أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

النـفـط واحتـلال هجلـيـج... أكـثـر مـن مجــرد معــركـة

الأربعاء 18 نيسان , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 14,068 زائر

النـفـط واحتـلال هجلـيـج... أكـثـر مـن مجــرد معــركـة

وكما يحدّق العسكريون نحو منطقة هجليج، فإن أنظار الاقتصاديين ومعها بورصة السلع والتجار والمواطنين تصبّ في الاتجاه ذاته. إذ انه، وبعيد ساعات فقط من احتلال هجليج، ازدحمت السيارات على محطات الوقود في الخرطوم إثر ما أشيع عن «انعدام الوقود خلال زمن قصير لا يتعدّى الساعات». الأمر الذي دفع حكومة الخرطوم إلى طمأنة المواطنين حول وجود مخزون ملحوظ من الوقود يكفي حاجة البلاد، متهمة المعارضة ببث الشائعة. وفي خط مواز، شهدت جوبا، عاصمة الجنوب، الازدحام نفسه، وهي التي كانت قد أغلقت آبارها النفطية عقب خلافها مع الخرطوم حول سعر نقله عبر الأنبوب السوداني. وما بين احتلال الجنوب لهجليج، وبين مسعى الخرطوم لتحريرها، تبدو التأثيرات الاقتصادية جلية في الجانبين، في مناخ لا يخلو من القلق العام. 

في الواقع، الكل يتفق على أن معركة احتلال هجليج، كما جهود تحريرها، ليست أمراً عسكرياً خالصاً، بل هو صراع على الطاقة يمكنه أن يفجر الأوضاع في بلدين يملكان موارد ضخمة وإرثاً من الخلافات المتراكمة.. وذاكرة حرب أهلية تعد الأطول في أفريقيا. 

ويرى الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير، في حديثه لـ«السفير»، أن «الوضع سيصبح مقلقاً بالنسبة للحكومة السودانية إذا استمر احتلال منطقة هجليج المنتجة للنفط لفترة طويلة، وإذا لم تنجح الحكومة السودانية في التأمين الكامل للمتبقي من حقول النفط السودانية الأخرى عقب سقوط هجليج في أيدي جيش حكومة جنوب السودان». ويغمز الناير هنا من زاوية وقوع آبار النفط الأخرى في السودان في منطقة «بليلة» بالقرب من جنوب كردفان وعلى الحدود من «دولة جنوب السودان» اللدودة، وهو ما يجعلها في دائرة الخطر. 

ويعود الناير ليوضح أن «احتلال الجنوب لهجليج، وحرمان السودان من نفطها لن يحدث تأثيراً كبيراً على المدى المتوسط، حيث تؤكد التصريحات أن الجيش السوداني سيحرر هجليج خلال ساعات». ولذلك يشير إلى أنه «بعد استعادة الحكومة للمنطقة وتحريرها، ستعمل الحكومة على تشغيل آبار النفط بالسرعة المطلوبة، وبالتالي لن تتأثر أوضاع السودان النفطية إلا على مدى قصير، لن يتعدى الستة أو سبعة أسابيع تقريباً». 

ويقول الناير إن خريطة وضع النفط في السودان تبدو واضحة جداً لمن يريد قراءتها، حيث أن البلاد تنتج يومياً حوالى مئة وخمسين ألف برميل تقريباً، وتبلغ حصة إنتاج حقول هجليج المحتلة النصف تقريباً، أي ما بين الخمسة والخمسين والستين ألف برميل يومياً، بينما تنتج بقية الحقول في منطقة بليلة وبعض الحقول الصغيرة الأخرى بقية الإنتاج. 

ويرى أن السودان لا يصدر منتجاته النفطية إلى الخارج عدا نسبة محدودة تصدر كوقود البنزين إلى الجارة أثيوبيا، بينما يستهلك السوق المحلي مشتقات الغازولين كلها. وعليه، فإنه من الوارد أن توقف الحكومة السودانية صادراتها النفطية لأثيوبيا، كما أنه من الوارد أن تلجأ أيضاً إلى توفير احتياجاتها عبر الاستيراد من الخارج في حال اضطرت لذلك. 

وفي هذا الإطار، يوافق الناير على تأكيدات وزارة النفط السودانية والمسؤولين المطمئنة للمواطنين بأن «في البلاد مخزوناً جيداً من المواد البترولية، وهو ما يغطي احتياجات البلاد لفترة معقولة»، ويوضح «للحكومة احتياطياتها من النفط كما تفعل كل دول العالم، وستتم الاستفادة منها لتغطية الاحتياجات اليومية». 

