بلغت حرب الشائعات أمس، الذروة في قضية اعتصام المياومين وجباة الاكراء في «مؤسسة كهرباء لبنان» المستمر منذ أكثر من شهر احتجاجاً على عدم تثبيتهم في ملاك المؤسسة، ما أدّى إلى حالة احتقان لدى المعتصمين من جهة، والقوى الأمنية من جهة أخرى.
وعلمت «السفير» من مصادر مواكبة للتحرك، أنه «صباح أمس، أطلقت شائعة لا يعرف أحد مصدرها، أن المعتصمين أنذروا موظفي المؤسسة أنه في الساعة 11 يجب إخلاء مقر المؤسسة لأنهم سيحرقون المبنى». وفي موازاة ذلك، «بثت شائعة بين المعتصمين مفادها أن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل عاد من السفر وطلب من القوى الأمنية قمع الاعتصام وفتح أبواب المؤسسة بالقوة».
أمام هذه التطورات المتسارعة التي كادت أن تؤدي إلى نتائج سلبية غير محدودة، وأبرزها التصادم بين القوى الأمنية والمعتصمين، سارعت «لجنة المتابعة للعمّال المياومين والجباة» وبعض الأحزاب إلى إعادة ضبط إيقاع التحرك، وتهدئة الأمور على الأرض، ومحاولة توضيح الصورة لوزارة الداخلية والمعتصمين في الوقت نفسه.
وألمحت مصادر لجنة المتابعة لـ«السفير» أن «ثمة طرفاً ثالثاً دخل على الخط، بهدف اشعال فتنة، فسارعنا إلى التحرك الفوري على الأرض لبث رسالة اطمئنان إلى الجهات الأمنية، تمثلت باستقبال المعتصمين قائد شرطة بيروت العميد ديب طفيلي بالنشيد الوطني، وقد تفقد المبنى، وعقد اجتماعاً مع اللجنة، وكان اللقاء إيجابياً جدا، وعرضنا له مطالبنا المحقة، وقد رأى مدى انضباطنا وحرصنا على المؤسسة وممتلكاتها».
وعلى الرغم من وجود بعض الحالات غير المنضبطة، إلا أن الجهود، وفق «لجنة المتابعة»، «أثمرت عن ضبط الوضع كلياً، وعادت الأمور إلى طبيعــتها قبل الساعة 12 ظهراً».
جلسة استثنائية لمجلس إدارة المؤسسة
في موازاة ذلك، وقبل أن تتضح ملامح الصورة، صعّدت إدارة «مؤسسة كهرباء لبنان» موقفها، عبر قرار اتخذ بعد جلسة استثنائية لمجلس الإدارة في مبنى المؤسسة، برئاسة المدير العام كمال الحايك وحضور جميع المدراء وعدد من رؤساء المصالح والدوائر والأقسام، وذلك «نظراً لخطورة الوضع المستجد داخل المؤسسة نتيجة التحركات التي يقوم بها بعض عمال غب الطلب وجباة الإكراء، والتي وصلت إلى حد التهديد بارتكاب أعمال تخريبية داخل المؤسسة ما لم يغادر الموظفون مكاتبهم»، وفق البيان الصادر عن «المكتب الإعلامي للمؤسسة».
ومما تضمّنه قرار المجلس أنه «حيث أن بعض عمّال متعهدي غب الطلب وجباة الاكراء العاملين لمصلحة المؤسسة يمارسون أعمالا مخلة بالانتظام العام في المؤسسة ومسيئة لصورتها ومعرقلة لأعمالها لاسيما إقفال مداخل المبنى المركزي ومعظم الدوائر التابعة لها.. والتعرض لمستخدميها ولممثلي الشركات المتعاقدة معها ومنعهم من القيام بواجباتهم وممارسة أعمالهم واقتحام المكاتب والتهديد بالقيام بأعمال تخريبيـة، ونتيجة الشغب الذي أثاره بعض العمال صباح اليوم (أمس) ولاسيما التهويل والوعيد والفوضى، وإقفال الأبواب وتهديد المستخدمين في مكاتبهم والتطاول عليهم وعلى كراماتهم، ومنعهم من القيام بواجباتهم، ما أدى إلى حصول شلل كامل لجميع مفاصل المؤسسة ومرافقها، والى تخريب عدد من التجهيزات العائدة لها بما يؤدي حكماً إلى ضرر كبير بالمؤسسة والمواطنين وبالاقتصاد الوطني العام. وحيث أن تحقيق مطالب العمال هو موضوع معالجة لدى اللجان النيابية ويبقى من صلاحيات المؤسسات الدستورية... وأمام هذا الواقع الخطير والمنذر بتداعيات كارثية... تمنى مجلس الإدارة بالإجماع على وزير الطاقة والمياه الطلب من وزارتي الداخلية والدفاع اتخاذ الإجراءات الأمنية الفورية لفتح مداخل المؤسسة في المبنى المركزي ودوائر المؤسسة على الأراضي اللبنانية كافة، وتأمين الحماية الأمنية اللازمة لمستخدمي المؤسسة ليتمكنوا من القيام بواجباتهم الوطنية. كذلك، إعلام الرأي العام اللبناني أن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤثر على استمرار عمل هذا المرفق ومن هنا سيؤثر سلباً على المرافق الاقتصادية والحياتية للمواطنين كافةً».
