في 3 نيسان الفائت، أمهل أهالي جل الديب المعنيين 15 يوماً، مدّدت لاحقاً إلى شهر، من أجل المبادرة إلى إقرار مشروع بناء جسر جديد في جلّ الديب. المهلة مرّت، والتحرّكات التي سمع بها الأهالي تربط أيّ حلّ متوقع بالانتخابات النيابية المقبلة، وبمن يمكن أن يقطف هذا «الإنجاز» من المرشحين المحتملين. وفي الانتظار، الذي يمكن أن يمتدّ إلى عام، يعيش الأهالي في «سجن» بعدما سدّت المنافذ في وجوههم بفعل إزالة الجسر.
لذلك، قرّر أبناء جلّ الديب تنفيذ تهديدهم، وسيكون التحرك أقرب الى «الفرصة الأخيرة» التي يمنحها أبناء المتن للمسؤولين. تحرك قد يتحول، بحسب البعض، من «تظاهرة سلمية الى أخرى غاضبة يتخللها إحراق دواليب».
مواقف الأهالي العالية النبرة، سببها الضرر الكبير الذي لحق بالحركة الاقتصادية في المنطقة منذ إزالة الجسر. فقد انخفضت نسبة المبيعات في المحال التجارية منذ شهرين إلى اليوم بنسبة70%، بحسب التجار، لتطاول الكارثة أصحابها في لقمة عيشهم. أنطوان اضطر إلى إقفال محله على نحو نهائي، نتيجة خسارته لزبائنه، وهو مصير قد يواجهه معظم أرباب العمل هناك. أما موظفو المصارف والمستشفيات، فيطلقون صرخة استغاثة ناتجة عن تأخرهم لأكثر من ساعة يومياً بسبب زحمة السير الخانقة، الأمر الذي انعكس عليهم سلباً، وتسبّب بخفض رواتبهم. أما المرضى، فمعاناتهم مختلفة، إذ تعيق زحمة السير وصولهم بسرعة إلى الطوارئ.
لذلك من المتوقع أن تشارك أعداد كبيرة في الاعتصام. يقول ايلي، الذي يقضي ساعات طويلة على الطريق قبل الوصول الى منزله، ويضيف إنه سيحمل لافتة تقول «بدنا نفق مش نفاق». من جهته، يقول أحد موقّعي الدعوة إلى الاعتصام، المحامي عبدو أبو جودة، إن «المتظاهرين يعلمون ماذا يريدون، والمسؤولين لا يعرفون ماذا يفعلون وماذا يريدون»، رداً على تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، بأن المتظاهرين لا يدرون ما يريدون، وبأن من يشارك في الإضراب يضرّ بمصلحته وبمصلحة المنطقة والبلاد على حد سواء. حديث مقبل كان قد جاء في معرض زيارته متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في دار المطرانية قبل ثلاثة أيام. يحمّل أبو جودة مسؤولية التظاهرة، وكلّ تحرك لاحق، «إلى مجلس الإنماء والإعمار»، مطالباً بـ«الإسراع في إقرار مشروع يوافق عليه المجتمع الأهلي والبلديات المعنية، وينفذ خلال مهلة معقولة، محافظاً على هوية جل الديب».
وفي هذا الإطار، تلفت مجموعة من المهندسين في جلّ الديب إلى أن «الإنماء والإعمار» لم يطرح، منذ عام 1998 إلى اليوم، أي مشروع بديل سوى جسر بشكل هندسي 2u، الذي لم يلق موافقة الأهالي لانعكاسه السلبي على المنطقة. وبناءً عليه فقد بادرت المجموعة إلى إعداد دراسة شاملة، كانت نتيجتها الاتفاق على مشروع تشييد نفق يخرج المتنيون من عزلتهم الجغرافية. وقد حصد المشروع موافقة الأهالي والبلدية، فيما قوبل برفض مجلس الإنماء والإعمار. ولعلّ أكثر ما أثار حفيظة الأهالي هو تصريح مقبل بأن «مجلس الوزراء اتخذ قراراً واضحاً بإنشاء جسر، وأن الخرائط ستوضع قريباً في صيغتها النهائية، وبتحضير دفاتر الشروط لتلزيم أعمال بناء الجسر». المهندس غسان الهاشم تحدث عن مميزات مشروع النفق المطروح، الذي يبرز صورة واضحة عن مراحل التنفيذ بكلفة زهيدة، مقارنةً بالمشاريع المطروحة. الدراسة خلصت إلى أن «تنفيذ مشروع النفق لن يعيق حركة السير، وسيضمن الأملاك العامة والخاصة، مبقيا الدور التاريخي لجل الديب، إذ يحافظ على المعلم السياحي لتمثال الطوباوي يعقوب الكبوشي. من جهة أخرى، سيمثّل النفق امتداداً للبلدة على البحر، وخصوصاً بعد تنفيذ مشروع «لينور» البحري، كما يضمن السلامة العامة للمارة، ويؤمن مساحة خضراء تمتد على 1600متر تقريباً». ويسأل أحد المهندسين المتنيين، الذين شاركوا في الدراسة، عن الأداء السيّئ للإنماء والإعمار في تنفيذ باقي الجسور في المتن، بدءاً بأوتوستراد المتن السريع، وصولاً إلى جسر أنطلياس.
من جهة أخرى، يحمّل أحد أعضاء البلدية مسؤولية التقاعس في تنفيذ المشاريع إلى مقبل، الذي يسعى في رأيه، إلى «تحويل موضوع هندسي وعلمي إلى وجهة نظر سياسية. فيناقش المشروع مع سياسيين من دون دراسة واضحة، عوضاً عن مناقشته مع خبراء ومهندسين». وأضاف إن «السبب الرئيسي في تأخير إقرار المشروع يعود إلى رغبة مقبل في حجز مركز له في الانتخابات النيابية، إذ يسعى الى رفض مطالب الأهالي وتأخيرها مقابل تنفيذ رغبة الرئيس ميشال المرّ في إنشاء جسر شبيه بجسر أنطلياس، سعياً منه لكسب الرضى قبل انتخابات 2013»، وفيما يناشد الجهات المانحة ضرورة تمويل مشروعهم، يهدّد بأنه «إذا لم يستجب لمطالبنا، فعلى اللبنانيين أن ينسوا وجود الأوتوستراد على نحو نهائي».
من جهته، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل أن الحديث عن تدخلات سياسية «عار من الصحة». وأنه يتابع الموضوع «وفقاً للأطر العلمية والهندسية حصراً، بعيداً عن أي ضغوط»، نافياً ربط الأمر برغبته في الترشح للانتخابات. وعن عدم أخذ مشروع النفق المطروح بعين الاعتبار، أجاب مقبل بأنه «غير قابل للتنفيذ، كما أنه ليس بإمكان أي شخص إبداء رأيه في الموضوع من دون أن تكون لديه معلومات دقيقة». مقبل لم يجد أيّ سبب يستدعي النزول الى الشارع «لأننا اتفقنا على حلّ مع المعنيين، والموضوع سيدرج في البند الـ24 في جلسة مجلس الوزراء المقرّرة غداً»، وفيما أكدّ أن «مشروع 2u هو الأنسب والنهائي رغم اعتراض البعض»، سيعرض كل المشاريع المطروحة في الجلسة، شارحاً سلبيات وإيجابيات كلّ منها.