مرة جديدة تعبث القوى المتضررة من استقرار الأمن في الشمال ومن مضاعفة القوى الأمنية لجهدها وعملها على ضبط أي خرق للأمن سواء ما يتعلق بتهريب السلاح أو تسلل المسلحين وذلك في محاولة واضحة لإلهاء الدولة بدءاً من أجهزتها الأمنية عن القيام بمسؤولياتها في ضبط الأمن وتوقيف الشبكات الإرهابية وضبط تهريب الأسلحة وفق بيان المجلس الأعلى للدفاع. وهذا يؤكد على محاولات "الطابور الخامس" المرتبط بالخارج لإخراج طرابلس من تاريخها ووضعها خارج الشرعية.
وكانت الأوضاع الأمنية تطورت بشكل متسارع في طرابلس في الساعات الماضية حيث بدأت بالاعتصام الذي نفذته "تنظيمات إسلامية وسلفية ومناصرون لـ"تيار المستقبل" احتجاجاً على قيام الأمن العام بتوقيف السلفي شادي المولوي بتهمة التواصل مع تنظيمات إرهابية. وهذا ما طرح الكثير من الأسئلة حول جملة المواقف التي صدرت بعد عملية التوقيف وخصوصاً ما إذا كان يحق للأجهزة الأمنية القيام بخطوة من هذا النوع في حال وجود شبهات ضد شخص معين مهما تكن انتماءاته السياسية أو الحزبية أو حتى الطائفية، خصوصاً أن مصادر الأمن العام أكدت أنها حصلت على إذن من السلطات القضائية.
ولوحظ أيضاً أنه خلال الاعتصامات التي حصلت في عدد من شوارع طرابلس أخيراً جرى قطع الطرقات بالإطارات المحترقة وكانت هناك مظاهر مسلحة في أكثر من شارع وحي وأن أكثر من عملية إطلاق نار حصلت في المدينة بعد ظهر أمس.
وليلاً تطور الوضع إلى اشتباكات بدأت من ساحة النور مع اعتصام الجماعات السلفية حيث جرى استحضار المعارك مع جبل محسن، فكان أن اشتعلت فجر أمس ما بين باب التبانة وجبل محسن واستمرت إلى ما قبل الظهر، ما أدى إلى سقوط أربعة قتلى بينهم شهيد من الجيش اللبناني كان ماراً في شارع سورية وإصابة 23 آخرين بجراح.
وقد تكثفت الاتصالات بين كبار المعنيين في الدولة طوال يوم أمس، فانتقل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل الظهر إلى طرابلس حيث اجتمع مع عدد من فاعليات المدينة فيما انعقد بعد الظهر المجلس الأعلى للدفاع بصورة استثنائية بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في حين أفيد أن الأمن العام قام بتسليم السلفي شادي المولوي إلى القضاء للتحقيق معه وتقرير الموقف في ضوء ذلك.
إجراءات الجيش
وعلى خط مواز اتخذ الجيش اللبناني سلسلة إجراءات أمنية منذ بدء التوتر الأمني في طرابلس إلى أن دخل بعد ظهر أمس إلى مناطق الاشتباكات في باب التبانة وجبل محسن على الرغم من تعرضه لإطلاق النار لمرات عدة في باب التبانة وشارع سورية، كما حصل اشتباك بين دورية للجيش ومجموعات مسلحة في باب التبانة.
وأفيد أن اشتباكات متقطعة حصلت مساء أمس أدت إلى سقوط سبعة جرحى. كما أفيد أن "التنظيمات السلفية" التي كانت رفضت فك اعتصامها في ساحة عبد الحميد كرامي رغم تدخل "جهات إسلامية" في المدينة، عادت ليلاً وأوقفت الاعتصام.
وكان الجيش اللبناني خصوصاً فوج المغاوير قام بالانتشار في شارع سورية في طرابلس والمناطق التي شهدت اشتباكات فجر أمس وقامت آليات الجيش بالتمركز في الأحياء التي انسحب منها المسلحون.
أما قيادة الجيش فأكدت في بيان لها ظهر أمس انه اثر الاشتباكات التي حصلت فجراً بين عناصر مسلحة في منطقة التبانة ـ جبل محسن وأدت إلى إصابة عدد من المواطنين اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة تدابير أمنية مشددة بما في ذلك تسيير دوريات مؤللة وإقامة حواجز مكثفة.
وأشارت إلى استشهاد أحد العسكريين في محلة الملولة جراء تبادل إطلاق النار بين المسلحين وذلك أثناء انتقاله من مركز عمله في البقاع إلى بلدته في عكار.
ولاحقاً أعلنت قيادة الجيش أن دورية للجيش كانت تقوم بفتح الطريق الرئيسي بين محلتي باب التبانة وجبل محسن تعرضت لإطلاق نار من قبل عناصر مسلحة ما أدى إلى جرح عسكريين اثنين وإصابة بعض الآليات بطلقات نارية وردت قوى الجيش على مصادر النيران.
الحزب الديمقراطي
وأوضح الحزب العربي الديمقراطي أنه منذ أسبوع ومناطق جبل محسن تتعرض لإطلاق نار من عدة قناصات، مشيراً إلى أنه اليوم (أمس) أقدم المأجورون على إطلاق النار على المباني والمنازل في جبل محسن، وأكد أنه "لن ينجر إلى الفتنة".
