الفشل في تحقيق نتائج من خلال كل وسائل الضغط الإعلامية والسياسية والدبلوماسية ، وحتى التحرش على الأرض ،
دفع في اتجاه خيارات قاسية ، من بينها احتمال المغامرة بعمل عسكري أو أمني كبير، سواء ضد الجيش أو ضد أركان في النظام ، أو الشعب المساند لإصلاح النظام .
الأمر الذي استدعى رسائل روسية وإيرانية إلى الإطراف كافة ، ولا سيما تركيا وفرنسا ودول عربية عبرية .
وبعض هذه الرسائل وُجه ميدانياً ، بنحو ظاهر أو غير ظاهر .
عملت أجهزة أمنية لبنانية من مختلف الوزارات ، قبل مدة ، على جمع معلومات عما يجري على الحدود .
صحيح أن التنسيق ليس قائماً بين هذه الأجهزة على نحو كامل ، إذ إن فرع المعلومات لا يتشارك معلوماته مع مديرية استخبارات الجيش أو مع الأمن العام ، إلا أن المحصلة التي تجمعت لدى الجيش اللبناني ولدى بعض السلطة السياسية كافية لدق جرس الإنذار، حيال تحولت بقع على الحدود الشرقية والشمالية إلى مراكز عسكرية ومخيمات تدريب ، يقع قسم كبير منها في مناطق جردية ( شرقي بلدة عرسال ) أو بعض المناطق المفتوحة أو داخل قرى في عكار حيث يتمتع " إسلاميو تيار المستقبل " بنفوذ قوي .
وتشير تقارير إلى تداخل بين عمليات التهريب وعمل المجموعات المسلحة .
دمشق حصلت على نسخ من بعض هذه التقارير ، قبل أن تعمد إلى مطابقتها مع المعلومات المجمعة لديها ، وتضعها في ملف واحد أرسلته إلى المسؤولين اللبنانيين .
بواسطة السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم و عبر الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني ــــ السوري نصري خوري .
وقد شملت الرسائل الرؤساء الثلاثة والوزراء المعنيين ، إلى جانب قيادات عسكرية وأمنية . وأُرفقت بطلب رسمي سوري من لبنان للقيام بإجراءات التزاماً بالاتفاقيات التي تلزمه عدم تحويل أراضيه إلى ممر لأعمال عنفية أو غير شرعية ضد الأراضي السورية .
وبما أن قائد الجيش العماد جان قهوجي فشل في الحصول على غطاء رسمي واضح وشامل يتيح له القيام بعمليات عسكرية وأمنية واسعة ، فقد لجأ إلى بدائل من النوع الذي يثير الذعر في أوساط المجموعات المسلحة ، لكنه لا يحل المشكلة السورية ، علماً بأن المعلومات تشير إلى أن عدم توفير الغطاء سببه خشية بعض أهل الحكم من تحول الأمر إلى مواجهات بين الجيش وبين مجموعات لبنانية تناصر المسلحين السوريين .
و سرب رسميون كلاماً خطيراً إلى قيادات عسكرية مفاده أن تترك معالجة هذا الأمر للجيش السوري نفسه .
وقد تبين لاحقا أن " المشغّل " العربي العبري والدولي للهجمة السياسية ــــ العسكرية على سوريا ، يأمل أن ينزلق الجيش السوري إلى عملية عسكرية على الحدود مع لبنان ، تضطره في لحظة معينة إلى الدخول ، ولو لمئات الأمتار أو عدة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية .
وهو ما سيبرر أوسع عملية دبلوماسية تستهدف إصدار قرارات دولية بتوسيع مهمات القوات الدولية العاملة في الجنوب لتشمل الحدود الشرقية والشمالية .
وعندها سنكون أمام ملف آخر .
خاض النظام السوري معركة الحسم ضد المجموعات المسلحة ، مترافقاً بغطاء من روسيا وإيران لكبح جماح عربي عبري وغربي يراهن على مغامرة أمنية أو عسكرية في مواجهة الأسد .
