ليل الأربعاء الماضي، كان منزل الرئيس فؤاد السنيورة في شارع الجامعة الأميركية في بيروت، يشهد اجتماعاً مغلقاً، ضم إليه كلاً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والوزير وائل أبو فاعور، وكان معهم رجل رابع، هو محمد شطح، المتصف دوره في هذه المرحلة _ وفق أخبار مستقاة من مصادر مقربة من السنيورة _ بأنه «عرّاب» فكرة تأليف حكومة وسطية، يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، وظيفتها الإشراف على الانتخابات النيابية في العام المقبل، وسط مناخ غير منقاد من قوى 8 آذار الموجودة في الحكم حالياً.
ثمة التباس في هذه المعلومات، مفاده أن عراب الفكرة، أي شطح، يتحدث في كواليسه عن حكومة وسطية، فيما أجواء السنيورة تتحدث عن حكومة تكنوقراط حيادية. وخلال المناقشة العامة التي استغرقت مجلس النواب لثلاثة أيام هذا الأسبوع، بدا أنها كادت تكون خالية من أي جديد سياسي، سوى مطالبة السنيورة بحكومة حيادية. واللافت أن مطالبته هذه جاءت في جلسة يوم الخميس، أي بعد يوم من لقائه الليلي بجنبلاط.
وتتحدث مصادر ترصد هذا السياق عن وقائع لافتة، ليس هناك دليل على تأكيد صحتها، تحصل منذ فترة ليست ببعيدة، منها قصة زيارات السنيورة الدورية للسرايا الكبيرة، بمعدل مرة كل أسبوع، وقيامه خلالها بالاجتماع مع ميقاتي أحياناً، واللقاء دائماً مع المدير العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، والتشارك معه بشأن مشاريع موجودة على جدول أعمال الحكومة. وتقول هذه المصادر إن هذه الزيارات تحصل سراً!!
ليس مالوفاً أن للسرايا الكبيرة مداخل غير مرئية، يمكن السنيورة ولوجها من دون أن يراه أحد. لكن أصحاب هذه الرواية يصرون عليها. وتكمل هذه المصادر قائلة إن همس حكومة التكنوقراط وصل إلى مسامع السوريين، ما قاد دمشق، وهذه المرة بحسب رواية شخصية سياسية لبنانية قريبة من القيادة السورية، إلى إيصال رسالة لميقاتي مع أكثر من رسول لبناني تتضمن أربع لاءات: لا لاستمرار سياسة النأي بالنفس؛ فهذه نظرية لم تعد مقبولة من دمشق. لا لتجاوز الجنرال ميشال عون، والمطلوب الوقوف على خاطره ورأيه في كل قرار حكومي يتخذ. لا لحكومة تكنوقراط مع 14 آذار. لا لإبقاء المطلوبين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية طلقاء، ويجب تسليمهم للسلطات السورية.
ويستدرك المصدر عينه المقرب من سوريا، فيصحح ضمن هذا السياق معلومة كانت قد شاعت في كواليس 8 آذار، تقول إن دمشق طلبت من ميقاتي اجتماعاً عاجلاً به، وخلاله أُبلغ، (أو أُبلغ موفده)، باللاءات الأربع. ويقول: «إن الصحيح هو أن قصر المهاجرين حمّل أكثر من شخصية لبنانية هذه الرسالة السورية إلى ميقاتي، وذلك حتى يكون هناك شهود على ما طلبته دمشق منه».
وبملاحقة خيوط هذا المسار الصامت عن تأليف حكومة التكنوقراط، يندرج سؤالان مهمان: الأول، عن موقف جنبلاط من هذه الفكرة التي يسعى إليها السنيورة وينشط في تعريبها داخلياً وخارجياً محمد شطح، ويتفاعل معها ميقاتي.
ليست هناك إجابات شافية عن هذا السؤال.
البعض قرأ في تصرف جنبلاط في مجلس النواب أول من أمس، خلال التصويت على بقاء الحكومة الحالية، بوصفه دليلاً على أن المختارة لا تزال معنية بتسليف مواقف إيجابية للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. لكن ثمة معلومات تشير إلى اتجاه آخر، تفيد بأن جنبلاط «هندس» علاقاته مع السعودية، ولم يبق لإعلان نقلته إلى محور وسطي أقرب إلى 14 آذار، سوى اتصال هاتفي ينتظره على أحرّ من الجمر، من أحد قصور الملك عبد الله في السعودية، ليكون تتويجاً لجهد مصالحته السياسية مع الرياض، المستمر منذ أشهر، أعدّ مقدماته الوزير غازي العريضي مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز. وتقول هذه المصادر إن هاتف المختارة لن ينتظر طويلاً؛ إذ إن استقبال الملك عبد الله للرئيس سعد الحريري يوم أول أمس، يؤذن بأن ملف لبنان أُعيد فتحه في السعودية، وأن جنبلاط سيكون الرجل الثاني الذي سيستقبله ملكها بعد الحريري.
السؤال الثاني هو عن موقف واشنطن من فكرة إجراء تغيير حكومي الآن في لبنان.
بإزاء هذا السؤال، هناك إجابتان: الأولى تنصح بالتمعن في خطاب نائب وزير الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، خلال الاحتفال بذكرى «ثورة الأرز» الشهر الماضي في أميركا، وقد تضمن محددين اثنين لقوى 14 آذار:
الأول، ضربه موعداً سياسياً للتغيير في لبنان لمصلحة حلفائه فيه، وهو الاستحقاق الانتخابي في عام 2013، ما أثار الدهشة حينها عن سبب تبرعه بافتتاح الموسم الانتخابي النيابي مبكراً. والمحدد الثاني هو أمر المهمة على مستوى العمل الداخلي لحلفائه اللبنانيين، المتمثل، حسب تعبيره الحرفي، بالعمل للتخلص من بقايا النظام السوري في لبنان.
يضيف أصحاب هذا الرأي، وهم يسمونه «سياقاً معلوماتياً»، أن ثنائي السنيورة _ شطح يتحرك ضمن هذين المحددين، ويعمل الآن لتمهيد الطريق أمام بلوغ هدفه في انتخابات عام 2013، وذلك من خلال ضمان تأليف حكومة حيادية، تحت مسمى تكنوقراط أو «وسطية بنكهة 14 آذار» تشرف على انتخابات لا يكون مناخ الحكم المسيطر عليها لمصلحة 8 آذار.