غير أن حرب تشرين العام 1973 ودور النفط العربي فيها ولّد لدى الإسرائيليين حرقة كانت تزداد مع الأيام. وصار الهاجس الإسرائيلي الدائم هو السعي لتوفير بدائل للطاقة تغني العالم عن الحاجة للنفط العربي. ودفعها هذا الهاجس في زمن حكومات الليكود الأولى للاعتماد حتى على «نصّابين» دوليين واندفاع وزير مالية للإعلان عن اختراع سوف يغير وجه العالم باكتشاف محرّك بسيط يستطيع توفير الإضاءة لمدينة بكاملها. وسرعان ما تبين أن الإعلان كان مجرد وقوع في شرك عالم «نصاب».
وفي الأعوام الأخيرة كان لإسرائيل اهتمام مميز بالسيارة الكهربائية وبقصد تطويرها حتى بشراكات مع شركات يابانية كبرى وعلى أمل تحقيق الهدف الأسمى وهو تقليص اعتماد العالم على النفط العربي. ورغم أنه لم يتحقق حتى الآن الكثير على هذا الصعيد إلا أنه يتبين أكثر من أي وقت مضى مقدار الاهتمام الحكومي بذلك. فإسرائيل وبشكل رسمي تعمل من أجل توفير اختراع يسمح بتحريك سيارة كهربائية مسافة 500 كيلومتر على بطارية تعمل بالطاقة الشمسية. وقد أنشئ في إسرائيل في نيسان الماضي «المركز الوطني للتحريك الكهربائي». وقد خصصت الحكومة مبلغ 45 مليون شيكل لهذا المركز للسنوات الأربع المقبلة على أن يضم 12 مجموعة تحوي 100 باحث من جامعات تل أبيب والتخنيون وبار إيلان وجامعة المستوطنين في أرييل. وغاية هذا المركز هو تمويل أبحاث واختراعات تكنولوجية جديدة لتخزين الكهرباء.
ومن الواضح أن إسرائيل بتأسيسها هذا المركز تحدد للباحثين فيها هدفا قوميا إستراتيجيا جديدا: تطوير بطارية. ليس مجرد بطارية، كما قالت صحيفة «ذي ماركر» الاقتصادية، وإنما بطارية تحرك سيارة مسافة 500 كيلو متر من دون إعادة شحن، أو بشحن على الطاقة الشمسية.
ويقول رئيس المركز البروفيسور دورون أورباخ من دائرة الكيمياء في جامعة بار إيلان إنه «ليس للنفط مستقبل، سواء من ناحية سياسية أو بسبب النقص الذي سيعيشه. وهناك ثورة فكرية تبدأ عند السياسيين، وتنزل إلى شركات السيارات وبعدها إلى شركات البطاريات، وهي أننا ذاهبون إلى سيارة كهربائية. وعمليا، يمكن حاليا استخدام سيارة كهربائية لمسافة 150 كيلومترا وهو أمر يناسب الإسرائيلي المتوسط، لكننا نريد زيادة المدى».
ويوضح أورباخ أنه كلما ارتفع سعر النفط تتعاظم الأبحاث. ويبين أن «النجاح الأكبر للكيمياء الكهربائية الحديثة هو بطارية الليثيوم التي تشحن. وهذه البطارية الأفضل للأجهزة الكهربائية ولكن تحريك سيارة يتطلب عددا كبيرا من مثل هذه البطاريات. وحاليا فإن بطارية تحرك سيارة مسافة 150 كيلومترا تزن حوالي 300 كيلوغرام. ونحن نريد زيادة مدى السفر من دون زيادة وزن وحجم البطارية».
ويشير أورباخ إلى وجود تقنيات أحدث لا تزال موضع تطوير وهي تحاول تقليص وزن القطب الإيجابي عبر استخدام الأوكسجين في الهواء. وأوضح أن «كفاحنا حاليا هو من أجل السماح لهذه العملية بالحدوث بشكل متكرر. وإذا نجحنا، فإن مصدر نصف المادة الفعالة سيكون في الهواء، وبذلك نستطيع انتاج بطارية بنصف الوزن أو حتى بربع الوزن للكمية نفسها من الطاقة. وحينها فإن بطارية بوزن 300 كيلو غرام تكفي للسفر 500 كيلو متر».
ويشرح أورباخ جانبا آخر من المشكلة للسيارة الكهربائية وهو سرعة تفريغ البطارية، أي تحرير طاقة أكبر في مدى أقصر وهو ما تحتاجه السيارة كي تسرع. ويقول إنه لأجل حل هذه المسألة يجري تطوير أنواع جديدة من الكابلات القادرة على تخزين شحنة كهربية كبيرة يمكن تحريرها بسرعة.
وأخيرا يتحدث عن البعد الثالث وهو إطالة عمر البطارية إذ لا يمكن في هذا الشأن الاعتماد على بطارية واجبة الاستبدال مرة كل عام أو عامين. ويقرر أن التكنولوجيا التي تقوم عليها كل البطاريات الحالية عمرها يزيد عن 100 عام.
ولا يخفي أورباخ الهدف من التطوير، فـ60 في المئة من النفط العالمي يذهب للمواصلات. ويقول إن المركز المتخصص في تطوير البطارية ليس في الواقع سوى جزء من الخطة الحكومية التي أقرت في العام الماضي بميزانية 1,5 مليار شيكل تصرف خلال الثماني سنوات المقبلة على تطوير البدائل للنفط. ومعروف أن إسرائيل تركز على الوقود البيولوجي كمسار آخر للتطوير.
عموما وفي إطار ما حققه البحث العلمي في إسرائيل على هذا الصعيد اعترفت شركة «شنايدر ألكتريك» الفرنسية المتخصصة في تطوير الشبكات الكهربية بهذا التقدم. وقد زار إسرائيل في الشهر الماضي وفد من كبار المسؤولين في الشركة لفحص التكنولوجيات الإسرائيلية الحديثة في مجال «الشبكات الدقيقة» أو «سمارت غريد». وكانت «شنايدر ألكتريك» قد اشترت شركة فيلسيا (VILESIA) الفرنسية المتخصصة في تطوير تقنيات نجاعة الطاقة والتي تملك مركزا للتطوير في إسرائيل.
ويدور البحث أساسا عن استثمار للشركة الفرنسية في مجال تطوير التقنيات الكهربائية في إسرائيل. وهذا يفتح الباب أمام شركات غربية أخرى لخوض غمار الاستثمار في إسرائيل ليس في مجال تقنيات الحاسوب وبرمجياته وإنما أيضا في التقنيات الكهربية الحديثة.