أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

يوم دخل بشير الجميل مسرعاً للقاء شارون

السبت 02 حزيران , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 19,235 زائر

يوم دخل بشير الجميل مسرعاً للقاء شارون

«عند الساعة الواحدة ليلاً، في الأول من أيلول، 1982، هبطت مروحية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في أحد المصانع العسكرية في منطقة نهاريا. عند المهبط كانت شاحنة عسكرية تنتظر الضيوف القادمين، الذين اضطروا إلى حشر أنفسهم في خلفية الشاحنة. وبّخ أحد أعضاء الوفد، فادي فرام، ممثلي الموساد المرافقين لهم: «ليس بهذه الطريقة يُستقبَل رئيس منتخب»...

الزيارة لم تكن الأولى للجميل إلى إسرائيل، إلا أنها كانت الأخيرة. يروي التحقيق الذي أعده شمعون شيفر في «يديعوت» تفاصيل تلك الزيارة وما سبقها وتلاها من أحداث، بالاستناد إلى وثائق سرية، من بينها محاضر اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وقائد القوات اللبنانية في حينه...

 

في غرفة طعام المصنع كانت القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية في الانتظار: رئيس الحكومة مناحيم بيغين، وزير الدفاع أرييل شارون، وزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس الأركان رفائيل إيتان، وعدد من جنرالات الجيش. لم يكن ذلك اللقاء الأول بين بيغين وبشير الجميل، إلا أن الابتسامات والحرارة التي طبعت اللقاءات السابقة استُبدلت هذه المرة ببرودة قاتمة...

بعدما أثنى على بشير وجماعته، ألقى بيغين خطاباً مطولاً يمكن تلخصيه بثلاث كلمات «أنتم ناكرو الجميل». عرضَ رئيس الوزراء الثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل منذ اندلاع الحرب، وقال بصوت تعب «أنا أتوقع منكم أن تلتزموا وتوقعوا اتفاقية سلام معنا»...

بشير لم يتملص في الجواب، وقال «إذا كنتم تريدون تصفيتي، فأنا مستعد لأن أوقع الليلة اتفاقاً. أنا لم أكذب عليكم. قلت لكم دائماًَ إن الاتفاق الرسمي سيخرج إلى حيز التنفيذ بعد فترة من العلاقات، كما كانت عليه الحال بينكم وبين شاه إيران. إذا اضطررتموني إلى التوقيع الآن، فعليكم أن تأخذوا بالحسبان أنكم قد تضطرون إلى البقاء في لبنان إلى الأبد، والدفاع عني من الجهات التي تنوي قتلي»...

«انتهى اللقاء. الجميل ومستشاروه دخلوا إلى الشاحنة العسكرية التي أعادتهم إلى المهبط، ومن هناك إلى بيروت. كان ذلك اللقاء الأخير بين بيغين وبشير الجميل»...

بدأت العلاقة بين إسرائيل وقوى مسيحية لبنانية عام 1975، حين طلبت هذه القوى من تل أبيب المساعدة في خضم الحرب الأهلية التي كانت تعصف بالبلد. رئيس الوزراء في حينه، إسحاق رابين، استجاب للطلب، وعلى مدى الأعوام التي سبقت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 بلغت قيمة المساعدات الإسرائيلية 118 مليون دولار، إضافة إلى تدريب نحو 1300 عنصر من الكتائب في قواعد خاصة داخل إسرائيل...

كان لدى القوات اللبنانية أساليب عدة لشراء زملائهم الإسرائيليين. سريعاً أدركوا أن شارون يحب الطعام الفاخر، فعمدوا عند كل زيارة له إلى استقدام أنواع فاخرة من الجبن والطعام البحري من باريس، إضافة إلى لحوم الضأن ومقبلات أخرى. وخلال كل زيارة لشارون، كانت هناك مائدة دسمة تستمرّ ساعات، لكن في المجال العسكري، لم تكن هناك أي جدوى ترجى من القوات. معظم طلبات إسرائيل لمساعدتها في القتال رُفضت بحجة أنهم غير مستعدين لذلك من الناحية العملياتية...

وفيما كانت العلاقة بين إسرائيل والقوات تتوثق، كانت هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي تستكمل خطة الحرب على لبنان. في كانون الأول عام 1981 صدّق شارون على الخطة، وفي كانون الثاني 1982 زار بيروت سراً والتقى بشير الجميل وقيادة القوات. وعندما عاد من الزيارة اتصل شارون بي وقال «لقد ربطت أرجلهم. كل شيء جاهز من أجل الحرب، وهو سيكونون شركاءنا فيها»...

في الأيام الأولى من حزيران 1982، كان شارون في زيارة سرية إلى رومانيا، حين جاءه نبأ محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف. كان ذلك بالنسبة إلى بيغين وشارون ذريعة للدخول إلى لبنان. غداة عودة شارون، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً في السادس من حزيران، وقررت فيه تنفيذ عملية «الصنوبر الكبير»...

