أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«لجنة تفادي الأعمال الوحشية»: خطة أميركية لـ«مأسسة» التدخل العسكري؟!

الخميس 26 نيسان , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,415 زائر

«لجنة تفادي الأعمال الوحشية»: خطة أميركية لـ«مأسسة» التدخل العسكري؟!

وفيما يعكس اسم اللجنة الوظيفة المنوطة بها، وهي مساعدة الولايات المتحدة في تحسين قدرتها على تحديد تهديدات الأعمال الوحشية، والردّ عليها بالشكل الملائم، يثير توقيت الإعلان وشكله جملة أسئلة حول ما الجديد الذي تحمله هذه الصيغة على سياسة التدخل الأميركي المعهودة، والتي تعززت بعد هجمات 11 أيلول؟ 

بداية لا بدّ من توضيح بسيط لآلية عمل اللجنة، التي تحظى بدعم مباشر من الرئيس الأميركي، حيث تضم أعضاء من جميع الوزارات، ومن بينها الخارجية والدفاع والخزانة والعدل والأمن الداخلي فضلاً عن وكالات ومنظمات أخرى. وتجتمع اللجنة مرة في الشهر وفي حالات الطوارئ، ويجتمع المسؤولون مرة سنويا لمراجعة أدائها وطريقة عملها. أما الأهم، في هذا الإطار، فهو هوية رئيستها: إنها المديرة الأقدم للشؤون متعددة الأطراف في مجلس الأمن القومي والمستشارة المقربة من أوباما سمنتا باور. علماً أن باور هي صاحبة كتاب «مشكلة من الجحيم: أميركا وعصر الإبادة الجماعية» الحاصل على جائزة «بوليتزر»، وقد عرفت بأنها «ملهمة» أوباما في ما يخص التدخل العسكري في ليبيا.

ما سبق، فضلاً عن التهليل الذي استقبل به «دعاة التدخل» في أميركا إنشاء اللجنة، اعتُبر مبرراً للمخاوف التي رافقت الإعلان عن «مأسسة» نزعة التدخل العسكري في البلدان الأخرى. ويُذكر أن من بين أشد «المهللين» كانت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن سوزان رايس، المرشحة لخلافة وزيرة الخارجية الحالية هيلاري كلينتون. ورايس كانت من أكثر المدافعين عن التدخل الأجنبي في ليبيا. وإلى جانب رايس كان هناك سفير أميركا السابق لدى «الناتو» كيرت فولكر، الذي رحب في مقال في «كريستيان ساينس مونيتور» بالفكرة، وكذلك مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد بيل كلينتون، التي كتبت في مجلة «فورين بوليسي» أنها تدعم هذا «الحلّ البراغماتي».

ولكن «أميركا في حاجة لأسباب تمنعها من التدخل، لا تحثها عليه».. قد تكون هذه العبارة التي وردت في تقرير نشرته مجلة «ذا ناشيونال إنترست» خير تعبير عما أثاره قرار واشنطن في المقابل من شكوك ومخاوف.

بداية، يعتبر التقرير أن مجرّد الإعلان عن إنشاء لجنة لدراسة طرق التدخل هو بمثابة اعتراف بأن واشنطن لم تمتلك في «تدخلاتها» السابقة إستراتيجية واضحة.

من ناحية ثانية، ثمة أسباب عدة للقلق من «لجنة تفادي الأعمال الوحشية» هذه. الأول، بحسب المجلة، القلق من أنها ستعمل وفقاً لأهواء مؤسسيها، وبالتالي ستقود إلى مزيد من التدخل في المستقبل من خلال إيجادها كتلة ضغط قوية داخل الحكومة، وإتاحتها أدوات تسهل عملية التدخل، كما تكريسها لفكرة أن «تفادي الأعمال الوحشية والمجازر يعد حماية للأمن القومي، وهو مسؤولية معنوية تتحملها الولايات المتحدة».

مصدر ثان للقلق تطرحه المجلة يتمثل بسؤال «إلى أي درجة يُعدّ منعهم مسؤولية على الولايات المتحدة. ما يطالب به أوباما سيجعل من البديهي تورط أميركا في التدخل لا العكس. واليوم ما تحتاجه أميركا هو أسباب لعدم التدخل. وهذا ما يودي بدوره إلى مجموعة من الأسئلة لا يجيب عنها القرار الحالي: أي مجازر نحن مسؤولون عنها؟ جميعها؟ ما الذي يمكن تصنيفه في خانة المجزرة؟ لماذا يعد مقتل تسعة آلاف شخص في سوريا مجزرة فيما لا ينطبق الأمر على مليون شخص قتلوا في الكونغو؟ ومن دون صياغة واضحة للشروط التي ستعمل بموجبها اللجنة فإن هذا القرار يبدو سياسياً أكثر منه رسم سياسة».

مصدر ثالث هو أن «تصبح الولايات المتحدة أكثر تجهيزاً للتدخل فهذا يعني انخراطاً اكبر في الصراعات. أوباما قال بأنه من دون وجود بنية تحتية للتدخل تقتصر خيارات الولايات المتحدة على اثنين: إما التدخل على نطاق واسع أو عدم التدخل، ولكن التدخل الجزئي مجرّد أسطورة، وتفادي وقوع الجرائم عمل صعب وخطير ومكلف للغاية».

وبينما تؤكد المجلة على «النبل» الظاهر لفكرة اللجنة، إلا أنها تأسف لمدى العسكرة التي أصبحت عليه سياسة أميركا الخارجية، فـ«الأموال التي صرفناها بعد 11 أيلول على التدخل أو التهديد بالتدخل خير دليل. فضلاً عن ذلك، فإن الاعتماد النهائي على الحلّ العسكري يؤجج العداء ضدّ أميركا، كما أنه يفتقد إلى أي نوع من الخيال أو الإنسانية بعكس ما يقدم له، لا سيما عندما يكون هدفك منع أحدهم عن القتل فهذا يعني قتل البعض».

وفي سياق متصل، تبقى سوريا المحور الأساسي في النقاش بشأن الهدف من اللجنة، إذ يعتبر البعض أن الأزمة السورية قد تكون أول اختبارات هذه اللجنة. ويعزز أصحاب هذه النظرية، أمثال بول ستارز في «مجلس العلاقات الخارجية»، ذلك بسوق ما قاله أوباما في خطاب الإعلان عن إنشاء اللجنة بأن «ما يحدث في سوريا كان أحد الأمثلة الأساسية على الأزمات التي دفعتنا لإنشاء مثل هذه اللجنة».

وكان للكاتب في مجلة «ويكلي ستاندرد» لي سميث موقفه السلبي من اللجنة.. ولكن على طريقته، إذ اعتبر أن هذا القرار هو «مجرّد مأسسة أو تبرير لتجاهلنا ما يحدث في سوريا».

وينتقد سميث في هذا الإطار ما يسميه «في أحسن الأحوال، تردّد واشنطن في سياستها الخارجية إزاء سوريا. ففي البداية اتهمت المعارضة بأنها مشرذمة، وهي لا تعرف من تدعم، ثم تخوفت الإدارة من ان تكون القاعدة قد تسللت إلى داخل المعارضة».


Script executed in 0.18534588813782