ففي البترون أكثر من 500 طالب جامعي، من مختلف قرى وبلدات القضاء، يواجهون معاناة لتلقي العلم والحصول على الشهادات الجامعية. ويدفعون مالاً، وصحة، وأعصابا، ووقتا، في سبيل العلم. ولأن «أهل البترون هم أهل علم وثقافة وتربية، على مدار التاريخ، قرروا ألا يصمتوا عن حق مكتسب لهم». من تنورين وأعالي البترون ووسطها وساحلها يتوجه الطلاب يومياً إلى جامعاتهم، منهم شمالاً نحو طرابلس، ومنهم جنوبا نحو العاصمة بيروت. ومن الأهل من يرزح تحت عبء أقساط الجامعات الخاصة، كي يوفروا على أولادهم مشقة الانتقال إلى مناطق بعيدة.
منذ سنوات طويلة تتجه أنظار البترونيين نحو مبنى «إدارة حصر التبغ والتنباك - الريجي» في البترون، للإفادة من منشآته التي ليست مشغولة، إلا بقسم صغير منها، وهي منشآت واسعة ومتعددة، وقد تكون صالحة لأن تكون صرحاً جامعياً، يستفيد منه أبناء البترون فيوفر عليهم الكثير من المعاناة والمشقات والتكاليف المادية. وكان النائب أنطوان زهرا قد سعى مع الرئيس فؤاد السنيورة في عهد الحكومة السابقة، لتحويل مبنى «الريجي»، إلى فرع لـ«الجامعة اللبنانية»، إلا أنه وبعد سلسلة مراجعات في ذلك الشأن، تبين أنه لا يمكن تغيير وجهة استعمال المبنى، لأنه ملك لـ«إدارة حصر التبغ والتنباك». ويشير النائب زهرا إلى «ولادة فكرة أخرى للإفادة من المنشآت القائمة، وهي استغلال المبنى بصناعات تبغية»، يقول: «بدأنا رحلة الاتصالات مع شركات تبغ عالمية، من أجل استثمارها، لتأمين فرص عمل لأبناء المنطقة. وتلقينا وعدا يومها من الرئيس السنيورة بالموافقة على تحويلها إلى منطقة حرة. ولكن حتى الآن لم نحصل على موافقة أي شركة، لا في لبنان ولا في الخارج لاستثمار المبنى. وبذلك تبقى المنشآت القائمة على 26 ألف متر مربع على أجمل تلة في البترون غير مستفاد منها إلا كمخزن للتبغ».
ويعتبر مبنى «الريجي» من أهم أبنية المرافق العامة في لبنان. ويضم منشآت ومبانيَ واسعة. ويتألف مبنى الإدارة من ثلاث طبقات، ومبنى الأشغال أيضاً من 3 طبقات، بالإضافة إلى طبقة أرضية. يستخدم كمخزن وهو المبنى الوحيد الذي يتم تشغيله حالياً، لاستلام محصول التبغ من مزارعي البترون والجوار، بالإضافة إلى الحدائق والباحات الواسعة، ما يجعل المبنى قادراً على استيعاب طلاب البترون والشمال ومناطق أخرى.
وتحدد الدكتورة هلا سليمان (الناشطة منذ سنوات لإيجاد صرح جامعي في البترون)، مطالب أبناء المنطقة بـ«ضرورة تحويل مبنى الريجي إلى صرح جامعي، ورفضهم لأي مشروع آخر في إطار استثمار مبنى الريجي». ودعت سليمان إلى «رفع الصوت عالياً، صوتاً واحداً بعيداً عن السياسة والدين والطائفية، لأن العلم والثقافة والإنسانية والحق ليس لها لا سياسة ولا دين»، مشددة على «ضرورة إقامة فرع من فروع الجامعة اللبنانية في منطقتنا. وهو مشروع إيجابي، خصوصا أن المكان موجود وهو مبنى الريجي. وقد يحتاج لبعض أعمال التأهيل بالشكل الذي يتلاءم مع المشروع»، معتبرة أن «فرعا من فروع الجامعة اللبنانية لن يقدم العلم فقط لطلابنا، إنما هو مشروع ينعكس إيجابا على الحركة الإسكانية والاقتصادية والسياحية والإنسانية». وترى الطالبة لوسي نصرالله (طالبة هندسة في «الجامعة اللبنانية» - الفرع الأول) أن «إنشاء فرع للجامعة اللبنانية في البترون»، هو بمثابة خلاص وعملية إنقاذ لها ولكثيرين من رفاقها البترونيين الذين يقصدون طرابلس يومياً حتى في ظل الأوضاع الأمنية السيئة للالتحاق بجامعتهم. وتقول: «نعيش حالا من الرعب أحيانا، ونحن في طريقنا إلى الجامعة، وأهلي يعيشون الخوف والحذر حتى عودتي إلى المنزل». أما راشيل مرعي (طالبة حقوق في «جامعة الروح القدس» - الكسليك)، فتشير إلى أنها تتكبد مشقة الانتقال يوميا من منزلها في وسط البترون إلى الكسليك «لأنه لم يكن أمامي خيار آخر، وإلا فكان علي أن أقصد بيروت أو طرابلس وفي الحالتين هناك ثمن يجب دفعه، بالإضافة إلى الثمن المادي والأقساط العالية التي ندفعها سنويا بدل تنقلات والوقت الذي نهدره للوصول والعذاب عند حدوث عواصف». هؤلاء الطلاب وغيرهم بالمئات، هم أبناء عائلات قدمت الكثير لمؤسسة «الريجي»، حيث كان بعضهم «يعمل في زراعة وقطاف التبغ وإنتاجه عبر مراحل عدة فيبيعوه للإدارة بأثمان زهيدة.
وقد حان الوقت لأن ترد لهم تلك الإدارة الجميل، فتقدم لهم المباني لاستقبال أولادهم»، كما تقول الدكتورة هلا سليمان، «نحن لدينا مركز خال واسع يصلح ليكون صــرحاً جامعياً في موقـــع من أهم المواقع، التي تقوم عليــها كل الجامعات خاصـــة كـــانت أو رسمـــية، ولا موقع يضاهي ذلك المكان الهادئ والفسيح لإقامة فرع للجامعة اللبنانية».