في جلسة الحكومة في 15 حزيران، التي نوقش خلالها احتلال الجزء الغربي من بيروت، أوضح بيغين أن هذه المهمة ستلقى على القوات اللبنانية. وفي جلسة ثانية، بعد يومين، قال شارون للوزراء «إذا تطلب الأمر الدخول إلى بيروت، فإن من سيدخل أمامنا وخلفنا ويطهر المدينة من المخربين هم القوات اللبنانية»...

هذه العملية، التي أطلق عليها اسم «بريق»، كان من المفترض أن تكون درة تاج التعاون بين إسرائيل والقوات اللبنانية. وفي إطارها كان من المفترض أن تدخل قوات بشير الجميل غربي العاصمة، التي كانت مطوقة من قبل الجيش الإسرائيلي، وأن تطهر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا من المخربين، الذين اختبأوا فيها. في ليلة 20 حزيران، التقى شارون في بيروت قادة القوات اللبنانية، واتفق معهم على أن تبدأ العملية بعد يومين. إلا أن ذلك لم يحصل...

في ليلة 22 حزيران، دخلت سيارة رياضية مسرعة إلى الساحة المحمية لبعثة الموساد في بيروت. سائق السيارة كان بشير الجميل، وفي داخل مكتب البعثة كان شارون في انتظاره، وإلى جانبه رئيس الأركان، رفائيل إيتان. حاول بشير أن يشرح لماذا هو غير قادر على أن يأمر قواته بالدخول إلى غربي بيروت. حجته الرئيسية كانت أن القتال إلى جانب إسرائيل سيقضي على فرصه بأن ينتخب رئيساً للبنان. صرخ بشير بصوت عال بالإنكليزية: «جنرال. لا يمكننا القيام بذلك. نحن غير قادرين على رمي الفلسطينيين خارج بيروت».

أجابه شارون بغضب «اسأل أباك عن كيفية القيام بذلك».

في اليوم التالي، هبطت مروحية عسكرية في القدس، وخرج منها بشير مع مستشاريه الأقربين. انتقل الجميع في سيارة مصفحة إلى مقر رئيس الحكومة، حيث كان بيغين في استقبالهم في الطابق الأول. بادر بشير إلى الإطراء على بيغين، قائلاً «لقد أعطتنا حكومتك ما لم تعطنا إياه أية حكومة أخرى. لقد أعطيتمونا الفرصة لتحقيق أحلامنا».

«صحيح». أجاب بيغين. «إنها فرصة تاريخية بالنسبة إليكم، ونحن سوف نساعدكم على الوصول إلى الاستقلال الكامل. في نهاية الحرب سوف يجري تتويجك رئيساً للبنان، وستأتي إلى القدس مثل أنور السادات، ونوقّع اتفاقية سلام».

«تحدث بشير عن قدرة قواته المحدودة، وعن حاجتها إلى مساعدة إسرائيلية». أجابه بيغين: «سوف نساعدكم. ساعدونا فقط في حصارنا لبيروت». في ختام اللقاء أعرب الجميل عن موافقته على الدخول إلى بيروت الغربية في 28 حزيران... إلا أن ذلك لم يحصل.

في نهار الانتخابات في 23 آب، فرض الجيش الإسرائيلي إغلاقات على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل منع النواب اللبنانيين المتمردين من اجتياز الحدود والتهرب من المشاركة في الاقتراع. وأرسلت وحدات خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي إلى بيوت بعض النواب المترددين، من أجل ضمان أمن عوائلهم. وصف أحد ضباط الموساد ذلك بالقول «تماماً مثل المافيا»...

في الأثناء، كان بيغين في القدس ينتظر الأنباء من بيروت. صحيح أن القوات خذلته ولم تنفذ التزامها في تطهير غربي بيروت من المخربين، إلا أن ياسر عرفات كان على وشك مغادرة لبنان، وهذه هي اللحظة المناسبة لتنفيذ الشق الآخر من الاتفاق مع الجميل: توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل...

إلا أن الجميل نقل رسائل مخالفة. خلال لقائه مع ديف كمحي، مدير عام وزارة الخارجية، ومهندس الاتصال مع القوات اللبنانية، أوضح الجميل «سيكون عليكم أن تنتظروا بين ستة إلى تسعة أشهر حتى أستقر في كرسي الرئاسة، وعندها سوف آتي إلى القدس من أجل توقيع اتفاق. وفي غضون ذلك، سوف أقنع دولاً عربية أخرى، وعلى رأسها السعودية، بدعمي. أنا أريد أن أبني جيشاً قوياً، وأن أجهض المقاومة الداخلية في لبنان...».

«طلب بيغين لقاء بشير فوراً. اللقاء المشار إليه أعلاه في نهاريا انتهى دون نتائج عملية وبنبرات حادة. كان ذلك قبل أسبوعين من مقتل بشير.


Script executed in 0.17846488952637