يأتي عيد العمال في اول ايار هذا العام، محاصرا بعدد من التحركات المطلبية العمالية وغير العمالية، ما يشير الى عمق الازمة الاقتصادية الاجتماعية والمعيشية، بشكل خاص، في ظل مناكفات سياسية، ترخي بظلها على المناخ الاستثماري العام، وعلى المؤسسات الاقتصادية والتجارية، مما يقلص فرص العمل امام طالبيه ويوسع ابواب الهجرة للذين لا يحصلون على فرصة في وطنهم. وقد يكون المستقبل اكثر غموضا، وصعوبة، اذ ان مؤشر الاستهلاك الذي يعده بنك بيبلوس والجامعة الاميركية يتوقع أن «يبقى النشاط الاقتصادي ضعيفاً خلال النصف الأول من العام 2012 نظراً لانخفاض مستوى ثقة المستهلك، خصوصاً بسبب تراجع توقعات المستهلكين على المدى القريب في ظل غياب أي تدابير ملموسة أو تطورات من شأنها أن ترفع مستوى الثقة لديهم».
يأتي الاول من ايار، عيد العمال العالمي، محاصرا بحركة مطلبية تشــمل اكثر من قطاع من قطاعات العمل والانتاج. تظاهرات ومســيرات للسائقين العموميين، اضراب الاساتذة والمعلمين، اضراب المستشفيات عن استقبال المرضى المضمونين، ضمان اجتماعي غاب عنه التطوير والتحديث، كهرباء غير متوافرة ولم ينعم المواطنون بنورها منذ مدة طويلة، مياه لا تصلهم، ادوية فاسدة ومزورة ومنتهية الصلاحية تفرض عليهم، مواد غذائية على انواعها فاسدة، ، بطالة متفاقمة، تضخم اطاح بالقدرة الشرائية للاجور، ارتفاع جنوني في أسعار المحروقات اكل نسبة تصحيح الاجور، حتى ربطة الخبز «مسخوها» وتعرض رغيف الفقراء للاعتداء، كل ذلك في ظل حكومة عاجزة عن اتخاد ابسط القرارات، حتى اصدار مراسيم مجالس العمل التحكيمية واعادة احياء المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
ممارسة القيادة النقابية
هذه هي اجواء عيد العمال في لبنان هذا العام، العيد هو رمز للنضال ومحطة لاعادة الحسابات، سلباً او ايجاباً، لكنه تحول الى مناسبات ، ليس اولها ما قررته قيادة الاتحاد العمالي العام من لقاء نقابي لاطلاق المواقف الخطابية، التي لن تعيد رغيفا الى ربطة الخبز، ولن تخفض سعر صفيحة البنزين، ولن تعيد خسارة القوة الشرائية للراتب، من اجل ان يؤمن حياة كريمة للعمال، وليس ثانيها التظاهرات والمهرجانات المقررة سلفا، للقول نحن هنا، لن نتخلى عن التقليد العمالي، في مثل هذه المناسبة، لكنها لا تختلف في المضمون عما ستطرحه القيادة النقابية في لقائها اليوم.