كما نفى الأمين العام للحزب رفعت عيد ضلوعه في الاشتباكات وقال إن الجيش اللبناني هو الذي يقوم بالرد على إطلاق النار على جبل محسن.
مصادر أمنية لـ"البناء"
وفي معلومات خاصة لـ"البناء" من مصادر أمنية أن الأمن العام كضابطة عدلية قام بالمهمة المطلوبة منه بتوقيف المتهم المولوي وتسليمه إلى القضاء اللبناني. وكشفت المصادر أن توقيف المولوي حصل بناء على مذكرة توقيف صادرة بحقه من القضاء نتيجة وجود شبهات حول انتمائه إلى تنظيم "إرهابي" وتحديداً تنظيم "القاعدة".
وقالت المصادر إذا كان المولوي غير متهم فيمكن للقضاء اللبناني أن يطلق سراحه بعد أن أصبح بعهدة مدعي عام التمييز سعيد ميرزا. وسألت المصادر هل إذا قامت جهة أمنية بواجبها يصار إلى القيام بحملة غير مبررة ضدها؟ وهل أن المحافظة على أمن البلاد أصبحت تهمة؟
من جهتها، كشفت "قناة الجديد" أن الموقوف المولوي عاد منذ ثلاثة أيام من سورية، وكان في مهمة قتالية وأن توقيفه جاء بعد مراقبة خطه الخلوي.
اجتماع المجلس الأعلى
وكان انعقد مجلس الدفاع الأعلى بصورة استثنائية بعد ظهر أمس في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وعدد من الوزراء والقيادات الأمنية.
وأثنى المجلس بعد اجتماعه على دور الأجهزة الأمنية في ضبط الأمن وتوقيف الشبكات الإرهابية وضبط تهريب الأسلحة في كل المناطق، مؤكداً حرصه على صون السلم الأهلي، وأعطى توجيهات للمؤسسات العسكرية ووزع المهام على الوزارات وشدد على تأمين الحاجات للجيش والقوى الأمنية للقيام بواجباتها.
وأبقى المجلس على قراراته سرية.
ميقاتي ورفع الغطاء عن المخلين بالأمن
وكان ميقاتي اجتمع مع مفتي طرابلس في الشمال مالك الشعار وفاعليات طرابلسية حيث أوضح أنه اتُخِذ قرار بعد التشاور مع كل فاعليات طرابلس برفع الغطاء السياسي عن كل مخل بالأمن في المدينة. وحذر ميقاتي من أن الانجرار إلى الشارع لعبة خطيرة ونحن متمسكون بدعم كل القوى الأمنية والعسكرية لاتخاذ كل الإجراءات المطلوبة. وأشار إلى أنه ضد طريقة توقيف المولوي.
وأعلن المفتي الشعار من جهته أن الموقوف شادي المولوي أحيل إلى القضاء واستنكر الطريقة التي تم فيها القبض عليه. وأشار إلى أنه حصل لقاء مع المعتصمين، فتوافقنا على أنه لا يجوز لأحد أن يقطع أي طريق في طرابلس ولبنان، ولا يجوز لأحد أن يلجأ إلى حرق الدواليب. وأضاف ان المعتصمين سيعودون إلى بيوتهم وتفتح كل الطرق وبالتالي الاعتصام سيرفع خلال ساعات وهم أخذوا وعداً من الرئيس ميقاتي بتحقيق مطالبهم.
المستقبل يحرّض
وحاول تيار "المستقبل" استغلال الأحداث المشبوهة في الشمال لمطالبة ميقاتي ووزراء طرابلس بالاستقالة.
كما دعا نوابها لتعليق عضويتهم وذهب حتى وصف قيام الأمن العام بتوقيف المشبوه المولوي بأنه عملية "اجتياح جهاز أمني لكرامة المدينة"، زاعماً أنه "تتم معاقبة طرابلس على مواقفها".
كما اعتبر "رئيس المستقبل" سعد الحريري أن تصرف أحد "أجهزة السلطة هو الخروج عن القانون".
"الإنفاق" ومجلس الوزراء
وعلى المستوى السياسي الداخلي تتجه الأنظار إلى الأربعاء المقبل موعد انعقاد مجلس الوزراء الذي على جدول أعماله استكمال ما بدأه من نقاش حول الإنفاق المالي حيث أشارت مصادر وزارية إلى اتصالات مكثفة تجري للوصول إلى صيغة مقنعة حول الطرح المقدم من وزير المالية محمد الصفدي والرامي إلى تجزئة المبلغ والذي حدده بـ4900 مليار ليرة.
وإذ أكدت هذه المصادر أن الاتصالات تواجه صعوبات فإنها رأت أن الأفق غير مسدود مشددة على أن جميع مكونات الحكومة بات على علم بمدى فداحة الأضرار التي تلحق بإدارات ومؤسسات الدولة نتيجة عقدة الإنفاق المالي.
وتساءلت ما دامت الأكثرية النيابية ممثلة بالحكومة فلماذا لا يصار إلى التصويت على مرسوم الإنفاق المالي في البرلمان وننتهي من هذه المشكلة، مرجحة أن يلعب الرئيس نبيه بري دوراً ما في غضون الساعات المقبلة لوضع صيغة أو أفكار تساهم في الحل على الرغم من إعلان رئيس المجلس النأي بنفسه عن هذه الأزمة واعتباره أن الكرة هي في ملعب السلطة التنفيذية.