أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

معارك الشمال بعيون الأمن: السلفيون يريدون إسقاط المدينة

الجمعة 18 أيار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,621 زائر

معارك الشمال بعيون الأمن: السلفيون يريدون إسقاط المدينة

تبدأ الرواية في اليوم العاشر من الشهر الجاري، أي قبل يومين من بدء جولة العنف. حصل داخل المدينة اشتباك غامض في دلالاته بين وحدة من قوى الامن الداخلي، وبين المدعو سعد المصري، المطلوب بعدد من مذكرات التوقيف. خلال الاشتباك، اصيب المصري برقبته، ونقل الى المشفى. على الاثر جرت تدخلات لاطلاقه بهدف قطع الطريق على امكانية استغلال الحادث لتفجير الوضع في المدينة. لكن القوى الامنية رفضت اطلاقه. في هذه الاثناء خرج بعض أفراد عائلة الموقوف إلى شارع عزمي، وعملوا على قطعه مطالبين باطلاق سعد ومستنكرين اطلاق النار عليه من قبل الدرك. الحادث بدا، في لحظته، وضمن ظروف الوضع الطرابلسي حينها انه عادي، ولكن تبين لاحقا ان له معاني على صلة بما يتم تحضيره للمدينة.

بعد يومين، وتحديدا على اثر توقيف شادي المولوي، تداعت مجموعة من السلفيين الى ساحة النور في طرابلس، واقامت تجمعا اعتصاميا، مهددة بعدم فكه قبل إطلاق المولوي. ويوجد في احد اطراف ساحة النور كشك صغير لبيع الدخان، وعلق صاحبه على احد جدرانه صورة لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس فرع استخبارات الجيش في الشمال عامر الحسن. المعتصمون اقتحموا الكشك، ونزعوا الصورتين، وأزالوا كاميرات للمراقبة يُشاع إنها عائدة لاستخبارات الجيش.

في محافل امنية، برز تقدير للموقف يفيد بان ما حصل في خلال حادثتي المصري والكشك، يمثلان رسالة من قبل السلفيين واجواء متعاطفة معهم، للجيش ردا على دوره في مصادرة باخرة السلاح لطف الله 2 قبل اسابيع. والرسالة تريد القول ايضا إن طرابلس دخلت مناخا امنيا وسياسيا للسلفيين فيه اليد الطولى، وعلى الجيش مراعاة هذا الامر.

مع انطلاق شرارة الاحداث بتجمع سلفيين محتجين على اعتقال المولوي في ساحة النور، بدا، بموازاة ذلك، الوضع الميداني العسكري في طرابلس يشهد حراكا امنيا سلفيا ملفتا، وعلى نحو يوحي بانه يتدرج في تنفيذ خطة امنية معدة سلفا. ويمكن رصد وقائعه كالآتي:

بدايات الحراك الامني للسلفيين نفذتها مجموعة مؤلفة من نحو سبعين عنصرا، تعرف باسم مجموعة «ابو عمر سواح» (الشخص الذي يقودها). باشرت هذه المجموعة بنصب حواجز طيارة على طريق القبة المؤدي الى زغرتا.

ثم بعد ذلك بساعات وسعت هذه المجموعة من نشاطها، وبادرت بقيادة اشخاص فيها، مثل «أبو صلاح» و«بسام. ع» و«مصطفى. م»، الى نصب المزيد من الحواجز، وقام احدها باطلاق النار على سيارة صادف مرورها بجانبه، ما ادى الى اصابة سائقها برقبته. وعلى الفور اخذ افراد المجموعة يشيعون في المدينة بان الرصاصة التي اصابت السائق انطلقت من جبل محسن.

ساهمت هذه الشائعة في توتير الاجواء الامنية اكثر، وخاصة أن مجموعة سواح، انتقلت من اسلوب الاكتفاء بنشر الحواجز الطيارة، إلى أسلوب اثبات حضور عسكري في معظم احياء المدنية.

في هذه الاثناء، خرج الشيخ سالم الرافعي بتصريحات تدعو الى قطع كل الطرق احتجاجا على القاء الامن العام القبض على المولوي. وبالفعل لم يمر سوى وقت قصير، حتى بادر مسلحون سلفيون للاختلاط بسلفيين غير مسلحين كانوا بدأوا من الصباح اعتصاما في ساحة النور، واخذوا يقفلون كل الطرق المؤدية الى ساحة النور.

مع حلول ساعات المساء من يوم 13 الجاري، كانت كل المؤشرات الميدانية والسياسية تؤشر الى ان المدينة ذاهبة لانفجار كبير. والواقع ان تحول الحراك الاعتصامي السلفي الذي بدا غير مسلحا الى حراك عسكري كثيف في ساحة النور، دفع الحزب السوري القومي الاجتماعي الموجود في شارع الجميزات القريب من الساحة، إلى الاستنفار. وفي مخيم البداوي الملاصق للمدينة، استنفرت مجموعات الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة.