بين ايار 2011 وايار الحالي لم يتغير شيء في ماخص قيادة الاتحاد العمالي العام، حيث الممارسات من سيء الى اسوأ. ليس المجال واسعا لتعداد كل تلك الممارسات، يكفي ان يتناول أي متتبع مهزلة تصحيح الاجور. تبعها الخروج من لجنة المؤشر، ثم عقد اتفاق سمّته القيادة تاريخيا، وهو فعلا كذلك لأن قيادة الاتحاد لأول مرة في تاريخ الحركة النقابية في لبنان تسلم القرار في هكذا شأن للقوى السياسية النافذة داخل وخارج الاتحاد، من دون العودة الى الهيئات الدستورية في الاتحاد، ثم اتخاذ قرار الاضراب والغاؤه والاتفاق مع الهيئات، مما ضيَع جزءا من تعويض نهاية الخدمة على العمال (قدّرها الخبير كمال حمدان بـ8 الاف دولار لكل عامل) بسبب عدم ادخال بدل النقل في صلب الراتب بما يفيد كل الاجراء، علما ان عددا كبيرا من المؤسسات لم ينفذ القرار، ولو رضيت قيادة الاتحاد بالابقاء على مبلغ 8 الاف بدلا عن 12 الف ليرة كما كان مطروحا. يضاف الى ذلك الانقلاب على التغطية الصحية الشاملة لكل اللبنانيين لايقاف الزبائنية والوقوف امام ابواب هذا الوزير او ذاك النائب. كمــا جرى فتح معــركة مــع وزير العمل السابق شربل نحاس بدعم من الهيئات الاقتصادية، بعدما بحً صوت «قيادة الاتحاد» في شتم مؤتمر «البيال» ، والعودة الى الالتحاق بهذه الهيئات، واقامة دعوى مشتركة بالتوازي معها ضد وزارة العمل، ما دعا منظمة العمل الدولية رفضها لانها لاتتعلق بالحريات النقابية.
يبقى القول ان قانون العمل يوجب ان يكون المفاوض النقابي ممثلا لـ60 في المــئة من المعنيين به، عندما يوقع عقدا جماعيا، فقيادة الاتحاد تمثل في احسن احوالها ما بين ثلاثة وخمسة في المئة، كيف توقع القــيادة عــقد اتفاق مكتوبا مع الهيئات، في مغالطـة اقل ما يقال فيها انها تاريخية ومخالفة لقوانين التفاوض.
اراء في اداء «الاتحاد»
ويبدو ان عددا من النقابين غير راضين عن اداء قيادة «الاتحاد العمالي العام»، في هذا السياق يشير رئيس «اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان» جورج حاج: «طالما ان الاتحاد العام مبني على اسس غير سليمة، فستكون قراراته غير سليمة. التمثيل الفعلي ينطلق من القاعدة العمالية، التي تنتخب القيادة، وهذه الالية غير موجودة، مما يدعو للقول ان الاتحاد لا يمثل السواد الاعظم من العمال. لكن ذلك لا يلغي حقه بالتعبير عن رأيهم كنقابيين، لكن صوتهم لا ينقل الوضع بأمانة. مثلا، لقد ساروا بعكس رأي وزير العمل لجهة ادخال بدل النقل في صلب الراتب، مما افقد العامل 200 الف ليرة شهريا تدخل في حساب نهاية خدمته على مدى عشرين عاما. في هذه المسألة قيادة الاتحاد ساومت على حقوق العمال».
وفيما لم يشأ رئيس «الاتحاد اللبناني لنقابات سائقي السيارات العمومية ومصالح النقل»، التعليق على اداء «الاتحاد العمالي العام»، بل اكتفى بالقول «لا تعليق». قال رئيس «اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان»علي ياسين: اول ايار هو محطة لكشف الحساب، حتى ينظر المرء ما انجز «من عيد الى عيد» وكأتحاد عمالي يمكن الاشارة الى انجاز تصحيح الاجور، الذي يعتبرسلبيا اكثر منه ايجابيا، بسبب فلتان الاسعار غير المبرر، والذي امتص الزيادة، وبات العمال يفضلون عدم تصحيح الاجور، علما ان الاتحاد كان يمكن ان يدير الملف بطريقة افضل».
واشار ياسين الى «صعوبة لمّ الشمل في الاتحاد، فبقيت قيادات نقابية خارجه، وبقي بعض من يعتبرون انفسهم قيادات يغرّدون خارج السرب، يفترض في العام المقبل ان تولي القيادة اهتمامها في الثقافة العمالية والتدريب النقابي. كما لم ينجح الاتحاد في مأسسة هيئاته الدستورية فبقي مجلس المندوبين غائبا».