ويقطن 76 في المئة من أهالي المنطقة بنحو دائم ضمن بلدات وقرى الضنية على المردود الزراعي، في حين يتوزع الآخرون على وظائف الدولة والمهن الحرة والتجارة والعمل في مجال السياحة. لكن الضنية، التي لم تعرف يوماً كيفية الاستفادة من المشاريع على المدى الطويل، وتعاني من مشاكل عديدة في مختلف نواحي الحياة، تبدأ بالإنماء غير المتوازن ولا تنتهي عند دور القوى السياسية فيها، وما بينهما من تفاصيل تتعلق بتركيبة المنطقة الاجتماعية وغياب الوعي عند أبنائها ولدى المستثمرين فيها الذين لم يبادروا يوماً إلى القيام بأي مشروع يحدث نقلة نوعية في واقع المنطقة.
وقد دفعت المنطقة ثمن غياب الدولة عنها، فلم تشهد مشاريع كاملة للبنى التحتية، وما حصلت عليه لا يعدو كونه «فتات» المشاريع التي غالباً ما كانت تضيع «بركتها» بين المتعهدين والسياسيين والسماسرة، وطرقها الرئيسية شاهد حي على ما عانته المنطقة، حيث تشير دراسات إلى أن ما نسبته 23 في المئة فقط من طرق المنطقة تعدّ جيدة، في حين أن هناك العديد من القرى تفتقد إلى الطرق بالرغم من وجود مشاريع لها، لكنها متوقفة بسبب خلافات لها علاقة بالاستملاكات او بسبب التجاذبات السياسية، فضلا عن غياب البلديات عن لعب الدور المنوط بها، وذلك لسببين: اولاً نقص الاموال حيث تعتمد غالبية البلديات على مخصصاتها من الصندوق البلدي المستقل، بسبب غياب الجباية، أو لعدم وجود استراتيجيات لدى هذه البلديات، التي كانت السياسة أيضا سبباً في عرقلة عملها، كـ«اتحاد بلديات الضنية» الذي لم يبصر النور إلا بعد سنوات بسبب خلافات السياسيين في المنطقة.
كما تعاني الضنية من واقعها التربوي، حيث تبلغ نسبة المدارس المملوكة للدولة 14 في المئة من مجمل تعداد المدارس البالغ عددها 73 مدرسة، التي تعاني بمعظمها أوضاعا سيئة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط التربوية المعمول بها. وقد شهدت الضنية بفعل النمو السكاني المرتفع حركة عمرانية مزدهرة، إذ قدّر عدد منازلها حالياً بنحو 28 ألف منزل، لكن الإطار العام القانوني للحركة العمرانية يعاني من شوائب، مثل عدم استكمال عملية الفرز والمسح، غياب صكوك الملكية العقارية، غياب تسجيل عمليات انتقال الإرث، التعدّي على الأملاك العامة والمشاعات، وغياب رخص البناء، في وقت تفتقر فيه نصف قرى الضنية إلى شبكة للصرف الصحي، كما أن 37 % فقط من قرى الضنية يوجد فيها شبكات عامة لمياه الشفة، بالرغم من أن المنطقة تحتوي على أكبر خزّان للمياه الجوفية في الشرق الأوسط.
أما على الصعيد السياحي فحدّث ولا حرج، حيث يعتمد أبناء المنطقة على المبادرات الفردية في خمس قرى هي بخعون، وعاصون، وسير، وبقاعصفرين، وبقرصونا. وبالرغم من أن تلك البلدات تشكل امتداداً استراتيجياً ومصيفاً لزعامات طرابلس وأبنائها، لكن ذلك لم يشفع لها لا عند الزعامات الطرابلسية ولا عند القيادات المحلية التي أعطت الضنية تيارها السياسي منذ العام 2005 ما لم تعطه من قبل لأي تيار، لكنها لم تحصد سوى الوعود غير القابلة للتنفيذ، وإذا كان من مشروع سياسي ما يزال ينتظره أبناء الضنية ويتغنون بأن الحكومة اللبنانية أقرته، هو مشروع التلفريك الذي يربط بقاعصفرين بجبال الأربعين في عهد رئيس الجمهورية بشارة الخوري، وما يزال ينتظرون أن يتحول واقعاً على الأرض حتى اليوم.
وكان الرئيس نجيب ميقاتي قد رعى أمس، حفل إعلان نتائج «التخطيط الاستراتيجي وإطلاق ورشة إنماء منطقة الضنية»، في السرايا، وذلك في إطار «مشروع آرت - غولد لبنان» التابع لـ«برنامج الأمم المتحدة الانمائي»، وبتمويل من حكومات إسبانيا، وإيطاليا وبلجيكا وبالتنسيق مع «مجلس الإنماء والاعمار». وحضر الحفل وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، ورئيس «مجلس الانماء والاعمار» نبيل الجسر، ومحافظ الشمال ناصيف قالوش، وسفراء بلجيكا كوليت تاكي، وإيطاليا جيوسيبي مورابيتو، وإسبانيا خوان كارلوس غافو، وتركيا إينان اوزلديز، والممثل المقيم لـ«الصندوق الكويتي للتنمية» نواف دبوس، وممثلة «منظمة اليونيسيف» في لبنان انا ماريا لوريني ورؤساء اتحادات بلديات الضنية وطرابلس.
في الحفل، قدم رئيس فريق عمل المشروع الدكتور كمال حمدان شرحاً عن أهداف المشروع، ثم تحدث رئيس «اتحاد بلديات الضنية» محمد سعدية معدداً إيجابيات إنماء المنطقة. كما تناول سفراء إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا مشاركة بلدانهم في المشروع. وأشار واتكينز إلى أن الضنية «لا تزال تشكل المنطقة الاكثر فقراً في لبنان، بنسبة حرمان تصل إلى 58 في المئة، وينعكس هذا الفقر بوجود نقص كبير في البنية التحتية العامة وفي نوعية الخدمات التعليمية والرعاية الصحية»، لافتاً إلى أن المشروع قام «بإنشاء ثماني عشرة مجموعة عمل محلية، شكلت مجتمعة مجموعة العمل المناطقية التي وضعت احتياجات التنمية الأساسية لاثنتين وعشرين قرية، حيث تمكن الفريق من تحديد الأولويات وتنفيذ المشاريع المستهدفة في قطاعات الخدمات الصحية والزراعية مع إيلاء اهتمام خاص للشباب. وقد استفاد خمسة وعشرون الف شخص من منطقة الضنية من هذه الجهود حتى اليوم».
ورأى ميقاتي أن إطلاق المخطط «خير دليل على الاهتمام الكبير بالانماء في كل المناطق اللبنانية»، شاكرا واتكنز «وفريق عمل الامم المتحدة وسفراء الدول المشاركة على انجاز المخطط في هذه المنطقة بالذات، ولا سيما انه يحتوي معلومات دقيقة وتبويباً للمشاريع، بحسب نوعيتها وأهميتها ومدة تنفيذها، إضافة إلى تصنيفها كمشاريع تنفذ على ثلاث مراحل»، معتبراً «أن إطلاق هذا البرنامج والمشاريع الجاهزة فيه، يسهل على الحكومة اللبنانية رصد الأموال اللازمة للبدء بالتنفيذ إضافة الى تسهــيل البحث مع الدول والجهات المانحة للمساهمة في تمويلها».