أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

طرابلس تدمي: انتشار أمني يــعيد الهدوء الحذر

الإثنين 04 حزيران , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,654 زائر

طرابلس تدمي: انتشار أمني يــعيد الهدوء الحذر

انعكست أجواء الاحتقان السياسي في طرابلس على أرض الواقع، فترجمت نفسها في عطلة نهاية الأسبوع الماضي اشتباكات دامية استمرت أكثر من 36 ساعة، أسفرت عن سقوط 15 قتيلاً وأكثر من 60 جريحاً وأضرار مادية كبيرة. لكن اللافت في جولة الاشتباكات الأخيرة، وهي الثامنة التي تشهدها طرابلس منذ أحداث 7 أيار 2008، أنها جرت قبل أن تضع الجولة السابعة أوزارها، التي انتهت قبل نحو أسبوعين فقط.

وطيلة فترة الأيام القليلة الفاصلة بين الجولتين السابعة والثامنة، كان المحور التقليدي في باب التبّانة وجبل محسن يشهد يومياً إشكالات فردية، يسقط خلالها جرحى نتيجة استخدام السكاكين والعصي والحجارة، ورمي قنابل يدوية وقذائف إنيرغا، بالتزامن عن شائعات تفيد عن استعداد الطرفين للمعركة المقبلة عبر تزودهم بالسلاح والذخيرة ورفعهم الدشم والسواتر في الشوارع وعلى أسطح البنايات. و«توافق» كوادر في المنطقتين على أن الجولة السابعة كانت «بروفة» لما هو آتٍ.

بعد عصر يوم الجمعة الماضي، وقبل أن تغرب الشمس، أُلقيت 3 قذائف إنيرغا في المنطقة الفاصلة بين باب التبانة وجبل محسن، ما جعل أجواء التوتر تتصاعد مجدداً في طرابلس. وفي اليوم نفسه، نظّم حزب التحرير مسيرة تضامنية مع الشعب السوري، وأقام المعتصمون في ساحة عبد الحميد كرامي (النور) صلاة الجمعة وسطها بعد إقفالها، حيث كرّروا مطالبتهم بإطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين، ودعمهم المعارضة السورية.

لم يهبط ليل الجمعة في طرابلس إلا وكان أزيز الرصاص يُخيّم فوق مناطق الاشتباكات. وتدريجاً، خلت المدينة من السّيارات والمارة، في موازاة حركة نزوح لافتة من مناطق الاشتباكات إلى مناطق أكثر. وتزامن ذلك مع إقفال الطريق الدولية بين طرابلس وعكار، بسبب رصاص القنص الذي استخدم على نطاق واسع، وتسبب في سقوط قتلى وجرحى، كان أولهم خالد الرفاعي (19 عاماً) الذي يعمل في جمع الخردة وبيعها.

ليل الجمعة ـــ السبت شهد توسعاً في رقعة الاشتباكات لتشمل محاور القبّة والمنكوبين، ما أدى إلى إغلاق أغلب المدارس والمؤسسات أبوابها يوم السبت، وإقفال تام في سوقي الخضار والقمح. وأدى ذلك إلى ارتفاع عدد القتلى والجرحى نظراً إلى ارتفاع حدّة الاشتباكات التي استخدمت فيها أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية، ما دفع الجيش إلى الانسحاب من المحاور التي كانت تشهد اشتباكات.

تدهور الأوضاع الأمنية في المدينة على هذا النحو دفع القوى السياسية إلى التدخل سريعاً من أجل لجم الأمور، وهو ما ترجم في جملة خطوات تمثلت أولاها بعقد اجتماع في منزل النائب محمد كبارة، وفي اجتماع آخر عقد في سرايا طرابلس برئاسة وزير الداخلية مروان شربل.

أما الخطوة الأبرز فتمثلت في الاجتماع الذي عقد في منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عند التاسعة من مساء السبت، وحضره شربل إلى جانب وزراء طرابلس: محمد الصفدي وفيصل كرامي وأحمد كرامي، والنواب: محمد كبارة وسمير الجسر وروبير فاضل، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ومسؤول استخبارات الجيش اللبناني في الشمال العميد عامر الحسن وممثلون عن هيئات المجتمع المدني. وتجاوب نواب تيار المستقبل مع دعوة ميقاتي، من دون أي تحفظ، وكانوا أيضاً «سباقين إلى تلبيتها»، بحسب مقربين من رئيس الحكومة، «كونهم يعون خطورة ما جرى من جهة، ولكي لا تُفسر مقاطعتهم على أنها تشجيع لاستمرار الاشتباكات».

المجتمعون الذين تبلغوا من ميقاتي أنه كلف الهيئة العليا للإغاثة «الإسراع في إجراء المسح الميداني وصرف التعويضات للمتضررين»، توافقوا على خطة أمنية تضمّنت «التأكيد على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي ضرورة اتخاذ كلّ الإجراءات الحازمة فوراً لوقف الاشتباكات في مدينة طرابلس من دون تمييز». وقالت مصادر المجتمعين إن اللقاء شهد مكاشفة قيلت فيها الأمور «كما هي»، ومن دون مواربة.

