وقع الجيش تحت ضغط الازمة المالية، لوجيستياً وصحياً وتمويناً غذائياً. هذا باختصار ما اسفرت عنه حتى الآن الأزمة السياسية التي اصبحت تتخطى المناكفة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وبين رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون حول مرسوم الـ8900 مليار، لتطال المؤسسة العسكرية بكل تفاصيل حياتها اليومية والامنية الحيوية.
نفدت اموال الجيش، بحسب ما يؤكد مرجع عسكري بارز لـ«الأخبار» شارحاً وضع المؤسسة بعدما توقف صرف الاموال لها. تتعدد اوجه المشكلة، التي بدأت اساساً بحسب المرجع العسكري مع سلسلة الرتب والرواتب التي عومل فيها العسكريون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. راجعت القيادة العسكرية السلطة السياسية بضرورة تحسين وضع العسكريين «حتى لا يأكل احد حق العسكر».
وفي انتظار ما ستؤول اليه سلسلة الرتب والرواتب، برزت مشكلة اكثر خطورة وحدّة، حاول الجيش ان يتعاطى معها منذ اللحظة الاولى بتحذير تلو آخر، تتعلق بوقف صرف الاموال نتيجة الخلاف السياسي الأخير. ففيما لم تقر الموازنة العامة كي يستطيع الجيش التصرف وفق الزيادة التي كانت قد حددت لموازنته الجديدة، فوجئ بوقف الصرف المخصص له، بعدما انفجرت المشكلة السياسية قبل اسابيع. مع العلم، بحسب المرجع، ان الجيش كان قد طلب زيادة على موازنته نتيجة الحاجة المتزايدة الى تغطية النفقات بعدما ارتفعت المتطلبات العسكرية المرتبطة بالحاجات الامنية المتزايدة. وهو يعطي مثلاً على الزيادة التي طرأت على حاجاته المالية، ففي بند التجهيزات، وهي تشمل صيانة وتصليح كافة الاجهزة والمعدات والآليات وصيانة المباني، ارتفعت الموازنة من 8 مليارات ليرة، كما كانت في آخر موازنة اقترحت عام 2005، الى 70 مليار ليرة، بحسب الموازنة المتوقعة. وارتفاع الموازنة ناجم عن زيادة الخدمات والتكاليف، مع العلم انه كلما ارتفعت الحاجة الى استخدام القطع والألوية زادت الحاجة الى تأمين كافة التجهيزات وصيانتها، بدءاً بقطع الاسلحة الصغيرة والعتاد وصولاً الى الآليات، فضلاً عن زيادة مهمات الجيش في الداخل وعلى الحدود، «ما يحتم زيادة موازنته. فكيف الحال اذا لم تصرف هذه الاموال؟».
يسأل المرجع العسكري عن مصير الآليات والتجهيزات والطوافات التي حصل عليها الجيش والتي تحتاج الى صيانة دورية، ويقول «كنا نحاول تجديد اسطول الطوافات لكننا اليوم نسعى الى الحفاظ على الحد الادنى من متطلباتنا خشية ان تطول الازمة. لكن الاكيد اننا لن نسمح بأن يهدر حق العسكريين».
السؤال الذي يطرحه المرجع العسكري «ماذا نفعل بعد الآن، وقد نفد ما لدينا من اموال كنا نصرف منها بحسب بما اعتدنا منذ عام 2005؟ نحن نريد اموالا كي نتابع عملنا والا فإننا سنضطر الى التخفيف من مهمات الجيش».
يبدو الموقف دقيقاً وحرجاً بالنسبة الى القيادة العسكرية، ولا اجابة عن السؤال: هل يمكن ان يكون وقف ضخ الاموال مقصودا كي تخفف مهمات الجيش. ثمة حاجة ملحّة الى تمويل الجيش، بحسب المرجع العسكري من دون الدخول في متاهة السياسة بين الفريقين المتخاصمين، لأن الادهى ان الجيش غير قادر على تجديد العقود مع المستشفيات ولا مع متعهدي الطعام. صحيح ان المستشفيات لم تتوقف عن استقبال مرضى الجيش ولا توقف المتعهدون عن تقديم الطعام، لكن «الى متى يستمر العسكريون بالاكل بالدين وبالطبابة على حساب المستشفيات؟ والى متى يمكن للمتعهدين والمستشفيات ان يطوّلوا بالهم؟».
رفعت قيادة الجيش كتاباً بهذا المعنى الى وزير الدفاع فايز غصن وشرحت لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب حساسية هذا الامر وخطورته. والجواب الذي تلقته هو «التفهم» وطرح الموضوع على مجلس الوزراء.
وفي انتظار مجلس الوزراء، يؤكد المرجع العسكري أن «الجيش يختنق، على رغم ان القيادة تحاول التفتيش عن مخرج من خارج الاطر المطروحة حالياً، كي تتفادى اللجوء الى خيار التخفيف من المهمات. فالحل المطلوب اما اقرار الموازنة او تحرير الاموال الموجودة للجيش، بأي طريقة ممكنة لأن الجيش حالة استثنائية لا يمكن العبث بوضعها. فعلى اهمية الوزارات والادارات، الجيش لا يمكن المساس به حالياً. صحيح ان الرواتب لا تزال مؤمنة، لكن هذا لا يكفي لاستمرار عمل الجيش في هذه الظروف».
وفي موازاة الخطر الذي يحوم فوق المؤسسة من الداخل، يواصل الجيش القيام بمهامه، وكان آخرها ضبط باخرة الاسلحة. ويرفض المرجع العسكري الدخول في اي من تفاصيل العملية وكل ما يدور حولها. يقول «هذا سر من اسرار الدولة». وكل ما يكتب ليس صادراً عن المؤسسة ولا صحة له. ويضيف «ما قام به الجيش يقع ضمن مراقبة الحدود البرية والبحرية، ولدى الجيش قرار واضح بمنع تهريب السلاح الى داخل لبنان والى خارجه. فالجيش ضد استيراد الفتنة او تصديرها، ويسعى الى اخراج لبنان من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة». ويؤكد في هذا الاطار على استمرار التعاون مع قوات «اليونيفيل».
ويصف المرجع العسكري الوضع الامني بأنه معقول رغم بعض الحوادث المتفرقة وارتفاع عدد الغرباء فيه.
اما عن محاولة اغتيال رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فيؤكد «اننا اخذناها على محمل الجد ونتعامل معها على هذا الاساس، والتحقيقات لا تزال مستمرة، وتتولاها قوى الامن». وعما اذا كان الجيش اتخذ تدابير معينة بالتعاون مع «القوات» بعد محاولة الاغتيال، يجيب «اتخذنا كل التدابير اللازمة وسددنا اي ثغر يمكن ان تكون موجودة».
وكيف سيتصرف الجيش مع التجمع الشعبي الذي دعا اليه تيار «المستقبل» في 6 أيار، يجيب: «سنحمي اي تظاهرة كما سبق وفعلنا دوماً».