نأى ابن بلدة بعقلين في قضاء الشوف، بنفسه عن أمور الدنيا، وظل بعيداً عن الناس، مؤثراً البقاء بين منزله وخلوته مكرساً وقته للصلاة والتعبد والزهد بكل مباهج الحياة، إلا في أمور كانت تفرض عليه تقريب وجهات النظر بين ابناء الطائفة، بعيداً من السياسة ومسالكها الضيقة، فكان المرجع والملاذ في الأزمات وحظي كمرجعية روحية بإجماع المؤمنين من جبل السماق في بلاد حلب إلى جبل الكرمل في فلسطين المحتلة وصولاً الى لبنان وجبل العرب في سوريا.
لقب ولي الدين بـ«أسد الشوف» لشدة وقاره وشجاعته، يوم سار في مقدمة المقاتلين في العام 1983 لرد العدوان عن بلدته ابان «حرب الجبل»، عملاً بمقولة الشيخ الراحل ابو حسن عارف حلاوي «من يعتدي ليس منا... ومن لا يردّ المعتدي ايضاً ليس منا».
احتل أبو محمد جواد موقعاً لم يسع إليه، بعد وفاة الشيخ حلاوي، وكان الوحيد من المشايخ الذين وصلوا إلى مراتب روحية جعلت الشيخ أبو حسن عارف يصطفيه مع شيخين جليلين هما الشيخ أبو محمد صالح العنداري والشيخ أبو ريدان يوسف شهيب ليشكلوا جميعاً أركان القيادة الروحية، وهم ممن يعتمرون «اللفة المدورة» التي تمثل قيمة معنوية وروحية لدى الموحدين الدروز، ولأن الشيخين العنداري وشهيب توفيا كان الشيخ ولي الدين المرجع الروحي للدروز.
لا يمكن الركون إلى آلية أو إطار تنظيمي لاختيار القيادة الروحية للطائفة الدرزية، «فهذه مسألة معقدة وتخضع لظروف خاصة، فمن يبلغ مراتب أعلى في الزهد والابتعاد عن أمور الدنيا ومظاهرها يكون الشخص الذي يجمع عليه رجال الدين ليكون في موقع لا يسعى هو إليه» يقول أحد كبار مشايخ الدروز.
ترمز «اللفة المدورة»، عند الدروز «الى التقوى والورع ومخافة الله في مسلك التوحيد»، ويقول أحد المشايخ إن قلة من المشايخ يصلون إلى هذه المرتبة، «ولذلك فإن القيادة الروحية تجدّد نفسها ولا تخضع لشروط وآليات تنظيمية».
وثمة حرص من كبار مشايخ الهيئة الروحية على عدم الخوض في غمار السياسة، إلا على قاعدة حسن تدبير شؤون الموحّدين وفض النزاعات والخلافات بينهم، ولذلك ظل الشيخ ابو محمد جواد على مسافة واحدة من القوى السياسية كافة في الطائفة الدرزية.
عند وفاة الشيخ ابو حسن عارف حلاوي كبير مشايخ الطائفة الدرزية في لبنان عن عمر ناهر الـ104 سنوات في العام 2003، كان الشيخ ولي الدين، الوحيد المعتمر لـ«اللفة المدورة»، وآلت رئاسة الهيئة اليه تلقائياً، أما الآن فثمة شيخان قام ولي الدين في العام 2006 بتتويجهما بالعمامة المدورة هما الشيخ سعيد امين ابو غنام من عرمون، والشيخ ابو يوسف امين الصايغ وهو مقعد من بلدة معصريتي، فضلاً عن الشيح ابو حسيب سليمان الصايغ من معصريتي ايضاً الذي اعتمر «اللفة المدورة» لاحقاً بمباركة الشيخ ولي الدين.
ومن المؤكد أنه لن يكون ثمة من يتبوأ رئاسة الهيئة الروحية، على الاقل في الفترة المقبلة، حتى أنه في الاساس لم يكن ثمة مصطلح يعرف بالقيادة الروحية إلا منذ فترة وجيزة، عقب الصراعات داخل الطائفة وبين الأحزاب وإنما ستكون هناك «هيئة روحية» تعنى بشؤون الطائفة الدينية.
وبالاضافة الى اصحاب العمائم المدورة، ثمة مشايخ «من اصحاب الكلمة المسموعة»، ومنهم الشيخ امين العريضي وهو الى تقواه يعتبر علامة وصاحب علم واسع، فضلاً عن الشيح ابو صالح محمد العنداري نجل الشيخ الجليل الراحل ابو محمد صالح العنداري، وهو كان من المفترض ان يعتمر «اللفة المدورة» في العام 2006، لكنه لم يقبلها قائلاً إنه لم يحن أوان اعتمارها وإنه لا يستحقها بعد.
وهؤلاء جميعاً وغيرهم من المشايخ الذين ابتعدوا عن أمور الدنيا، سيمثلون الهيئة الروحية للطائفة إلى أن تتكرر ظروف مشابهة لتلك التي جعلت كلاً من الشيخين ابو حسن عارف حلاوي وابو محمد جواد يتوليان رئاسة الهيئة الروحية.