة كانت تبرز في مكان ليس ببعيد من المجمع المقاصدي، تحديداً في مجلس النواب.
اهتمام الراعي بتفاصيل نشأة «جمعية المقاصد» العريقة كرّس الطابع التربوي للزيارة، ولم يغيب ذلك الرسائل التي حملتها زيارة مرجعية بمقام الراعي لجمعية تميزت بـ«الاعتدال والمحبة والتلاقي والألفة والوفاق والعيش المشترك بثقافتها وتربيتها للأجيال على القِيَم الأخلاقية والعلمية والاجتماعية والإنسانية»، كما ذكر رئيس الجمعية أمين الداعوق، واصفاً زيارة الراعي بـ«التاريخية». وعبّر الداعوق عن «محبة الأسرة المقاصدية واحترامها لمقام الراعي الذي يمثل مرجعية دينية ووطنية يعتزّ بها اللبنانيون»، مؤكداً «التعاون المشترك الثابت والدائم بين المقاصد والمدارس الكاثوليكية والذي يأتي انطلاقاً من تطوير وتعزيز الرسالة التربوية التي يطمح لها كل لبناني».
كان الراعي طوال زيارته التي بدأت بعد ظهر أمس وامتدت حتى ساعات المساء، يعبّر بلهفته وبإنصاته وبكلماته عن فرحته «بزيارة المكان الذي يتخرج منه قادة الغد في لبنان، وقائد الغد هو الإنسان الملتزم، الأخلاقي، والمضحّي، والذي يخدم وطنه ومجتمعه بإخلاص، والذي يندفع باستمرار للخدمة بتفانٍ وتجرِّد بدون تعالٍ، ونحن في لبنان، بأمس حاجة لقادة كهؤلاء».
وأكد دور المدرسة في التربية وفي نشأة الوطن، معتبراً انه «ما دام لدينا مدرسة حرة في لبنان، وليس مدارس إيديولوجية أو مُسَيَّسَة، يعتبر المستقبل بيد المدارس». وردّد: «الزيارة تعيدنا إلى صف الروضة لأننا كلنا بحاجة أن نظل من الآن لآخر نفس من حياتنا ونبقى دائماً طلاباً، طلاب معرفة، طلاباً منفتحين دائماً على كل جديد لأن العالم بهذه الحركة السريعة بمتغيراته بحاجة إلى إنسان يتجدد كل يوم، ونحن اليوم نعلن انتسابنا طلاباً في المقاصد».
وقبل أن يُنهي الراعي المحطة الأولى في زيارته «المقاصدية»، استمع إلى شرحٍ مفصَّل عن تاريخ الكلية من مديرتها هبة نشابه التي أطلعته على المناهج التربوية بالطرق الحديثة التي تُعتَمَد لإعداد الناشئة في مدارس «المقاصد». وجال الراعي في أرجاء المدرسة وفي مبنى فيصل الأول، واستمع لشرح مديرة إدارة شؤون تكنولوجيا المعلومات عدلا شاتيلا عن كيفية إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية من خلال اللوح التفاعلي. وشاهد عبر شاشة كبيرة نقلاً مباشراً من أحد الصفوف، ليودع الكلية بعد زرع شجرة صنوبر في باحتها الخارجية.
المحطة الثانية كانت في «مركز عبد الهادي الدبس للإعداد المهني والتقني»، حيث كان في استقباله رئيس مجلس أمناء «جامعة المقاصد» هشام نشابه ورئيس مجلس أمناء «صندوق الزكاة في لبنان» عدنان الدبس، ومدير المركز عادل دمج. وقدّم دمج شرحاً للأساليب التي يعتمدها المركز لتأهيل الطلاَّب وتدريبهم فنياً. وتفقد المشاغل الفنية والورش الميكانيكية والالكترونية والكهربائية.
أما المحطة الثالثة فكانت في «مستشفى المقاصد»، حيث تفقَّد الراعي عدداً من المرضى الأطفال، وقدَّم مدير المستشفى بلال غزيري شرحاً عن نشأة المستشفى وتطوره وخدماته. وعُرض فيلم وثائقي عن المستشفى. وتحدث رئيس الجسم الطبّي في المستشفى الدكتور أنس مغربل عن «الوسائل الطبية المتطورة التي يعتمدها المستشفى خاصة مركز زرع نقي العظم لمكافحة أمراض الدم والأورام وهو أول مركز أنشئ في لبنان». وقدّمت مديرة معهد التمريض سوسن حلبي لمحة عن البرامج التعليمية لمهنة التمريض.
وختم الراعي جولته بزيارة «جامعة المقاصد - كلية الدراسات الإسلامية» واستقبله مدير إدارة شؤون التعليم العالي الدكتور كامل دلال ومدير الكلية البروفسور أمين فرشوخ، وجال على قاعة توثيق العلاقات الإسلامية - المسيحية في الكلية، والمكتبة العامة وغرفة المخطوطات التاريخية النادرة. واستمع إلى شرحٍ من الهيئة التعليمية عن طريقة تحصيل الدراسات العليا في الكلية، وإجراء أبحاث معمَّقة في الدراسات الإسلامية العلمية والثقافية التي تتمحوَر حول المسلمين في التاريخ.