وطلب المجتمعون من «المديرية العامة أن تحتفظ المؤسسة بحقها باتخاذ الإجراءات القانونية كافة تجاه أي شخص يخلّ بالأمن ويسيء إلى الموظفين، والى كرامتهم»، موضحين أن المؤسسة ومجلس إدارتها ومدراءها «لم يتخلفوا يوماً عن المحافظة على حقوق عمال المتعهد وجباة الاكراء، وان ما يطالب به هؤلاء يتخطى حالياً صلاحيات الإدارة، ويتطلب ذلك إصدار قانون خاص من مجلس النواب، ومشـــروع القانون هذا هو قيد المتابعة حالياً في اللجان النــيابية المختصة. وان المؤسسة لن تتوانى عن مواكبة أي تطور يحدث على هذا الصعيد من قبل المؤسسات الدستورية».
وفيما أبقى المجلس اجتماعاته مفتوحة لمتابعة التطورات والمستجدات بهذا الشأن، قرر إبلاغ القرار، «وعطفاً على قرار مجلس الإدارة رقم 220-24/2012 تاريخ 9/5/2012»، لكل من رؤساء «الجمهورية» و«مجلس النواب» و«مجلس الوزراء»، نظراً «لخطورة الوضع الذي أصبح يؤثر على حــسن سير المرفق العام في المؤسسة، وينذر بتداعــيات خطيرة على مستوى تأمين التيار الكهربائي على مختـلف الأراضي اللبنانية».
3 ملاحظات بعد قراءة أولية
وفي قراءة أولية لقرار مجلس إدارة المؤسسة، أوضح مصدر في «لجنة المتابعة للعمّال» لـ«السفير» أن في «القرار ثلاثة اعترافات تصبّ في مصلحة المطالب التي يرفعها المعتصمون، وهي:
أولاً: الإدارة تعترف أن لدى العمّال القدرة على شلّ هذا المرفق.
ثانياً: تعلن فشلها وعجزها عن إدارة الأزمة، فضلاً عن خفة تعاطيها مع الموضوع، ولا سيما أنها لا تستطيع ادخال سفينة فيول لتغذية المعامل، إذ سينفذ خلال ثلاثة أيام، كذلك لا تعرف كيف ستؤمن الرواتب والمستحقات المالية لتسيير المرفق حتى آخر الشهر. أما دعوتها للداخلية والدفاع للتدخل، فسقط في مهده، لأن على الأرض، أعطتنا الجهات الأمنية شهادة حسن سلوك، وأكدت أحقية مطلبنا بالتثبيت في المؤسسة، وتأتي مناشدتها الرؤساء الثلاثة في سياق الرد ذاته، إذ مكتب رئيس الجمهورية بعد لقائنا به أخيراً، ساند قضيتنا وأبرز مدى الظلم الذي نعاني منه.
ثالثا: أما اعتراف الإدارة بأن هذا الملف ليس من صلاحيتها بل من صلاحية المجلس النيابي، فهذا ما نريده ونطالب به، إذ بإمكاننا الضغط على النواب الذين ننتخبهم لإقرار حقوقنا رسمياً، لكن يصعب علينا ذلك مع إدارة أو وزير».
وأوضح مصدر آخر في اللجنة لـ«السفير» أن «لجنة المتابعة تستعد لرفع دعوى على إدارة المؤسسة لأنها أهملت تسوية وضعنا منذ 17عاماً، والملف جاهز لدينا، ونستند فيها على إنذار تلقته إدارة المؤسسة في العام 2002 من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يطالب فيه المؤسسة بدفع المستحقات المتوجبة عليها عن 2100 عامل، والبالغة حوالي مليار ونصف المليار ليرة»، مضيفاً أن «هناك دعوى أخرى رفعها جباة الإكراء ضد إدارة المؤسسة لعدم تثبيتهم، وتلقت المؤسسة مذكرة تبليغ بالدعوى يوم السبت الماضي».
إلغاء التحرك نحو وزارة الطاقة
واذ أكد المصدر أن «اعتصام المياومين مستمر ولن يتوقف حتى اقرار مشروع التثبيت في ملاك المؤسسة»، أعلن عن «إلغاء تظاهرة اليوم المقررة إلى وزارة الطاقة والمياه»، وذلك «كبادرة حسن نية بعد النتائج الإيجابية التي خرج بها الاجتماع الأول للجنة المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب في خصوص الملف».
