أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«وعد»: ربيع الضاحية

السبت 12 أيار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,818 زائر

«وعد»: ربيع الضاحية

 اشتاق أهل المربّع إلى السيد. كان جاراً خفيف الظلّ في السلم، وبطلهم في الحرب. يشعرون بهالته، يسكن بينهم وفيهم. بين مبنيَي الأمانة العامّة لحزب الله القديم والجديد، شارعٌ تعشقه الرايات الصفراء. مبانٍ عمّرتها الإرادة، لا شيء غير الإرادة. خرجت «الحارة» من الركام. كل حجر في زاوية بيت هناك، يخبّر عن مدى الحقد الذي يختزنه عدوٌّ لا يقصد غير الأذى. اليوم، كلّ حجر معه قصّة، عن أطفال يضحكون فوق أكتاف آبائهم وعلى صدورهم صور الشهيد عماد مغنية، عن «زلغوطات» جنوبية وبقاعية. عن رجال إذا أرادوا هزموا جيشاً وعمّروا مدناً وصَدَّقوا وعداً، لقد «عادت أجمل ممّا كانت».

 

لاحتفال «وعد» تجمهر عاشقو المقاومة وأهلها في شارعين متقاطعين. اكتظّ الشارعان قبل الموعد. في القلب منصّة، ستنشد عليها فرقة الولاية «نصرك هز الدّني»، وسيقول علي عبّاس أفضل ما تلهمه إياه ملكته الشعريّة، «عدنا يا ضاحية الشمس». قيادة حزب الله السياسية حضرت بقضّها وقضيضها. ممثلو الأحزاب والدولة أيضاً. بدا رامي الرّيس مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي وحيداً إلى جانب أشاوس «محور الشر»، جلس إلى جانب اللواء علي الحاج، وممثل رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي العميد صبحي ياغي. مثله كان وزير المهجرين علاء الدين ترّو، لكن من سرق عدسات الكاميرات منذ لحظة دخوله حتى خروجه، كان زياد الرحباني. هو الظهور الثاني للرحباني في احتفالات المقاومة، الأول في مهرجان النصر عام 2006.

على خمس شاشات، حمل أطفال النصر «عادت أجمل» بالأخضر على خلفيّة بيضاء. في «الفيديو» أيضاً، المربع قبل وبعد، وسماء تنيرها المفرقعات بدل طيور الموت. تسمّر الحاضرون بانتظار السيد. كان صوت السيّد عالياً في حيّه. في الثانية الأولى من إطلالته، كان صامتاً. الصورة كفيلة بارتفاع القبضات وخفقان الأفئدة: «حاضرون في كلّ ساح، لن نترك السلاح، لبيك يا نصر الله». الصورة ترسم بسمةً على وجه زياد الرحباني. أم حسين، جارة السيد حسن لسنوات عشر في هذا الحي، لم تعد تحتمل الجلوس على كرسيّ. هي عادت منذ اللحظة الأولى لانتهاء حرب تموز، وأمضت ست سنوات لتختبر هذه اللحظة. لحظة يصدق فيها الوعد، وتتكسّر كلّ وعود العالم بتحطيم المقاومة وناسها، «السيد رفع راس الأمة».

تنتهي لحظة الإطلالة، تعود أم حسين وأترابها إلى الجلوس. هنّ سيربّين أبناءهن على الصلابة في استرداد الحقوق، سيعلّمن الصغار أن «هذه الأرض ملكٌ لنا، ولا حياة لنا على غيرها، ولا حياة لغيرنا عليها». رجال المقاومة مسمّرون أيضاً. «أبو زينب» لا يحيد بناظريه عن الشاشة. يصغي حتى النخّاع إلى ما يقوله السيّد: «الحرب هي أيضاً حرب إعمار، حرب ثبات، حرب صمود. المسألة ليست حيطان باطون نعمّرها ونسكنها، المسألة مسألة إرادة شعب». أبو زينب يريد أن «يخبّر العالم، في الداخل والخارج والقاصي والدّاني، أننا عدنا إلى الضاحية، إلى بيوتنا التي نحبّ، بفضل السلاح والإيمان».

على الرصيف، جلست طفلتان في شارع الزهور الجديد، فاطمة وسارة ابنتا الصفّ الأول الابتدائي. كانتا في عامهما الأول حين اندلعت الحرب وهدّت البيوت على رأس ساكنيها. على حضن كل صغيرة راية حزب الله، وعلى اللسان لهج بحب السيد.

وسط الركام الحاصل في المنطقة برمّتها من المحيط إلى الخليج، احتفلت المقاومة بإعادة الإعمار. «ليت السيد يستطيع السكن هنا من جديد» هي أمنية الجيران الصامدين، دائماً. لم يقل السيد كثيراً لناسه، كان يعيد تثبيت معنويات أناس معنوياتهم أصلاً تناطح أعمدة السماء.


Script executed in 0.21211004257202