ألقى كرامي كلمته، أمس، من منزله في الرملة البيضاء، تلافيا لتجشم وسائل الاعلام المرئية مشقة إيفاد سيارات النقل المباشر الى طرابلس، فيما اقتصر حضور الكلمة على بعض الاصدقاء.
وقال كرامي «يؤسفني أن أجاهر في ذكرى الرشيد الذي (وأكرر) عاش ومات في سبيل لبنان، ان هذا اللبنان في طريقه الى الخراب، اذ ماذا يبقى من لبنان حين تنهار الدولة والمؤسسات والقوانين، بل وحتى الأعراف التي تشكل في مجموعها نتاج العقد الاجتماعي الذي تتأسس عليه الدول؟ وليعذرني أهل الحكم في هذه المرحلة، ونحن منهم، ومشاركون في الحكومة الحالية، اذا رفعت الصوت وصارحت من يهمه الأمر، بأن المؤسسات الى انهيار، والقوانين والدساتير نصوص شكلية يتم خرقها كل يوم، والوضع الاجتماعي في أسوأ الحقبات، حيث الناس تركض وراء اللقمة والدواء وقسط المدرسة، وفوق كل ذلك يأتي الوضع السياسي المتشنج الذي يتجلى انهيارات أمنية متنقلة هنا وهناك، ويأتي التوظيف الطائفي والمذهبي للصراعات السياسية وللمنافسات الانتخابية، لكي يدمر آخر متراس صمود لدى الناس».
وسأل كرامي: ماذا يبقى من الدولة حين نفقد كل هذه الأسس التي تقوم عليها الدول؟ وماذا تنتظر الحكومة، التي نحن مشاركون فيها ومتضامنون معها، لكي تتحرك وبشكل طارئ، لإيجاد الحلول؟
أضاف «نحن امتدحنا وشجعنا سياسة النأي بالنفس. ولكن النأي بالنفس لا يمكن ولا يجوز أن يستعمل للهروب من مواجهة الأزمات الداخلية بجرأة وشجاعة ومن دون مراعاة خواطر أحد. وأكتفي هنا بالاشارة الى مسألة واحدة من بين الكثير من المسائل التي لا يجوز معها النأي بالنفس، وهي المتعلقة بهدر هيبة الدولة والتقاعس عن حماية الجيش الذي يشكل صمام الأمان الوطني».
وقال كرامي: «نحن مع الحوار ونتمنى أن ينجح، ولكن الوقائع السياسية الراهنة والشروط المسبقة المطروحة فضلا عن المواقف المعروفة التي لم تتغير لدى أعضاء وفرقاء هيئة الحوار، كل ذلك يدفعنا إلى الاعتقاد أن ظروف نجاح الحوار الوطني في لبنان لم تنضج بعد، والبلد لم يعد يحتمل الفشل».
وطالب المجلس النيابي المقبل «بإعادة النظر بقانون العفو عن قاتل رشيد كرامي سمير جعجع الذي أصدره مجلس العام 2005 في سابقة أسست لانهيار كل القواعد وكل القوانين في لبنان. فهل يصدق عاقل أن هناك مجلس مشرعين يمثلون الشعب اللبناني يصدر عفواً عن مجرم حكمته أعلى هيئة قضائية في لبنان؟ هل يدركون أصلا أنهم بذلك شرعوا الجريمة و«بهدلوا» العدالة وقتلوا رشيد كرامي للمرة الثانية؟».
وأكد أن «النسبية ضرورة وطنية تتيح التمثيل الصحيح والعادل وتسهم في الحد من تأثير المال السياسي، وأي قانون آخر على غرار قانون الستين لا يمكن اعتباره قانون انتخابات بل قانون تعيينات».
وبعد انتهائه من كلمته، أجرى كرامي دردشته المعتادة مع بعض الاعلاميين، وقال «اليوم، الدول تعطي سمير جعجع أموالا ودعما معنويا كبيرا، وحتى يقال انهم يرشحونه لرئاسة الجمهورية وهو يصدق هذا القول، وقد بدأ يتصرف وكأنه قادم الى رئاسة الجمهورية، فعلى كل حال نحن نؤمن بأنه مهما حصل من انهيارات في هذا البلد، فإن الاكثرية الصامتة من اللبنانيين لا يمكن ان تقبل بأن يمر سمير جعجع بكل بساطة نحو أي منصب في هذا البلد».
وردا على سؤال قال كرامي «الحكومة لا تقوم بواجباتها كاملة، لكننا نستغرب لماذا التضييق على رئيس الحكومة وتكبيله ومضايقته، ونستغرب أن الضغط عليه من داخل الحكومة أكبر من الضغط عليه من خارجها، ولو كنت مكانه لكنت استقلت، حفاظا على موقع رئاسة الحكومة».
وعما اذا كان مستعدا لتولي المنصب مرة جديدة؟ أجاب ضاحكا: «قلنا اننا تقاعدنا وسلمنا فيصل (كرامي) لكننا غارقون في العمل السياسي والوطني العام».
واستقبل كرامي، أمس، وفدا من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد وعضوية علي عمار وعلي فياض ونوار الساحلي ومحمد صالح. وجدد رعد تقدير «حزب الله» واعتزازه بالمواقف الوطنية التي تخرج من البيت الكرامي الوطني والمقاوم.
واعتبر رعد أن من يرفض الحوار في لبنان «يسهم في فتح الثغرات الواسعة أمام المشروع الاميركي والاسرائيلي، من أجل الإجهاز على بنية البلد والقضاء على الأجواء المناسبة للتفاهم ولاستنهاض وحدة لبنان. من هنا نفترض ان الجميع يستشعرون المسؤولية الوطنية وضرورة الجلوس الى طاولة الحوار مع الآخرين للتفاهم على ما يخدم مصلحة لبنان».
وبعد سؤاله حول العدالة المفقودة، لا سيما ان قاتل الرئيس رشيد كرامي معروف، قال رعد: «نحن نعتبر ان المجرم مجرم، والعفو لا يبرئ انما يحاول ان يطوي صفحة لأسباب معينة في مرحلة وظروف معينة، نحن مع تطبيق العدالة في كل أمر في لبنان».
وتلقى كرامي اتصالا من الرئيس نجيب ميقاتي الذي قال «إننا نستذكر مواقف الراحل الوطنية والقومية المحفورة في قلوب اللبنانيين وعقولهم، فقد كان مدرسة في الوطنية، ولبنانياً صميماً، وعروبياً ملتزماً، وقبل هذا وذاك، كان ابناً باراً للشمال علّم الكثيرين أن يرتفعوا فوق المصالح والاعتبارات الضيقة، الى ما هو أسمى وأنبل، وهي مصلحة لبنان العليا».
والتقى كرامي وفدا من «تجمع اللجان والروابط الشعبية» برئاسة معن بشور.