وبعدما توافرت معلومات متقاطعة لـ«السفير» عن «عدم دخول ليرة واحدة في صناديق المؤسسة أمس، مما ينذر بكارثة مالية»، أمهلت لجنة المتابعة «شركات مقدّمي الخدمات (sp) يومين لدفع الرواتب للعمّال عن شهر نيسان»، موضحة أن «الرواتب استلمتها الشركات من إدارة المؤسسة ثم احتجزتها للضغط على العمّال».
وعُقدت أمس، اللجنة الفرعية المنبثقة عن «لجنة الإدارة والعدل» والمكلفة درس «مشروع القانون المتعلق بإجراء مباراة محصورة للعمّال». وقال رئيس اللجنة النائب نوار الساحلي بعد الاجتماع إن المجتمعين ناقشوا «الاقتراح المعدل الذي أحيل من لجنة الأشغال العامة، ومشروع القانون المقدم من الحكومة»، موضحاً أن الصيغة المطروحة هي محاولة ادخال أكبر قدر ممكن من العمّال والجباة إلى المؤسسة. أضاف «ربما المباراة المحصورة في لبنان لم تكن نتائجها إيجابية»، إذ لا نستطيع أن نجري مباراة لحامل شهادة في الحقوق أو مهندس كهرباء وآخر عامل يصعد إلى العمود. «لا نستطيع إجراء مباراة لأشخاص غير متكافئين من ناحية الشهادات والخبرة»، لذا ربما يكون هناك «لجنة لدراسة الملفات مؤلفة من وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء ومجلس الخدمة المدنية... هناك طرق حل قد تغني عن المباراة وتكون بمثابة المباراة، وتسمح لأكبر عدد ممكن من أصحاب الحق أن يأخذوا حقهم».
ولفت الانتباه إلى أنه في خلاصة الاجتماع «استطعنا أن نتوصل إلى أن الشغور الموجود في المؤسسة كبير جداً» مشيراً إلى أنه بعد تثبيت العمّال الموجودين، «لن يكون هناك فائض على المؤسسة ولن يضر بها». وناشد «المعتصمين ليس بأن يوقفوا اعتصامهم، من حقهم الاعتصام ومن حقهم أن يطالبوا، لكن بطريقة سلمية».
من جانبه أوضح محمد فياض باسم «عمال غب الطلب»: «تحددت في الاجتماع بعض النقاط الايجابية.. واتفقنا على موعد ثان يوم الاثنين لنضع الشكل القانوني، ولترفع إلى لجنة الإدارة والعدل». وأكد الاستمرار «بالاعتصام السلمي الحضاري»، موضحاً أن ما صدر أمس من شائعات سبب ارباكاً كبيراً، «وهذا الأمر نستنكره ونحن لا نوافق عليه». وأضاف «هذه المؤسسة لحم أكتافنا منها، نريد الدخول إليها ونعمل فيها ونريد لها النجاح. والموظفون في الكهرباء هم إخوة لنا ويساندوننا، ونحن وإياهم على الخط نفسه».
«إشارات دخول طابور خامس على الخط»
وفي سياق متصل، أوضح أمين عام «جبهة التحرر العمالي» عصمت عبد الصمد «أن الجبهة كانت أول من حمل مطالب عمال غب الطلب وجباة الاكراء»، داعيا العمّال لأن «يحرصوا على سلمية تحركهم الذي بدأت إشارات دخول طابور خامس على خط التحرك تظهر جلية»، وطالبهم بـ«شجب التصرفات والأعمال التي تنفذ باسمهم اليوم، والتي يخشى أن يكون أصحاب النوايا السيئة يستغلون تحركهم لإشعال فتنة تهدد الوطن والبلد».
وفي الاطار نفسه، رأى «اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين»، أن «ما يجري من حرف للتحرك وتصرفات تجاوزت حدود التحرك النقابي، هو أمر لا نؤيده ولا نوافق عليه وهو برسم القوى الأمنية المسؤولة»، داعياً «العمّال والمعنيين وحرصاً على تحقيق المطالب، أن ينتبهوا للمندسين بينهم بهدف تحقيق غايات مشبوهة لا تصب في مصلحة العمال».
أما على صعيد التحركات في المناطق («السفير») فتواصل الاعتصام أمس، في دوائر صور وجزين وسير الضنية وصيدا والهرمل ورأس بعلبك، وفي راشيا والبقاع الغربي (شوقي الحاج)، وأصدر المعتصمون بياناً أكدوا فيه أن «العمّال المياومين في المؤسسة، ارتضوا الأجر اليومي، الذي لا يسد الرمق، أملاً بنيل الانتماء إلى الوطن عبر الوظيفة، وذلك من أجل تأمين أبسط المقومات لحياة كريمة».