منذ نحو عام، خاض رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، مفاوضات شاقة وطويلة تمهيداً لمشاركته في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. جولات مكوكية واجتماعات ليلية أدت في نهاية الأمر إلى تمثّل التكتل بأحد عشر وزيراً، من دون أن يعني ذلك أن التكتل حصل على ما كان يريده، بعد سلسلة عقبات اعترضت عمل وزرائه، ووضع عصي في الدواليب، تارة من حلفائه وطوراً من خصومه. وها هو اليوم مجدداً أمام تحدٍّ مفصلي يتمثل بمرسوم 8900 مليار الذي يمتنع رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن توقيعه، إضافة إلى جملة ملفات لا يزال البحث معلقاً فيها داخل مجلس الوزراء.
يقول عون لـ«الأخبار»: «لم أحقق ما كنت أريده من الحكومة. حققت أموراً كثيرة، لكن لا تزال تنتظرنا أمور أخرى. لن أتحدث عنها الآن، بل سأنتظر حتى تشرين المقبل، لأتحدث عن الوضع برمته. أنا أريد إجراء الانتخابات النيابية، لكنهم لا يريدونها، ويُعدّون الأجواء لعدم حصولها».
يتحدث رئيس تكتل التغيير والإصلاح بإسهاب عن العراقيل التي وضعت أمام وزراء التكتل ويقول: «لقد عطلوا العمل الحكومي، تماماً كما فعلوا بخطة الكهرباء التي ماطلوا لإقرارها، وكما فعلوا بملف التعيينات. والآن يتكرر الأمر ذاته بالملف المالي».
يسمي عون رئيس الجمهورية ميشال سليمان كمسؤول مباشر عن الملف المالي؛ «فالقضية في يده، ونحن لن نقبل إلا بتوقيعه. هو يريد أن يربح الوقت، والتحجج بالدستور، ولكنها حجج ضعيفة وقد رد عليه فيها وزير العدل شكيب قرطباوي في مجلس الوزراء». يضيف: «القرارات تؤخذ في العادة لمصلحة استمرار الدولة وعملها. وما نراه اليوم أمر مستغرب؛ لأن بعض أصحاب التواقيع يحجبون تواقيعهم الضرورية لمصلحة البلاد. والنتائج المترتبة على ذلك تخريبية».
وعن توقعه بالنسبة إلى كيفية معالجة هذا الملف يقول: «الجو تصعيدي، ولسنا ذاهبين إلى تهدئة. لن نقبل بتعطيل البلد وشلل المؤسسات. ما يحصل اليوم سلوك تعطيلي عام: «أين التعيينات؟ وأين أصبح تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى والقائمقامين والمحافظين؟ منذ أشهر ونحن نسمع الرئيس يعد بأن التعيينات قريبة، فأين أصبحت وعوده هذه؟».
يحدد عون أسلوب مواجهته للتعطيل المستمر ويقول: «سنواجه بطريقة تصاعدية، إذا لم يحسم المسؤولون في الحكومة أمرهم، وسنفضحهم إذا استمروا في تعطيل العمل الحكومي».
وكيف يختصر وصفه الحكومة في وضعها الحالي؟ يجيب: «حكومة تعطيل». وإذا كانت كذلك، فلماذا لا يخرج منها، يقول: «ساعة أريد أخرج منها. لكن من خلال وجودنا نعمل على حل بعض القضايا، ونحافظ على الاستقرار في البلد. فكيف يمكن التخلي عن المسؤولية ونحن نشهد أحداثاً ساخنة في المنطقة وفي لبنان كما يحصل في الشمال مثلاً».
يربط عون ما يجري شمالاً بمجريات الأحداث في سوريا، سائلاً: «هل هذا هو حكم الإخوان الذي يريدونه في لبنان؟». ويطرح جملة أسئلة أيضاً عن الدفع بالجيش شمالاً، من دون تجهيزات ومحروقات، فيما تشتد أزمة الإنفاق عليه ويتعرض لانتقادات حادة من بعض الأفرقاء السياسيين. يفسر عون هجوم جنبلاط على الجيش بأن الزعيم الدرزي يهاجم أي ماروني قد يقترب من رئاسة الجمهورية. ولا يكتم رأيه بجنبلاط منذ أن زاره في باريس قبل عودته إلى بيروت. لم تركب الكيمياء بين الرجلين، لا سابقاً ولا اليوم، ولا يبدو أن عون مستعد للسكوت عن هجوم جنبلاط عليه.
ويؤكد عون في هذا الإطار أنه «موافق على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي لسنتين في مهماته»، مشدداً على ضرورة أن يحال المشروع الذي رفعه الوزير فايز غصن على مجلس الوزراء، مؤكداً أن الأمر يجب أن يبتّ، ولا سيما في ظل الظروف الراهنة التي تترك جملة أسئلة على وضع البلد واستمرار عمل المؤسسات.