غير أن الاجتماع عند ميقاتي تزامن مع تصعيد عنيف للاشتباكات التي اتسعت رقعتها لتشمل كل المحاور في باب التبانة وجبل محسن والقبة والمنكوبين وتعاونية ريفا والبقار. وطاولت القذائف منطقة الزاهرية والأسواق القديمة وشارع عزمي، الذي تعرضت فيه محال تجارية يملكها عدد من أبناء جبل محسن لاعتداء من قبل مجهولين، وهو أمر استمر حتى يوم أمس.

في غضون ذلك، وخلال الفترة الزمنية التي كان فيها الاجتماع منعقداً في منزل ميقاتي، سجل رقم قياسي لجهة دخول 12 جريحاً في أقل من نصف ساعة إلى المستشفى الإسلامي، وتسجيل سقوط قذيفة بمعدل كل 5 دقائق تقريباً.

وفيما كانت الاتصالات مع قادة المسلحين على الأرض تشير، حتى الساعة الثانية من بعد منتصف ليل السبت ـــ الأحد، إلى أن الأمور ما تزال معقدة، أجريت اتصالات مكثفة مع مراجع سياسية وأمنية، ما أدى إلى تبدل لهجة قادة المسلحين وسمح ببدء تنفيذ الخطة الأمنية صباح أمس.

أشدّ المعارك عنفاً دارت ليل السبت ـــ الأحد على محوري المنكوبين ـــ جبل محسن وتعاونية ريفا ـــ جبل محسن، وطاولت مخيم البداوي المجاور الذي أصيب فيه 3 أشخاص بجروح بالغة.

وترافقت الاشتباكات على المحورين المذكورين مع قيام مسلحين بنصب حاجز على الطريق التي تربط بين محلة العيرونية والبداوي، في خطوة بدت أنها تهدف إلى منع نقل الجرحى من جبل محسن إلى مستشفيات زغرتا. لكن الجيش تدخل وأزال الحاجز، في وقت كانت فيه مناطق أخرى بعيدة عن مناطق الاشتباكات تشهد ظهوراً مسلحاً لافتاً.

وفي ما بدا أنه سباق بين تصعيد الاشتباكات واحتوائها، جرى استدعاء قوات إضافية من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، من أجل تطبيق الخطة الأمنية التي تأجل تطبيقها مراراً بسبب استمرار تبادل إطلاق النار، إلى أن باشرت القيام بتنفيذ تلك الخطة ابتداءً من الساعة السابعة من صباح أمس، مع انسحاب المسلحين من الشوارع، ما أسهم في عودة الهدوء إلى المدينة تدريجاً، وإن بقي صوت الرصاص مسموعاً على نحو متقطع وخفيف بعد ذلك لساعات، وخصوصاً رصاص القنص، ما أبقى أجواء التوتر المشحون قائمة.

ورغم أن الوزير شربل نفى وجود انقسام وتحفظ حول وجود الجيش في باب التبانة وقوى الأمن الداخلي في جبل محسن، فإن اقتصار انتشار قوى الأمن الداخلي في باب التبانة دون جبل محسن، وانسحاب الجيش «تكتيكياً» من بعض مناطق باب التبانة مع بقائه في منطقة جبل محسن، يُعبّر عن الانقسام السياسي والشعبي حيال المرجعيتين الأمنيتين. إذ في مقابل تحفظ كوادر ومواطنين في باب التبانة على ما يسمّونه «بعض ممارسات الجيش»، اتهم مسؤولون في جبل محسن قادة في قوى الأمن الداخلي بتورطهم في أحداث طرابلس.

في موازاة ذلك، أكدت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأمنية، وهي إزالة الدشم والمتاريس والدخول إلى الشوارع الداخلية والأزقة في مناطق الاشتباكات، لن يبدأ العمل بها إلا بعد تنفيذ المرحلة الأولى، والتي تشمل وقف إطلاق النار وقفاً نهائياً، وانسحاب المسلحين من الشوارع».

إلى ذلك، أعلنت الهيئات الاقتصادية والاتحادات العمالية ونقابات المهن الحرة وهيئات المجتمع المدني وبلدية طرابلس أن اليوم الاثنين هو «يوم حداد وإضراب عام في المدينة، استنكاراً لما تشهده المدينة».

 

السلفيّون: لا علاقة لنا بما يجري

 

تبلغ وزير الداخلية مروان شربل من مشايخ وممثلين عن القوى الإسلامية، أغلبهم من ذوي التوجه السلفي، التقوه في سرايا طرابلس منتصف ليل السبت ـــ الأحد، بناءً على طلبه، أنه لا علاقة ولا دور لهم نهائياً في الاشتباكات الأخيرة، وأنهم لم يفتحوها ولم يشاركوا فيها، نافين بذلك بعض ما أشيع عن أن السلفيين هم من افتعلوا الاشتباكات الأخيرة.

وقد تحدث الشيخان سالم الرافعي ورائد حليحل باسم الوفد، فأوضحا أمام شربل أنه «لا نوافق على التقاتل أبداً، برغم موقفنا السياسي من الانقسام السياسي الداخلي ومن النظام في سوريا، وأن هناك مشاكل وقضايا في المدينة تحتاج إلى إيجاد حلّ جذري لها لإنهاء الوضع الشاذ فيها على كل المستويات».


Script executed in 0.1913731098175