أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بيروت تنام.. والطريق الجديدة تكسر سكون العاصمة

الثلاثاء 22 أيار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,423 زائر

بيروت تنام.. والطريق الجديدة تكسر سكون العاصمة

آثار القذائف الصاروخية ورشقات الرصاص، والقنابل اليدوية، تدمغ المبنى الذي يضمّ مكتب "حزب التيار العربي"، والمؤلف من خمسة طوابق في الطريق الجديدة. صار المكان ساحة حرب، أسفرت عن سقوط قتيلين ونحو 20 جريحاً.

تنتشر دوريات أمنية في محيط المبنى، الذي شهد اشتباكات مسلحة بين مناصري "المستقبل" وبين مناصري شاكر البرجاوي، استمرت من ليل أمس الأول حتى فجر أمس، اثر مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه، في عكار.

عند مدخل المبنى العابق برائحة دخان الاشتباكات، يسند رجل ستيني راحة يده إلى خدّه الأيمن، شارداً بذهول. يستعيد شريط ليلة الأحد ـ الاثنين، قائلاً: "لم أنم دقيقة واحدة. ما أتذكره أن الجيران، جميعاً، احتموا في منزلي. كانت ليلة حرب حقيقية".. وقبل أن يكمل يستأذن "أريد أن أنام".

يشير ضابط أمني بيده إلى إحدى السيارات المتفحمّة، متسائلاً عن صاحبها، فيجيبه شاب يرتدي ثياباً مدنية: "إنها سيارة شاكر برجاوي"، ثم يسأله عن أصحاب السيارات المهشمة المركونة قبالة المدخل، فيهز الشاب كتفيه ويقول "هذا سؤال صعب.. يا وطن".

بدت بيروت، أمس، كما لو أنها ترزح تحت خسوف شمس، حمل الناس من الشوارع والمدارس والجامعات والوظائف، قسراً، إلى المنازل، في مشهد طرح سؤالاً بديهياً: الناس متوجسة من تداعيات ليلة الطريق الجديدة أم أنها متجاوبة مع الدعوة للإضراب العام؟

شوارع العاصمة هادئة، حتى في ساعات ذروة الازدحام البشري والمروري. هكذا كانت الصورة في الطريق الجديدة، كورنيش المزرعة، البربير، قصقص، بشارة الخوري، سليم سلام، برج أبي حيدر، المدينة الرياضية، مار الياس وعائشة بكّار.

فيما كانت حركة المارة والسيارات والدراجات ضعيفة، كانت أبواب المحال التجارية، من مطاعم ودكاكين ومؤسسات تجارية خاصة، مشرّعة بلا زبائن، باستثناء شارع عفيف الطيبي، الذي بدا أمسه التجاري كما لو أنه في يوم عطلة.

 

في الطريق الجديدة

 

يجلس العمّ رياض أحمد أمام دكانه في الطريق الجديدة، متبادلاً خيوط النقاش مع صديقه عبد الرحمن عيتاني. أمامهما تقف مجموعة من شباب المنطقة، يتحدثون عن احتمال تجدد الاشتباكات، في أثناء تشييع مرافق البرجاوي، الذي يقطن "في شارع محاذٍ" كما يردّدون.

وإذا كان العمّ رياض متمسكاً بجواب "دفن الفتنة"، مستنسخاً الجواب مراراً حتى لو كنت تسأله توقعاته لطقس اليوم التالي، إلا أن وجهاً آخر، لأكثر من سؤال، يتمسك به أحد شبان المجموعة: "لقد أدرنا الخدّ الأيمن، والأيسر، مراراً. أما الآن، فسنردّ على الصفعة بصفعة أقوى"، يرددها أحمد أرناؤوط بحماسة.

بحركة تلقائية، وبينما كان أحمد يحاول الاستفاضة في رأيه، يقاطعه خليل بعجور، وهو تاجر أربعيني، قائلاً: "أنت تتحدث بتعصّب، ربما لأنك بلا وظيفة، وربما لا. لكن، مَن المستفيد مِن أي حرب أهلية في بيروت؟ لا أحد يا صديقي. العاصمة غاضبة الآن، لكننا نريد الأمان".

بدت أجوبة أبناء العاصمة بيروت عموماً، والطريق الجديدة خصوصاً، متقاطعة، ترجح كفة واحدة على الكفة الأخرى: "نحن كنا، ومازلنا وسنبقى، تحت سيادة القانون والجيش. ومهما حاول البعض إعادة بيروت إلى زمن الحرب الأهلية، فإننا سنمنعهم. الفتنة ممنوعة، سندفنها في أرضها". 

 

عند الثانية والنصف بعد الظهر، كانت بيروت مستمرة في نومها القسري، غير أن محيط المبنى الذي شهد الاشتباكات، كان يستقبل ويودّع، تباعاً، حشوداً مدنية كسرت حالة السكون في العاصمة، كما لو أنها فقّاعة في إناء ساخن.

ومع كل زيارة فضولية مجازفة، تبدأ روايات المعركة في الانتقال بخفر، من حديث إلى حديث، راسمة مشاهد متباينة في المضمون والشكل: ثمة من يقول إن البرجاوي رفع السلاح بوجه شبان من المنطقة فاستفزهم، وثمة من يقول، مثل مالكة الدكان المجاور للمبنى، إن مناصري "تيار المستقبل"، كانوا "يجهّزون للمعركة منذ نحو شهر، وعلناً".

وسط ذلك، يقول مسؤول محلي في "تيار المستقبل"، إن "البرجاوي أوعز إلى مجموعته بأن يغلقوا شوارع المنطقة، ما إن استشهد الشيخ عبد الواحد، وذلك بهدف إحداث فوضى عارمة. في تلك الأثناء، وقعت مشادة كلامية بينه وبين شبان في المنطقة، فشهر السلاح بوجههم".

وبعدما شهر السلاح، وفق رواية المسؤول المحلي، عاد هؤلاء مدججين بالسلاح، ثم "بدأت المعركة، علماً أننا سعينا إلى عدم تطوّرها لاشتباكات مسلحة. لكن أهالي المنطقة غضبوا من تصرّفات البرجاوي المتمادية منذ زمن"... وكانت النتيجة سقوط قتيلين (من أنصار البرجاوي) و20 جريحاً.

لكن، ماذا لو عاد البرجاوي إلى مكتبه في الطريق الجديدة، وسط الاحتقان السائد حالياً؟ يجيب المسؤول في "تيار المستقبل": "التيار غير معني بعودته. لكننا لا ندري ماذا يمكن أن تكون ردّة فعل أهالي المنطقة. هم يقولون إنه أخذ تذكرة ذهاب بلا عودة. ويسألون: هل يسمح "حزب الله" بأن يفتتح "تيار المستقبل" مكتباً له في الضاحية؟".


Script executed in 0.20460319519043