قانون الانتخاب
يستعد عون للمعركة الانتخابية، ولو أنه يرى أن هناك من يريد إلغاءها. فعلى أي قانون انتخابي يريد إجراءها؟ يجيب عون حاسماً: «أنا مع النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة».
يفسر عون انحيازه إلى النسبية بأنها «الوحيدة التي تسمح للمسيحيين بأن ينتخبوا 64 نائباً مسيحياً بكامل حريتهم». ويعدد محاسن النسبية، لافتاً إلى أنها «تؤمن انتظام العمل السياسي والحزبي، والفريق الذي يشكل لائحته الواحدة سيعد بيانه الوزاري مسبقاً؛ لأنه سيكون برنامجه الانتخابي، ويشكل حكومته أيضاً مسبقاً، إذا فاز، وألا تكون حكومته حكومة ظل. والنسبية تؤمن الانسجام داخل الفريق الحاكم وتعزز الدستور الذي يخرق يومياً. حينها نكون قادرين مثلاً على إعداد الموازنة وإصدار مرسوم الإنفاق، لننتقل من خلال فريق واحد إلى مرحلة محاربة الفساد في الخطة الإصلاحية في المستويات الثانية والثالثة من الإدارة والمؤسسات».
وهل يمكن أن يتفق المسيحيون على قانون انتخاب واحد، مع العلم بأن القوات اللبنانية أبدت استعدادها للسير بمشروع النسبية المدروسة ورفض قانون 1960، يجيب عون: «إن مداولات لجنة بكركي أظهرت استعداد القوات للسير بمشروع النسبية. فيما يبدو أن حزب الكتائب يرفضها، انسجاماً مع حلفائه، أي الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. لكن إذا اتفقنا مع القوات على النسبية، فسنكون قادرين معها ومع حلفائنا على إمرار المشروع في المجلس النيابي».
لا ينكر عون أن ثمة عراقيل يضعها تيار المستقبل وجنبلاط رفضاً للنسبية، لكنه يراهن على أن الاتفاق المسيحي قادر على خرق هذا الرفض من أجل السير بقانون انتخابي جديد. ويشدد على أنه سيدافع عن هذا الخيار، ويقول: «التكتل سيسير بالنسبية، وسنركز مداخلاتنا ولقاءاتنا على هذا الموضوع، للوصول إلى اتفاق مسيحي حوله».
ويتحدث في المقابل عن محاولة بعض الأفرقاء التلويح بأن الانتخابات ستجرى على أساس قانون 1960، أو حتى عن الإيحاء بإرجائها. ويشير في المقابل إلى أن المشاركين في لجنة بكركي يتناولون أيضاً احتمال تصغير الدوائر بحيث لا يتعدى عدد نواب كل دائرة خمسة نواب.
من المبكر طبعاً الحديث عن مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، لكن التجربة الحكومية الراهنة أظهرت عدم الانسجام الحكومي. ويقول عون: «قوى 14 آذار فتحت هذا الموضوع مسبقاً وأعلنت أنها ستشكل حكومة من لون واحد، إذا فازت. ويجب أن نقوم بالمثل».
لكن، أليست حكومتكم اليوم حكومة لون واحد؟ يجيب: «أبداً، هل ننسى الفريق الذي يعمل ضدنا في قلب الحكومة. إذا أردنا خوض الانتخابات النيابية كفريق واحد، يجب أن نصل كفريق واحد إلى الحكومة».
يتحفظ عون عن ذكر التحالفات النيابية المقبلة، طبعاً ما عدا البديهي منها؛ فالوقت مبكر، لكن ثمة رهانات على البعض سقطت بطبيعة الحال خلال التجربة الحكومية.
الجيل العوني الثالث والانتخابات لمحاربة الفساد
يبدي العماد ميشال عون ارتياحه للحركة الداخلية في «التيار الوطني الحر»، بعد المهرجان الذي أقيم في جونية في ذكرى عودته من المنفى. ويسهب في الحديث عن الشباب الذين حضروا وشاركوا فيه، معرباً عن اعتزازه بالطلاب والطالبات الذين يأتون في بعض المناسبات للالتقاء به، ويتحدث بفخر عن الجيل العوني الثالث الذي بدأ يتشكل داخل العائلات. لكن المسار الذي يتعلق به الجنرال أكثر فأكثر، يبقى محاربة الفساد داخل المؤسسات، وهو لا يقبل الانتقاد بأن الكلام في هذا الموضوع لم يعد يجدي نفعاً، وأن ما يريده لا يتحقق في ظل الحكومات المتعاقبة. فيؤكد مرة تلو أخرى «أن الانتخابات هي المعبر الحقيقي لمواجهة الفساد. والشباب الذين نتطلع إليهم، يجب أن يعطوا أصواتهم للذين يحاربون نهج الفساد. وإلا فليبقوا في أمكنتهم ويكفّوا عن الشكوى عما يحصل في لبنان. فالرأي العام يجب أن يعبر عن تطلعاته في الانتخابات، والشباب هم أساس الرأي العام».