في غضون ذلك، وبينما تركز الاهتمام السياسي والإعلامي، أمس، على مضمون كلام الأمين العام لـ«حزب الله « السيد حسن نصرالله المتعلق بقضية المخطوفين، سواء بدعوته إلى إطلاق سراحهم، أو بطرحه، على الخاطفين، حل هذه المسألة «حبياً او بالحرب أو بالسلم»، شكّل إقدام الأمين العام لـ«حزب الله» على طرح فكرة المؤتمر الوطني التأسيسي، الخطوة السياسية الأبرز والأشجع، لما تحمله في طياتها من أبعاد يمكن أن تؤسس لتجاوز لبنان واللبنانيين كل واقع الفرز الطائفي والمذهبي، والانقسامات السياسية منذ تاريخ صدور القرار 1559 حتى يومنا هذا.
واللافت للانتباه أن هذه الخطوة لم تأت في سياق التساجل مع أي طرف داخلي، ولم تأت في إطار الدعوة للانقلاب على الطائف، بل جاءت «باردة» بشكلها، و«حارة» في مضمونها، خاصة اذا تلقفتها القوى المعنية، في المقلبين المسيحي والإسلامي، كما في ضفتي الأكثرية والمعارضة وما بينهما.
وقال مراقبون لتطور مواقف «حزب الله» في السنوات الأخيرة: إننا أمام خطاب تأسيسي تاريخي للحزب، خاصة أنه يرتكز الى ثقافة بناء الدولة بكل مندرجاتها، وهو يحمل في طياته إقراراً بأن المدخل الوحيد للخروج من المأزق الحالي هو بولوج خيار الدولة القوية القادرة العادلة، التي أفرد السيد نصرالله للحديث عنها الجزء الأكبر من مداخلته حول الإستراتيجية الدفاعية في العام 2006.
زيارة سليمان للسعودية
رئاسياً، عكست قمة الستين دقيقة بين الرئيس سليمان والملك عبدالله حرصاً أبداه الملك السعودي على الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، ودعماً لسياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الحكومة اللبنانية حيال الوضع السوري، وجهوزية المملكة لمساعدة لبنان بما يخدم التوجهات اللبنانية الوفاقية، ووقوفها على مسافة واحدة مع كل مكونات الشعب اللبناني، ومباركة الحوار الداخلي لإيجاد الحلول التي ترضي الجميع. ولعل النقطة الأبرز تتمثل في تأكيد الملك عبدالله أن المملكة «مستمرة في سياستها التقليدية تجاه لبنان، ولن تغير هذه السياسة القائمة على دعم هذا البلد الشــقيق في كل المجالات».
وشكّل الغداء التكريمي الذي اقامه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على شرف رئيس الجمهورية والوفد المرافق بحضور الرئيس سعد الحريري فرصة لتشريح الدعوة التي وجهها سليمان لانعقاد طاولة الحوار في 11 حزيران الجاري، حيث اثار رئيس الجمهورية هذا الموضوع مع الحريري شارحاً الظروف التي أملت توجيه الدعوة، ولا سيما منها ما يتصل بالبُعد الإسرائيلي وتهديداته المستمرة، وكذلك بالبُعد العربي المتمثل بالأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان، بالإضافة الى رسالة الملك عبدالله التي اكدت على أهمية الحوار الوطني وتشجيعه عليه.
وفي موازاة ذلك، استعرض الحريري كل مراحل الحوار وانتهى الى خلاصة مفادها: «نحن لا نريد الحوار لأجل الحوار، ولكن نريد الحوار للوصول إلى نتائج». وأرفق ذلك بثلاث لاءات: لا نقبل أن نكون غطاءً للحكومة الحالية. لا نريد ان نكون غطاءً لما يسمى سياسة النأي بالنفس التي تترجم يومياً انتهاكاً سورياً للسيادة اللبنانية. لا نريد ان نحقق مآرب الفريق الآخر عبر إخراجه من مأزقه الراهن.
