لم تخرج الجالية اللبنانية في سيدني منذ الاستقلال اللبناني لملاقاة رئيسها. جاء اللبنانيون بالمئات الى «سيدني أولمبيك بارك»، برغم المطر الشديد. اجتمعوا حول الرئيس ميشال سليمان في مشهد حواري تفتقد إليه بيروت، بينما يتشوق إليه لبنانيو الخارج، برغم بعض التشويش على الزيارة، في محاولة لإدخال الرئيس في زواريب الحسابات اللبنانية الضيقة.
في القاعة التي جمعتهم، وحّدهم علم لبنان ونشيده ورئيسه، كما النشيد الاسترالي، ليرتجل سليمان كلمة «من القلب إلى القلب»، قاطعها الحاضرون بالتصفيق والهتافات والعبارات. قال رئيس الجمهورية إن ولادة لبنان «تبدأ في الوقت الراهن، وتحديداً في ظل التحول نحو الديموقراطية الذي تشهده الدول العربية، من هنا، فإن دورنا بات مهماً جداً في المستقبل، وسط هذا التغيير من حولنا».
واستعرض سليمان المراحل الصعبة التي قطعها لبنان وحافظ خلالها على استقراره، واوضح ان مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين الذين فقدوها احيل الى مجلس النواب وسوف يقر قريبا. ودعا المغتربين الى تسجيل قيودهم، وقال: نحن نريد ان يستعيد اللبنانيون جنسيتهم، ليس لسبب سوى لدعم لبنان وتعزيز قوته عبر المغتربين الذين يشكلون «اوكسجين» لبنان مهما اشتدت الظروف عليه. وتوجه للمغتربين قائلاً «الاستثمارات في لبنان يجب ان تكون لكم قبل غيركم، ولا يجب التخلي عن الارض اللبنانية، فهي أغلى من كل اراضي العالم، ابنوا منازلكم عليها».
وعدد سليمان مكامن القلق اللبناني والعربي، متوقفاً بصورة خاصة عند «القلق على سوريا الجارة الشقيقة والتي تربطنا بها علاقات تاريخية عميقة وروابط جغرافية»، وقال ان الشعب اللبناني «يكنّ المودة والصداقة للشعب السوري بأجمعه دون تمييز بين فريق وآخر، ونتمنى وقف العنف في أسرع وقت في سوريا والسعي الى الديموقراطية التي يريدها الجميع، وهذا يحصل من خلال جلوسهم مع بعض والتحاور والاتفاق على الوصول الى هذه الديموقراطية وفق ما يرغبون من دون تدخل من أحد، ونأمل في هذا السياق، أن تثمر مبادرة المبعوث الأممي والعربي كوفي انان في أقرب وقت ممكن».
أضاف «رغبتنا هي إطفاء الحريق في سوريا، ولكن إذا لم نستطع ذلك، فعلى الأقل علينا الا نؤججه كي لا يمتد الى لبنان. لبنان لن يكون بعد اليوم ساحة لتصفية الحسابات لأي كان، كما لن يكون قاعدة انطلاق تخريبية ضد سوريا او اي دولة عربية».
وعرض سليمان للمؤشرات السياسية والاقتصادية والمالية الواعدة، كما للمشاريع الصلاحية التي أقرت أو ستقر، وقال «كل هذه المشاريع تبحث ويبقى المشروع الأهم وهو تحديث قانون الانتخابات وجعله قانوناً عصرياً كفيلاً بتمثيل جميع اللبنانيين بشكل صحيح، وتأمين حق الانتخاب للمغتربين»، وقال «إذا استطعنا معاً تحصين الطائف وهو دستور جيد للبنان، مع تصحيح بعض الثغرات الموجودة فيه، لمصلحة لبنان وليس لمصلحة اي احد كي نعيش في ظله لمدة طويلة ولا نضطر الى تغيير الدستور في وقت قريب».
وكان سليمان قد استهلّ نشاطه صباحاً بزيارة حاكمة مقاطعة نيو ساوث ويلز البروفسور ماري بشير المتحدرة من أصل لبناني في قصر الحاكمية في سيدني (عينتها الملكة اليزابيت الثانية).
ورحبت بشير برئيس الجمهورية، وعرضت للدور الريادي لأبناء الجالية اللبنانية في المقاطعة في شتى الميادين السياسية والإدارية والثقافية والتربوية والطبية والإنسانية، مشددة على أهمية تعزيز الأواصر بين أستراليا ولبنان، وردّ سليمان مؤكداً على متانة العلاقة اللبنانية ـ الأسترالية، معرباً عن إرادته في توسيعها لتصبح على مستوى العلاقات الإنسانية الموجودة، شاكراً للحاكمة بشير حفاوة الاستقبال. وقلد سليمان بشير وسام الارز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، ثم أقامت حاكمة نيو ساوث ويلز مأدبة غداء تكريمية على شرف سليمان والسيدة وفاء سليمان وتخللت المأدبة كلمات مجاملة، علماً أن بشير في العقد الثامن من العمر وهي أول حاكم يجمع بين منصبه وبين رئاسة جامعة، بقرار استثنائي من ملكة بريطانيا.
وعرضت بشير لتجربتها في رئاسة جامعة سيدني وكيف انشأت كرسياً جامعياً في جامعتي سيدني واليسوعية متخصص بحوار الثقافات والاديان، وطرح سليمان انشاء كرسي آخر بين جامعة سيدني والجامعة اللبنانية يعنى بالديموقراطية التوافقية.
وشمل برنامج سليمان، أمس، عقد لقاء مع غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في سيدني. كما استقبل وفداً من رجال الاعمال الاستراليين المتحدرين من أصل لبناني، ممن عبروا عن رغبة في الاستثمار في لبنان، وطالبوا بتذليل المشاكل والتعقيدات الإدارية التي تعيق سرعة تنفيذ الاستثمار وتخفف من اندفاع رجال الاعمال للاستثمار في لبنان.
والتقى رئيس الجمهورية في مقر إقامته أيضاً، رئيس المعارضة الأسترالية طوني أبوت، وبحث معه في العلاقات القائمة بين لبنان وأستراليا، وسبل تفعيلها في المجالات كافة. وكان لافتاً للانتباه ان أبوت طرح اسئلة تتعلق بإسرائيل وحزب الله وايران وسوريا، وكان رد سليمان واضحاً لجهة تأكيد الثوابت الوطنية والعربية ووجوب تطبيق الديموقراطية على الفلسطينيين عبر إقامة الدولة المستقلة وعودة اللاجئين.