المواجهة التي يخوضها الحكم في سوريا مع المجموعات المسلحة المتمردة تحظى بغطاء روسي واضح .
موسكو تعتقد بأن الرئيس بشار الأسد مضطر لهذه المواجهة لأسباب عدة ، من بينها تضييق هامش المناورة أمام خصومه الخارجيين .
التركيز انصب ، في حمص ، ذلك لا يعني أن الخطط العسكرية تستثني بقية المناطق .
المشكلة الرئيسية التي تواجه هذه المعركة ليست في قوة بعض المجموعات المسلحة فحسب ، أو في تمتعها بدعم المواطنين على عكس مناطق أخرى كالزبداني أو بعض قرى ريف دمشق وحماه ، بل تكمن في أن القيادة السورية تريد إنجاز المهمة بأقل الخسائر البشرية .
والمقصود بالخسائر ، هنا، نوعان :
الأول يتعلق بالمدنيين الذين تصيبهم مثل هذه الحروب من دون تمييز بين مواقفهم ، علماً بأن جرائم المجموعات المسلحة ، وعلى عكس ما تبثه وسائل الإعلام العربية العبرية والدولية المنخرطة في معركة إسقاط النظام ، تسببت في مقتل عدد كبير من المدنيين ، إلى جانب العسكريين ، وارتكبت فظائع ، ومارست سلطة بديلة حيث أتيحت لها السيطرة بالسلاح ، وفرضت ابتعاداً كاملاً لقوى الدولة من شرطة سير ومخافر ومراكز أمنية وإدارات رسمية .
كما مارست قمعاً دموياً على من يخالف قراراتها ، سواء بالإقفال العام ساعة تقرر ذلك ، أو بالمساهمة في
" بيت مال الثورة " على ما يقول رجل دين بارز في منطقة إدلب زاره مواطنون يسألونه :
إذا كان " الشرع يفرض عليهم دفع أموال للمجموعات المسلحة " ، وطلبوا منه
" المساعدة على عدم استبدال فساد أجهزة الأمن الرسمية بجرائم واضحة من جانب مجموعات بات وجود العناصر غير السورية فيها يتزايد يوماً بعد آخر " .
الجانب الثاني من الأزمة يكمن في طريقة التعامل مع المسلحين ، إذ تشير المعلومات الأمنية إلى أن نحو
30 % من هؤلاء يحاربون النظام من منطلق عقائدي ويظهرون استعداداً للقتال حتى الموت ، ومعهم من يدعمهم من الأهالي .
وفي المقابل، فإن 70 % ممن انخرطوا في عملية التسلح بعدما غادروا ساحات التظاهر ، غير مدربين وغير منظمين ، وبين أركان النظام من يعتقد أن " الحماسة قد تكون وراء حملهم للسلاح " ،
وأن الأفضل " حثهم ، من خلال أهاليهم أو عبر وسطاء ، على تسليم أنفسهم والأسلحة ، للإفادة من قانون عفو عام صدر بمجرد استتباب الأمن " .
لذلك ، فإن جانباً من العمليات العسكرية لا يعتمد أسلوب الهجوم الشامل .
القوات النظامية شنت حملة قاسية في ريف دمشق ، لأن :
" من الصعب منح أي كان فرصة الإمساك بالأرض القريبة من العاصمة " ،
إلا أنه في مناطق حمص إدلب ، يعتمد الجيش أساليب مغايرة ، أبرزها تجميع معلومات أمنية وتنفيذ عمليات ( أمنية ، عسكرية ) لتدمير بنى يعمل المسلحون على تعزيزها ، أو توجيه ضربات مفاجئة إلى تجمعاتهم ، تعمد القوات المسلحة بعدها إلى الانسحاب ، مع تعديل طفيف في نقاط تموضعها ،
وتترافق هذه العمليات مع مفاوضات ، تدور بالواسطة ، أدت ، في أكثر من منطقة ، إلى استسلام عشرات المسلحين ، سواء من خلال أهاليهم أو وجهاء عشائرهم ، أو عبر عمليات أمنية بقيت بعيدة عن الإعلام .
