أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

لعنة السلاح ..تيّار المستقبل و«السلفيّون هم الغالبون»

الثلاثاء 22 أيار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,694 زائر

لعنة السلاح ..تيّار المستقبل و«السلفيّون هم الغالبون»

كان يمكن اعتبار كلام الشاب الثلاثيني حماسة زائدة من قبله، لولا أن الأجواء في الشارع، الذي شهد اشتباكات متواصلة طيلة ليل أول من أمس، تدلّ على انتشاء واضح بالنصر لدى الغالبية. سيدة ستينية لا تتردّد في وصف ما حصل تلك الليلة بأنه «رشّ مبيدات سامة على حشرات دخلت إلى منازلنا». المقصود في الحديث ليس إلا شاكر البرجاوي، رئيس حزب «التيار العربي» الذي غادر المنطقة فجراً. عبارات قاسية كثيرة تردّد بحق الرجل. حتى إن عبد الحفيظ، الرجل السبعيني ابن الطريق الجديدة، ينظر إلى شقة البرجاوي المحروقة من دون أسف. «طول عمره ينطّ من مكان إلى آخر ولا نعرف له ربّاً. مرة يكون معنا ومرة ضدنا. يتبع من يدفع له المال». وهذا ما يزعج السيدة الستينية «اللي بيزعّل إنو طول عمرو عايش معنا بالمنطقة». تعدّد، والجيران الذين تجمعوا أمس، تقلباته السياسية «مرة يكون هو من يحمينا، حتى إنه حصل على سلاحه من «المستقبل» ودافع عنّا في المواجهات الأخيرة، ومرة يكون ضدنا، لم نعد نريده بيننا».

بالنسبة إليهم، شاكر البرجاوي هو اليوم ذراع حزب الله وحركة أمل في المنطقة. وجوده في الشارع المحاذي لكلية الهندسة في الجامعة العربية أمر غير مرغوب فيه لأنه يمهد لتطبيق «الأجندة» المرسومة للمنطقة. أجندة لم تعد مخفية على أحد، يؤكد الشاب الثلاثيني الذي شارك في الاشتباكات التي أدّت إلى الحسم. «كان ينوي أن يفتح الطريق أمام مسلّحي حزب الله لكي يدخلوا ويسيطروا على الشوارع المحاذية فنصبح تحت رحمتهم. هذا ما لا يمكن أن نقبله».

لا يوافق محدّثنا على أن هذه «الأجندة» غير قابلة للتصديق. «هل أنت مقتنع فعلاً بأن هناك أجندة مماثلة؟». يضحك ساخراً من سؤال بدا له سخيفاً. الشاب الثلاثيني الذي لا يتردد في التعريف عن نفسه وفق الآتي: «كنت شيوعياً وتحوّلت سنياً عام 2005»، يؤكد أن المطلوب اليوم «هدر كرامة السنّة، وهذا ما لن نسمح به». ولماذا لا تكون الأجندة المطلوبة فتنة سنية شيعية؟ نسأله، فيجيب وقد ملّ الأسئلة السخيفة ذاتها «إذا كان الأمر كذلك فلتحصل وننتهِ». يوافق رجل آخر على أن هذا السيناريو قد يكون مرسوماً «لكن لا يمكن أن نفعل شيئاً بما أن كرامة الطائفة صارت بالدقّ».

يروح الشاب ويجيء مراقباً القوى الأمنية التي انتشرت في الشارع، قبل أن يقرّر إخبارنا كيف صدر قرار «الحسم» وكيف نفّذ: «كانت الساعة تقترب من التاسعة والثلث عندما نزل الشباب لإحراق الدواليب قرب المدينة الرياضية، وفي طريق عودتهم، أطلقت عليهم النيران من مكتب البرجاوي فجرح ولدان كانا مع المعتصمين. بدأت المراشقات بالكلام، ثم تطوّرت الأمور إلى إطلاق النيران وبدأ الشباب يأتون من الشوارع المجاورة». في رواية أخرى، إن النيران انطلقت من مكتب البرجاوي في الهواء على سائقي نحو 20 دراجة نارية، غصّ بهم الشارع وهم يهتقون «حريري حريري»، وبعدها اندلعت الاشتباكات بين الطرفين.