وحول التداعيات الاقتصادية غير المباشرة لاحتلال حكومة الجنوب لحقول نفط هجليج وانخفاض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار، يشرح الناير أن «سعر صرف الدولار وارتفاعه مرتبط بالأساس بمعطيات وعوامل ومؤشرات أخرى، من بينها العامل النفسي للمواطنين»، لافتاً إلى أن «سوق الصرف يشهد ارتفاعاً غير مبرر في صرف الدولار، وان الوضع سيعود طبيعياً فور زوال المؤثرات النفسية التي أعقبت انفصال الجنوب». 

ما سبق يدفع الخبير الاقتصادي لدعوة الحكومة السودانية إلى أن تباشر تنفيذ بعض السياسات الاقتصادية لتقليص الفجوة بين سعر الدولار في السوق الرسمي وسعره في السوق السوداء، حيث يتراوح بين ثلاثة جنيهات سودانية وستة في السوق الموازية. ويوضح قائلاً إن «المعادلة الآن مشوّهة، ولكن سياسات الحكومة المرتقبة بإدخال كل المطلوبين ضرائبياً إلى المظلة الضريبية كفيلة بمعالجة الوضع اقتصادياً». في المقابل، استبعد الناير لجوء الحكومة السودانية إلى رفع الدعم عن المحروقات في الموازنة السنوية التي أعلن أنها ستراجع ليتم إقرارها مرة أخرى عقب التطورات الماثلة. وأضاف «الموازنة وضعت بتفاؤل عند إجازتها، وبلغت قيمتها حوالي ثلاثين مليار جنيه سوداني، أي ما يعادل عشرة مليارات دولار، وفق السعر الرسمي للصرف، وبالتالي لم يكن بها مؤشرات للحيطة والحذر لما بعد الانفصال». 

من جهة ثانية، كان الخبير في شؤون النفط سيد أحمد قدّم، أثناء حديثه لصحيفة محلية، وجهة نظر مغايرة، إذ أشار إلى أن الكميات المنتجة من النفط في السودان حالياً تخضع لاتفاقية توزيع الإنتاج بين الحكومة والشركات المنتجة نفسها. ورأى احمد، الذي عمل مستشاراً في وزارة النفط في السابق، أن «الاتفاقية تعطي الحكومة الحق في أن تشتري النفط المنتج وتدفع مالاً للشركات المنتجة، مما سيوفر للبلاد فرصة توظيف كل المنتج النفطي لمصلحة سدّ حاجة الاستهلاك». 

وعلى «الجبهة» الاقتصادية الجنوبية، يشير الناير لـ«السفير» إلى أن القبضة الاقتصادية تضيق أكثر على حكومة جنوب السودان لجهة إغلاقها لأنابيب النفط إثر الخلاف مع حكومة الخرطوم حول سعر النقل عبر أنبوب النفط السوداني، بعد فشل التفاوض عليه في العاصمة الإثيوبية لأكثر من جولة تفاوضية خلال الشهرين الماضيين. 

كلام الناير يؤكده واقع أن الجنوب كان ينتج عقب الانفصال حوالي 340 ألف غالون يومياً، كما أنه، ومنذ قرار إقفال الآبار، اعتمدت حكومة الجنوب على تعويض النقص النفطي بدعم خارجي من أميركا وإسرائيل. 

من جهتها، دعت المعارضة الحكومة السودانية إلى مراجعة أوضاعها الاقتصادية إذا استمرت الحرب مع جنوب السودان. وتساءل الحزب الشيوعي السوداني المعارض، على لسان صحيفته «الميدان»، عما سيحدث إذا امتدت الحرب، وأخطر نتائجها تجمد النفط في الأنابيب وضياعها إلى الأبد، وهذا من الممكن أن يحدث خلال أيام إذا لم يتدفق النفط فيها. كما تساءل عمّا سيكون الوضع عليه في البلاد بعد خروج 55 ألف برميل من الإنتاج اليومي الكلي؟ وكم سيبلغ سعر الدولار إذا كان الآن ستة جنيهات؟ 

وطالب الحزب الشيوعي حكومتي البلدين بوقف الحرب والجلوس للتفاوض وحل القضايا العالقة بما فيها العدوان الذي وقع على هجليج، وليس العمل برد الفعل الذي يبتعد عن بؤس الواقع الاقتصادي الذي يعجز عن إدارة حرب بهذه الكثافة.


Script executed in 0.18305706977844