ولّى زمن الحافلات وجاء زمن الطائرات. من الآن فصاعداً، سيطير الجميع إلى الأماكن المقدسة في العراق وإيران والسعودية. صدر قرار رسمي بذلك من مجلس الوزراء بعد الجلسة الأخيرة. لم يعد الحديث عن «تمنيات» هنا و«نصائح» هناك بعدم المرور في الأراضي السوريّة، والعراقيّة طبعاً، مجدياً. بعد حادثة الخطف الشهيرة، استيقظ الجميع من «سبات» سوريا. بعض الحملات التي تتولى نقل الزائرين كانت قد تنبهت قبل الحادثة، وألغت الرحلات البريّة. أما اليوم، فالجميع سيسافر جواً، لكن، السؤال الباقي، من سيسافر الآن؟
النصف تقريباً. وفقاً لتقديرات محمد أشمر، المسؤول في حملة «وسيلة النجاة»، سيتقلص عدد الزائرين إلى النصف تقريباً، في أحسن تقدير. أشمر «كريم» في تقدير العدد. يتوقع أن ينزل العدد إلى ما دون النصف... «تعرفون أحوال الناس، والزوار عبر البرّ أغلبهم فقراء». ليسوا «هواة» برّ ولا تروقهم الرحلات الطويلة والمتعبة، لكن، الكلفة المتربتة على صعود الطائرة هي ضعف كلفة الذهاب برّاً. في البر، تكلّف الرحلة «المرفهة» بين 400 و500 دولار أميركي. في الجو، تكلف نحو ألف تقريباً. الفارق كبير، وخصوصاً أن الذاهبين إلى الأماكن المقدّسة عادةً، يتعاملون مع الرحلة على أنها فرصة «سياحيّة»، وذلك بموازاة التزامهم الديني بطبيعة الحال. يصطحبون معهم عائلاتهم. أشمر يتوقع تبدّل ذلك. في الجو، يصعب التنقل «العائلي». والجو لن يكون «مرحاً» بعد اليوم، بل محفوفاً بالمخاطر.
رغم ذلك، في رأي الكثيرين، في «الزيارة» يكون الجو «ودوداً». الناس يعرفون بعضها بعضاً والأمر أشبه بالسياحة. يتحدث أحد «المداومين» في الزيارة عن ذلك العبور كمن يتحدث عن رحلة يوميّة، لكنه شغوف بالحافلات الضخمة إلى حد يصعب وصفه. يحب أن يتعرّف على أناس جدد من مناطق جديدة. «الزوار» لا يتحدثون في السياسة، فعادةً، الحملة التي تنقلهم «تكون معروفة الانتماءات». يقصد هنا «حزب الله» و«حركة أمل»، ثم يردف «هناك آخرون أيضاً لهم حملاتهم وهم بعيدون عن أجواء الحزب والحركة». في المحصلة، هناك «جوّ» عائلي في الحافلة سيفتقده الجميع جوّاً. لا يحب الرجل الطائرات، لا لأنه يخاف منها، بل «لأنك في الطائرة لا تعرف أحداً، ولا يكون الجميع ذاهباً إلى الأماكن المقدسة». وعلى نقيض من هذا الرجل، يؤكد مسؤول في حملة أخرى، أن شركات الطيران، هي «المستفيد الأول من إلغاء الرحلات البريّة». ستتحكم في العروض الجديدة هذه المرة، وسيكون دور الحملات مقتصراً على التنسيق معها، وعلى ترتيب أمور الفنادق. تسعى الحملات إلى الحصول على عروض «مقبولة»، وترسل رسائل قصيرة إلى هواتف المهتمين، لكن «لا أصداء حتى الآن». لا يعني ذلك، في رأي «الحاج»، أن «لهفة الزوار ستتقلص قليلاً»، لكن الآن، تحديداً، في الصيف، جميع العروض باهظة الثمن. نحن في «هاي سيزون» وشركات الطيران لا تنتبه في حساباتها إلى «عقائد» المسافرين.
وإذ نتحدث عن عقائد المسافرين، يجب الإشارة إلى أن المتابعين يرجّحون وجود 300 حملة في لبنان تقريباً. ستترتب عليها جميعها خسائر ماديّة، لا يعدّها معظمهم «باهظة». فوفقاً لأشمر «الناس يسافرون بالطائرات واعتادوا ذلك». المشكلة في الخوف. الجميع خائف حتى من التحليق. الانفجارات وصلت إلى العتبات، ولا أحد يمكنه أن يضمن شيئاً.
في حملة «البتول» يقولون الأمر نفسه إلى حدٍّ ما، فضلاً عن كونهم أكثر قلقاً لناحية الإقبال. يتوقعون أن ينخفض عدد الزوار بنسبة 70% «إذا مش أكتر». الخوف. لا شيء غير الخوف. كانوا يذهبون إلى العراق وكانت «دوافعهم العقائديّة أقوى من العبوات الناسفة»، غير أن حادثة الخطف في سوريا قلبت الموازين. مسؤول في الحملة، لفت في حديث مع «الأخبار» إلى أن المشكلة ليست ماديّة أو قصة رأسمال وربح تجاري، بل هي قصة قناعات دينيّة. يخشى أن «تطول» الأزمة أكثر من المتوقع، ما يعني خلق نوع من «الغبن» في أوساط الريفيين، الذين تعدّ زيارة الأماكن المقدّسة بالنسبة إليهم واجباً يلامس التقليد: «في الضيع قلما تجد عائلة لا زوار فيها». في رأيه لا يحتاج الأمر إلى إحصاء. العارف بشؤون «البيئة الشيعيّة» يدرك أن الأمر لا يتعلق بالسياسة ولا بالسياحة ولا بشيء آخر. هؤلاء الناس يتوقون إلى زيارات كهذه، وعلى المدى البعيد... «لن يوقفهم شيء».