نعم. كان شباب المنطقة مسلّحين. الأمر ليس سرياً، يقول الشاب، لكنه لا يوضح من أين حصلوا على السلاح «كلّ العالم عندها سلاح». يتابع روايته: عندما قرّر الشباب طرد البرجاوي رسموا خطة ونفذوها بإتقان. تسلل نحو 11 شاباً من قلب الجامعة العربية. مشوا بمحاذاة الجدران وقفزوا عن هذا الجدار (الذي كتب عليه عبارة «تيار المستقبل والسلفية هم الغالبون»)، وبدأوا الهجوم مطلقين مختلف أنواع الأسلحة التي بحوزتهم. يؤكد «إذا استطعت الدخول إلى الجامعة، يمكنك أن تري السيبة التي استخدموها للصعود». كان هجوماً ناجحاً برأيه، حتى إن البرجاوي «كان مستعداً لتسليم نفسه للجيش، لولا أنه عاد وغيّر رأيه في اللحظات الأخيرة. قد يكون أجرى اتصالاته فأرسل له حزب الله سيارات مصفحة أخرجته».

لكن، هل كان الجيش موجوداً ليسلّم البرجاوي نفسه له؟ هنا تختلف الروايات. صاحب رواية الحسم يؤكد ذلك، ويدلّ على الأماكن التي كان الجيش متمركزاً فيها. في حين يؤكد رجل خمسيني أن الجيش انسحب من المنطقة مع الساعات الأولى للاشتباك، ليعود ويدخل إليها فجراً.

فجراً، لم يكن أبناء المنطقة قد تجرأوا بعد على اكتشاف ما حصل في شارعهم الذي يغصّ عادة بطلاب الجامعة العربية. الأخيرة أقفلت أبوابها، معلنة تأجيل الامتحانات التي كانت مقررة أمس. أما الشارع فقد امتلأ بالدراجات النارية المحروقة والسيارات المتضررة. بعضها تحوّل إلى هياكل، ما يعني إصابتها مباشرة بقذائف «آر بي جي». ينكبّ سبعيني، بلحية بيضاء، على نزع ما تبقى من زجاج مكسور على نافذة سيارته القديمة، متمتماً بعبارات لا يسمعها أحد غيره. «الحمد لله على السلامة» نقول له، فيهزّ رأسه ويكمل عمله. «هل ستذهب إلى المخفر لتبلّغ عن خسائرك؟». «شو بدو يعمل لي المخفر؟» يقول ... «يمكن روح. منشوف» يتابع.

صاحب الشقة التي هاجمها شباب المنطقة كان جالساً أسفل البناية، يده على خده، والسؤال الذي يتكرّر على لسانه كيف سيعيد تأهيل الشقة المحترقة؟ يقول، وعدد من الأهالي، إن الشباب المسلّحين هاجموا شقته التي يقيم فيها طلاب جامعيون، وهم يعتقدون أنها شقة البرجاوي «أقام فيها لست سنوات، لكنه اشترى الشقة المقابلة قبل عامين، فيما يقيم عندي هنا سبعة شبان جامعيين. نجوا من الموت بأعجوبة أمس». منهم من فقد كلّ شيء، ثيابه وكتبه ومشروع تخرّجه الذي لا يزال يعمل عليه.

في البناية المواجهة، سيارات متضررة وزجاج شرفات مكسور. «الله غضب عليي ونمت هون امبارح» تقول شابة كانت تطلب من أحدهم مرافقتها إلى المخفر لفتح محضر. «نمنا... إيه نمنا كثير. ليلة ما بتتكرر» تقول أخرى بدا واضحاً من عينيها أنها قضت الليل باكية. لا تحكي المزيد. في صمتها رغبة واضحة في «النأي بالنفس».

 

«انتهت أيام 7 أيار»

 

جال النائب عمار حوري والمدير العام في قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي على منطقة الطريق الجديدة التي شهدت اشتباكات أول من أمس أوقعت قتيلين وعدداً من الجرحى.

وذكر النائب حوري أن الناس في الطريق الجديدة «قاموا برد فعل طبيعي على تصرفات شاكر البرجاوي»، مشيراً إلى أن «المعلومات التي نشرت في الإعلام عن اشتباكات بين تنظيمين غير صحيحة، بل بين أهل الطريق الجديدة والتنظيم العربي المدعوم من حزب الله».

بدوره، أكد ريفي أن «قوى الأمن على جهوزية تامة ولن يكون هناك أي جيش على الأراضي اللبنانية غير الجيش اللبناني». ولفت إلى ضرورة «التشدد بحفظ الأمن والتعاون مع الجيش».

كذلك تفقد النائب نهاد المشنوق عدداً من الجرحى المدنيين الذين أصيبوا في الاشتباكات، يرافقه المنسق العام لبيروت في «تيار المستقبل» محمود الجمل. وبعد الجولة صرّح المشنوق: «انتهت الأيام التي تستطيع بها زمر 7 أيار الاعتداء على الناس، وسنلاحقهم بالقانون حتى آخر يوم، وحتى آخر الدنيا. ولا أحد يفكر للحظة أنه يستطيع أن يعتدي على أناس مدنيين شرفاء وأوادم، وهو يحاول أن يحتمي بأجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية».


Script executed in 0.17552304267883