الرئيس السوري ، في ضوء اجتماعاته بالقيادات العسكرية ، أكد قراره عدم السماح بمناطق نفوذ مغلقة وبؤر يسيطر عليها المسلحون .
وقد بات الصدام بين هؤلاء والنظام ، وتفاقم العنف ، الواجهة الفعلية للأزمة السورية بعد تراجع حركة الاحتجاجات السياسية السلمية جراء التصعيد العسكري .
وكان قرار الحسم الأمني في صلب المحادثات التي أجراها الرئيس بشار الأسد مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف . في أكثر من محور في المحادثات تطرق الجانبان إلى الحسم ومراحله واستعجاله .
وهو الحسم الذي كان قد باشره النظام في 26 ك2 من ضمن ضوابط نصحت بها موسكو
، بعدم المغالاة فيها ، بعد نصيحة مسبقة ، قبل تفاقم التصعيد العسكري الأخير ، بتفادي الحسم .
في مداولات محادثات دمشق في 7 شباط أبرز الوزير الروسي اهتمامه بالمراحل التي قطعتها استعادة الجيش سيطرته على البلاد ، وأظهر دعماً غير محدود للنظام السوري في مسألتين على الأقل :
التوقيت الملائم للحسم الأمني بغية تفادي أوسع انتقاد ،
وتأييده إبقاء المسألة السورية في مجلس الأمن بغية أن تضع موسكو ، بالفيتو ، يدها عليها وتحول دون أي الإجراءات التي تشجع واشنطن وأوروبا والغرب عليها ضد نظام الأسد .
تكشف عن ذلك بعض وقائع من محادثات الأسد مع لافروف في حضور فرادكوف ، كالآتي :
قال الأسد :
تدرك سوريا أن الفيتو الأخير في مجلس الأمن يرتب على روسيا والصين أعباءً تعرف جيداً مقدارها ، ولا سيما على العلاقات الدولية والإقليمية للبلدين ، لذلك نحن مستعدون لمساعدة روسيا في ما تطلبه منا ، وأن نوضح كل النقاط في كل المسائل التي تساعد على مجابهة الهستيريا الدولية التي نتعرض لها .
استفسر لافروف عن الوضع الأمني في سوريا ، فرد الأسد :
أضر وجود بعثة المراقبين العرب بسوريا من خلال استغلال المجموعات المسلحة هذه المهمة بالتمدد واستهداف القوى الأمنية حتى وصلت إلى مشارف دمشق ، ما حتم علينا القيام بعملية عسكرية محدودة لاستعادة هيبة الدولة وعدد من المناطق .
وقد أعدنا الأمان إلى معظم مناطق ريف دمشق وتبقى منطقة الزبداني التي نعمل عليها ، ونركز جهودنا الآن على حمص .
وشرح للافروف التركيبة المذهبية والسياسية لحمص ، وقال : لم يعد في مقدور الدولة الوقوف على الحياد في القتال الدائر بين مختلف أحياء حمص .
أضاف الأسد : لا يزال الجيش حتى الآن غير موجود في حمص ، بل إن قوات حفظ النظام هي التي تتولى تأمين المدينة . لكن هناك حاجة إلى عملية نوعية وقصيرة للجيش لوقف القتال بين أحياء المدينة .
لافروف : ما هي المدة المطلوبة ؟
الأسد : ستكون قصيرة وجراحية .
طلب لافروف تأجيلها إلى ما بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية
( 12 شباط ) كي لا تستخدم ذريعة لاتخاذ مواقف تصعيدية .
استجاب الأسد لطلب الوزير الروسي الذي طلب أيضاً عدم استخدام الأسلحة الثقيلة ، لأن ذلك يمثّل ضغطاً على روسيا ، لكون هذه الأسلحة من صنع روسي .
الأسد : لم تستخدم أسلحة ثقيلة في كل العمليات العسكرية الجارية منذ بداية الأزمة . الآليات المجنزرة التي تشاهد هي في الحقيقة ناقلات جند BMV، وتحتوي على رشاش واحد فقط .
