بدأ حادث الامس بخلاف شخصي على حسابات مالية ناتجة عن تهريب السلاح الى المعارضة السورية بين شخصين أحدهما من وادي خالد والآخر من الحيصة شاءت الصدف أن يكونا مختلفين مذهبيا ومتناغمين سياسياً كما في النظرة التجارية الى الأزمة السورية، فأقدم أحدهما على احتجاز الآخر بهدف ممارسة الضغط عليه لتصفية حساب مالي معه، ومن ثم عمل عبر جهات معينة على تسليمه الى السلطات السورية.
لكن الأرض العكارية الخصبة المشبعة بالتحريض السياسي والمذهبي سرعان ما تحركت غرائز البعض فيها، ليجد العكاريون أنفسهم أمام مشاهد كانوا جاهدوا لمحوها من ذاكرتهم، ولتجد الأقليات في بعض القرى الحدودية نفسها مهددة في سلامتها بعدما اتخذت الحادثة أبعادا مذهبية ترجمت في وادي خالد بإقامة الحواجز واحتجاز عدد من الأشخاص السوريين القادمين من سوريا الى لبنان فضلا عن تاجر مواش لبناني من بلدة عين الزيت وذلك على خلفية انتماءاتهم المذهبية.
ويمكن من خلال المسار الدراماتيكي الذي شهدته عكار أمس التقاط بعض الاشارات التي يجب الوقوف عندها وذلك لجهة:
أولا: عامل الاستثمار السريع لحادثة شخصية فردية يمكن أن تحصل كل يوم وفي أكثر من منطقة، واستخدامها في محاولة إشعال فتنة مذهبية من خلال دفع البعض للخروج عن طورهم وممارسة أفعال لا تمت الى عادات وتقاليد أبناء عكار بصلة. ثانيا: السباق المحموم الذي شهدته القرى الحدودية بين التأزيم والتهدئة، أمس، ومحاولة البعض مصادرة دور النواب والنواب السابقين ورؤساء البلديات الذين دعوا الى ضبط النفس وسعوا الى حلحلة الموضوع، والابقاء على التوتر الحاصل وتغذيته بشتى الطرق.
ثالثا: المصادفة في أن يكون من قام بالاحتجاز أولا مقرب من شخصية سياسية في قوى «14 آذار»، وأن تكون ردة الفعل عليه في وادي خالد من مجموعات محسوبة على «14 آذار».
رابعا: النشاط المتصاعد لبعض المجموعات في أعمال تهريب السلاح من لبنان الى سوريا، سواء لدعم المعارضة السورية أو لتحقيق أرباح مالية ضخمة.
خامسا: المساعي الواضحة لدى البعض لتعميم ما يجري في طرابلس بين التبانة والقبة وجبل محسن والمنكوبين على القرى الحدودية المتداخلة مع بعضها البعض والتي تشبه في تنوعها المذهبي مناطق طرابلس.
سادسا: دور الجيش اللبناني والقوى الأمنية المتواجدة في المنطقة في التصدي لممارسات الاحتجاز المترافقة مع ظهور مسلح علني وإقامة حواجز للتدقيق في هويات المواطنين، وقد بقي هذا الدور قاصرا أمس عن وضع حد لما يجري.
ويمكن القول أن ما ستؤول إليه الأوضاع في عكار مرتبط ارتباطا وثيقا بما ستسفر عنه المساعي والاتصالات التي يجريها كثير من القيادات العكارية بهدف الافراج عن المحتجزين، وإعادة الأمور الى نصابها.
وإذا نجحت هذه المساعي، حينها يمكن أن يوضع ما حصل في خانة الاشكالات المالية التي تنتج عن عمليات تهريب السلاح والخلافات الشخصية بين المهربين والتي يعود للقوى الأمنية أن تضبطها.
أما إذا لم تنجح هذه المساعي وبلغت الاتصالات الطريق المسدود، واستمرت ردات الفعل من خلال عمليات الاحتجاز المتبادل للمواطنين، فان ذلك سيؤدي الى تداعيات خطيرة جدا، أبرزها استدراج الأزمة السورية بكاملها الى لبنان من بوابة عكار، وبالتالي العمل على استكمال مشروع ضرب الاستقرار الأمني انطلاقا من طرابلس وصولا الى عكار مترافقا مع اعتداءات تطال فئة محددة من المواطنين بما يؤدي الى الفرز المذهبي ويساعد بالتالي على إقامة المنطقة العازلة لدعم المعارضة السورية.
ويقول بعض المراقبين إن هذا السيناريو بات متداولا وما يحصل في طرابلس من خروقات أمنية واعتداءات على الممتلكات ومحاولة نقل الصورة طبق الأصل الى عكار هو أكبر دليل على ذلك.