نقلت شخصية التقت رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عنه تعليقه على الضغوط التي تمارس عليه من غير طرف، قوله: «قرفان. وما فارقة معي، ومستعدّ روح ع البيت، ولكن لن أوقّع أي شيء تحت الضغط». قال سليمان هذه العبارة، رغم أنه فتح الباب خلال الأيام الماضية أمام حل لأزمة الإنفاق، منتظراً مبادرة من شركائه الحكوميين قبل الإقدام على صياغة هذا الحل.
عن الوضع في طرابلس، أبدى رئيس الجمهورية «اطمئنانه إلى أن الأمور لن تتجاوز الوضع الحالي، وخصوصاً أن القوى السياسية رفعت الغطاء عن المسلحين، والجميع، بمن فيهم المواطنون في طرابلس، يدعمون الجيش والقوى الأمنية في مهمتها لحفظ الأمن».
وبخصوص السجال السياسي بشأن قانون الانتخاب، وما برز من تناقض بين قطبي الاستقطاب السياسي في البلد حول اعتماد أيّ من قانونَي «النسبية» و«الأكثري»، قال سليمان إنه «يتمنى ويسعى إلى إمرار أيّ قانون يعتمد ولو جزئياً قانون النسبية».
وتلفت مصادر مقرّبة من الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي إلى أن مصطلح «القرف» من الوضع السياسي الداخلي العام بات مستخدماً بكثرة في كواليسهما السياسية، وهو يُطلَق على شكل «إنذار» من قبلهما للجهات السياسية التي لا تمارس ضغوطاً علنيّة وغير مرئيّة عليهما، وهي الضغوط التي ترى مصادرهما أنها تهدف إلى دفعهما للقيام بما يخالف «الدور الوسطي» الذي يتموضعان فيه «عن اقتناع».
وتقول هذه المصادر إنه يتوقع بعد انحسار غبار الأزمة الأمنية في طرابلس أن يعود سياق السجال السياسي الذي كان محتدماً قبل أحداثها إلى الواجهة، ولكن هذه المرة انطلاقاً من عوامل عدة مستجدّة، سيكون لها الأثر الأبرز في جعل الحلول للملفات بعيدة عن متناول اليد.
ومن أبرز هذه العوامل:
أولاً ــ إصرار رئيس الجمهورية على عدم توقيع أي مرسوم يخالف قناعاته، وخصوصاً في مجال التعيينات الإدارية. وهذا ما عبّر عنه بوضوح للشخصية التي زارته، من خلال تأكيده أنه «مستعدّ لأن يذهب إلى المنزل، ولكن لا يوقّع تحت الضغط».
ثانياً ــ بحسب مصادر متابعة لكواليس الرئاسات الثلاث، فإنه خلال المرحلة المنظورة قد لا يكون هناك إمكانية للتفاؤل بإنتاج حلول اللحظة الأخيرة التي يقودها في العادة الرئيس نبيه بري. ومردّ ذلك أن الأخير بات ميّالاً إلى أن يصبح أقرب إلى الطرف منه إلى الوسيط في قضية لوم أي طرف يسهم في تأخّر الحلول بشأن إنهاء «طبخة التعيينات الإدارية من الفئة الأولى». ولأن الخلاف على «سلّة هذه التعيينات» بات محصوراً بالعنوان المسيحي، بعد أن تفاهم حزب الله والرئيس بري لأول مرة على التناصف في تسمية المراكز الشيعية، وتأكيدات ذلك واضحة في ظروف تعيين الوزير عدنان السيّد حسين في رئاسة الجامعة اللبنانية، لذا سيجد بري نفسه معنياً بممارسة «ضغط» بعدما فشلت «الوساطة» بين الأقطاب المسيحيين. وقد يكون كلامه الأخير، الآتي من خارج السياق المتوازن لمواقفه، عن أن الرئيس ميشال عون مظلوم، هو أولى الإشارات الدالة على «تموضعه الجديد».
وفي المقابل، يرمي رئيس الجمهورية بوجه مَن يريد استطلاع موقفه بشأن قضايا السجال السياسي المثارة في البلد في زاوية توجيه ضغوط عليه لثنيه عن مواقفه من التعيينات بالقول: «ما فرقاني معي (...) ولن أوقّع تحت الضغط».
ويرى رئيس الجمهورية، بحسب مصادر وزارية، أنه إذا أراد أي طرف تجاوز آلية التعيينات، يجب العودة إلى مجلس الوزراء لطرح هذه الآلية على التصويت من جديد، فإذا ما جرى تثبيتها، يجب العمل بها، وإلا فسيكون لكل حادث حديث.
ثالثاً ــ إن مصطلح إبداء «القرف» من تسونامي الضغوط المُمارس على سليمان من عون، وعلى الرئيس ميقاتي من أطراف في فريق الثامن من آذار، سيظل بمثابة حالة تعبير إنساني عن الامتعاض السياسي، ولن يصبح له شكل التجسيد السياسي في المواقف، إلا إذا انضمّ إليه النائب وليد جنبلاط الذي لا يزال مصطلح «القرف» الخاص به محصوراً بالتعبير عن رأيه السياسي بعلاقته مع دمشق. وتقول مصادر مقرّبة من المختارة إنه خلال الأيام الأخيرة تَقصَّدَ جنبلاط توجيه «لمز» موحٍ إلى الرئيس ميقاتي عندما قال: «أنا متفاهم مع الرئيس سليمان على الوسطيّة، ولا أعرف ما إذا كان ميقاتي لا يزال على رأيه».
وفيما امتنع ميقاتي عن الرد على اللمز الجنبلاطي المشكّك بوسطيته، فإن ما يبدو واضحاً حتى الآن في أجواء العلاقة بين فردان والمختارة هو لعبة إخضاع منظومة «القرف» من الضغوط السياسية لاختبارات إمكانية إنتاج منظومة سياسية له، تتعاضد في ما بينها لمواجهة استحقاقات أساسية أزف موعدها، وليس أقلّها قانون الانتخاب الذي يرفضه جنبلاط ويطرح سليمان بصدده تسوية «النسبية الجزئية»، ومعالجة الأوضاع الأمنية في الشمال التي برزت خلالها مرجعيات تقاربها من زاوية تتقاطع فيها الشرعية الدولية مع مطلب سوريا إيقاف تدفّق السلاح عبر لبنان إلى معارضة يقول عنها البنتاغون الأميركي إنها مخترقة من «القاعدة».