عند تطرق المحادثات إلى الحوار الداخلي في سوريا ، طلب لافروف من الأسد التفويض إلى شخصية سورية صلاحيات واسعة لإدارة هذا الحوار، فرد الرئيس السوري بأنه سبق له أن فوض إلى نائبه فاروق الشرع هذه المهمة بمرسوم جمهوري .
استوضحه لافروف إمكان أن يتولى هو إعلان ذلك رسمياً في الإعلام .
الأسد : لا مانع .
قال لافروف إن روسيا تجري اتصالات مع المعارضة ، ولا سيما الداخلية ، لحملها على المشاركة في الحوار المأمول في موسكو.
استوضح فرادكوف مسودة الدستور السوري الجديد ، فرد الأسد : هناك لجنة مكلفة البحث فيه ، ويتضمن مشروع الدستور الجديد ما تطلبه المعارضة ، وهو تحديد ولاية رئيس الجمهورية باثنتين في حد أقصى ، وبإقامة نظام تعددي حزبي ، بحيث يمثل الحكومة الحزب الذي ينال الأكثرية في مجلس الشعب .
فرادكوف : كم يستغرق ذلك ؟
الأسد : نحو شهر في حد أقصى .
طلب فرادكوف تقصير المدة إذا أمكن ، فوعده الرئيس السوري بذلك .
قال لافروف إنه كان مع توسيع مهمة بعثة المراقبين وزيادة صلاحياتها . وافق الرئيس السوري على إبداء مرونة حيال توسيع صلاحياتها وزيادتها .
الأسد : بعد الفيتو الأخير ، لا أرى لزوماً لأن تبقى القضية السورية في مجلس الأمن . أفضل إعادتها إلى الجامعة العربية .
لافروف : لا بأس من بقائها في مجلس الأمن ، لأن ذلك يعطي روسيا قدرة على إبداء موقفها . لو لم تطرح القضية في مجلس الأمن لما أمكن روسيا استخدام الفيتو في التصويت . لا بأس من بقاء القضية في مجلس الأمن .
وافق الأسد : لا مشكلة ما دام ذلك يساعد روسيا على الإمساك بهذه القضية بما يراعي مصالح سوريا .
أبلغ لافروف إلى الرئيس السوري أن روسيا تعمل على تعاون إقليمي ( روسي ، تركي ، إيراني ) حول الملف السوري ، وأن الإيرانيين يجرون مساعي مع تركيا ترمي إلى تحييدها .
وقال : هناك سعي إلى إنشاء مسار( تركي ، روسي ، إيراني ) في هذا الصدد .
الأسد : هذا منحى مفيد ، رغم أن التصريحات الأخيرة لأردوغان وأوغلو لا تنم عن ذهاب تركيا في هذا الاتجاه . غير أن سوريا ترحب بهذا الجهد ، وهي مستعدة لإنجاحه .
طلب فرادكوف من سوريا نشر معلومات عما يجري على الأراضي السورية ، واستوضح ما يشاع عن إلقاء القبض على أجانب يقومون بأعمال مسلحة على الأراضي السورية .
الأسد : لدينا أدلة نقوم باستكمالها تشير إلى بعض الأشخاص، ليبيين وعراقيين ، شاهدهم بعض المراقبين العرب . وما دمنا لم نلقِ القبض عليهم ، فإننا ننتظر استكمال المعلومات .
استوضح فرادكوف ما يتردد من معلومات عن تمويل خارجي للأحداث السورية وتهريب أسلحة من دول الجوار .
رد : لدينا كذلك أدلة . لكننا لا نزال نجمع الإثباتات الناجزة .
اهتم الوفد الروسي بنشر هذه المعلومات فور استكمالها .
وهذا ما قام به سفير سوريا ( المقاوم ) " بشار الجعفري " في :
جلسة " مجلس الأمن " الأخيرة . " لمناهضة الإرهاب " و للتأكيد .