الحراك السلفي الاستعدادي العسكري كان وصل ذروته في هذه الاثناء (ليل 13 ــ 14 الجاري):

شاحنات عائدة لمجموعة سلفية، محملة بالاسلحة والذخائر بشكل خاص، بدات تتحرك بقيادة شخص يدعى ابو مخيبر، الذي استقل سيارة جيب مموهة الشبابيك، ويتبعه بيك اب عدد 2 محملين بالسلاح. افرغ ابو مخيبر الوجبة الاولى من الذخائر في منطقة الريجي، فيما القسم الاكبر من حمولة الشاحنتين ( بيك اب) تم افرغها باشرافه ايضا في باب التبانة. وفور الانتهاء من ذلك، بدأ الاشتباك العسكري الاكبر بين باب التبانة وبعل محسن.

مع تعاظم وتيرة الاشتباك، وتقدم ساعات الليل بدأ الزحف السلفي العسكري على المدينة من داخل احيائها ومن خارجها، المصحوب بعمليات رفع المتاريس بمقابل بعل محسن، يتمظهر بشكل واضح، وذلك وفق العديد (المجموعات) والتوزيعات التالية:

ــ نزلت من منطقة عكار باتجاه البداوي في طرابلس مجموعات سلفية تقدر بنحو 350 الى 400 فرد، والتقت بمجموعات عكارية مقيمة في طرابلس.

ــ بروز دور عسكري واضح للشيخ سالم الرافعي، الذي تحركت تحت إمرته مجموعات تابعة لـ«الجيش السوري الحر».

ــ تحركت مجموعة كبيرة يوالي أفرادها النائب محمد كبارة، في اكثر من حي بطرابلس.

ــ تحركت في المدينة مجموعات تابعة للشيخ حسام الصباغ.

مصادر أمنية قدرت عديد المجموعات التي تحركت في اطار خطة السيطرة على طرابلس ليل 13 ــ 14 الجاري بنحو 3500 مقاتل، وهو رقم قريب لمعلومات الاستخبارات العسكرية في الجيش الاميركي الذي كان افاد في وقت سابق عن وجود ما بين 3800 مسلح إلى 4000 في منطقة الشمال. واكد مرجعة امني قريب من قوى 14 آذار أن عدد المسلحين الذين شاركوا بالقتال يقدرون بالآلاف لا بالمئات.

في مقابل تطور الحدث العسكري داخل المدينة واتضاح معالمه واهدافه، وتصاعد حدة الاشتباكات، تكثف النشاط السياسي من قبل الرئيس نجيب ميقاتي لاحتوائها من ناحية ومن قبل رموز السلفية ومناصريهم وفعاليات المدينة من ناحية ثانية لصياغة المواقف السياسية مما يحدث.

وابرز هذا الحراك تمثل بحدوث اجتماعين في تلك الليلة الحرجة يلخصان اهداف وخلفيات ما يجري في المدينة: الاول دعا اليه ميقاتي وعنوانه العمل من اجل سحب المسلحين والمعتصمين من الشارع. ومباشرة دعا النائب محمد كبارة، لاجتماع اخر بموازاته سياسيا، دعا الى التصعيد. واكثر من ذلك طالب المجتمعون فيه من الوزير احمد كرامي الانسحاب من الحكومة والا فانه يواجه حساب التاريخ. وبرزت في اجتماع كبارة مؤشرات تدل على أن السلفيين يريدون «تشريع» سيطرتهم العسكرية على طرابلس تحت غطاء وجود شكلي للأجهزة الامنية الرسمية.

في المقابل، قال ممثل استخبارات الجيش في اجتماع ميقاتي: أعطونا قرارا سياسياً من مجلس الوزراء ونحن مستعدون لدخول الاحياء. بدا ميقاتي مترددا، ثم وعد بالعمل لاطلاق المولوي، لكن صدى اقتراحه استقبل ببرودة من قبل جماعة اجتماع كبارة.

في اليوم التالي، بدا ان مجلس الدفاع الأعلى قرر تجاوز التفكير بإخراج الجيش من طرابلس، واستغل فرصة ظهور ملامح ارساء هدنة نسبية في المدينة فعمد الى توسيع نطاق انتشاره.

ولكن بمقابل انتشار الجيش، رسمت المجموعات المتصادمة عبر تموضعها المعلن او غير المعلن خارطة مواجهة يمكن اندلاع شرارتها مجددا في اية لحظة.


Script executed in 0.19806790351868