وتوجه الحريري الى رئيس الجمهورية قائلاً: لسنا نحن من عطل الحوار، ولسنا نحن من أسقط حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي فإن الحوار يجب أن يتم على أسس، أولها، تشكيل حكومة حيادية. ثانيها، بت موضوع السلاح. ثالثها، الالتزام بما يقرر وتنفيذه، ودعا الحريري رئيس الجمهورية الى عقد اجتماعين منفصلين بينه وبين كل من فريقي 8 و14 آذار للاستماع إلى وجهة نظر كل منهما، قبل الدخول في الحوار، «خاصة أنه ستترتب سلبيات على الحوار إذا انعقد وفشل».
وأكد سليمان للحريري أنه لا يساير في دعوته، لا 8 ولا 14 آذار، ولذلك، فإن اقتراح عقد اجتماعين منفصلين يحوّل رئيس الجمهورية إلى مفاوض، في حين أنه هو رأس الدولة والحكم ويرأس الحوار. والحل هو بتلبية الدعوة إلى الحوار وطرح كل شيء خلال النقاش العام.
وقال رئيس الجمهورية لـ«السفير»: كانت الزيارة مهمة من كل النواحي، والملك عبدالله كان في غاية الإيجابية وأكد دعمه للحوار الوطني ولسياسة النأي بالنفس.
وأوضح سليمان انه هو من اتصل بالحريري قبل قدومه إلى السعودية، وجرى الاتفاق على اللقاء في جدة على مائدة الأمير الفيصل، وقال عن موضوع الدعوة للحوار: «لا أنا حشرته بجواب محدد، ولا هو أعطى جواباً بالنفي أو بالتأكيد»(حول الحضور).
وقال سليمان إنه طرح موضوع المخطوفين اللبنانيين قرب حلب في سوريا، مع الملك عبدالله الذي أبدى استعداداً للمساعدة والمساهمة وإجراء الاتصالات لجلاء مصيرهم وعودتهم سالمين (ص3).
الى ذلك، وبينما كانت عائلات المخطوفين تتلقى دعوة الموفد الدولي كوفي انان الى الصبر، قبيل مغادرته بيروت، وتطلع من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على أجواء المحادثات التي اجراها مع المسؤولين الاتراك، مقرونة بتأكيده إيلاء الاولوية لهذه القضية الانسانية وبذل الجهد اللازم من قبل الحكومة للافراج عنهم، كان السيد حسن نصرالله يطل، في الاحتفال الذي اقيم عصر امس في الاونيسكو في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الامام الخميني، ليؤكد دور الدولة في ايصال هذه القضية الى خواتيمها الايجابية.
وتوجه نصرالله الى الخاطفين قائلا: « قلتم إن لا مشكلة لكم مع طائفة، فعليكم أن تثبتوا ذلك، فهؤلاء المخطوفون زوار أبرياء يجب ان يعودوا الى أهلهم، وإذا كانت لكم مشكلة معي فهناك وسائل وطرق وأساليب ومستويات كثيرة لحل المشكلة، فإن أردتم ان نحل الامور بالحرب فبالحرب، وإن اردتم بالسلم فبالسلم، وإن اردتم بالحب فبالحب، هناك طرق كثيرة، لكن افصلوا موضوع الأبرياء، وتعالوا حلّوا المشكلة معنا، ولكن أن تأخذوا الأبرياء رهائن، فهذا ظلم كبير».
نصرالله: المجلس التأسيسي
وفي موضوع الحوار، قال نصرالله: «اذا كنّا نريد لبنان موحّداً وآمناً، وبلا مشكلات اقتصادية واجتماعية، يجب بناء دولة. وأن نصل إلى قناعة أن لبنان لا يحتمل تقسيماً، بل يجب أن يكون لبنان دولة واحدة يحكمها القانون وليس المزاج الشخصي، هذا هو طموحنا. نحن نتقاتل منذ ثلاثين سنة ويجب ان نرتاح، ولذلك أدعو الى عقد مؤتمر حوار وطني، وليس فقط طاولة حوار وطني. مؤتمر تأسيسي أو مجلس خبراء جديد، فهناك من يتكلم عن الطائف وتنفيذه وهناك من يقول بتطويره، وهناك من يقول بالعلمنة، وهناك من يقول بإلغاء الطائفية السياسية وهناك من يقول بالتوافق على عقد اجتماعي جديد، فما المشكلة إذا كان هناك مؤتمر تأسيسي وحوار كيف نبني دولة، وإلا فسنبقى مياومين في السياسة»