أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الحوار الـ11: أخذ سليمان من 14 آذار ولم يُعطها

الثلاثاء 12 حزيران , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,443 زائر

الحوار الـ11: أخذ سليمان من 14 آذار ولم يُعطها

انتهى البيان الختامي لطاولة الحوار الوطني ـــ وقد أصرّ رئيس الجمهورية ميشال سليمان على وصفه بـ«إعلان بعبدا» ـــ إلى أفضل ما يمكن التوصّل إليه بإجماع الأقطاب المشاركين، وموافقتهم على مضمونه. لم يخلُ من تعديلات طفيفة، إلا أن الحاضرين سلّموا بالمسوّدة التي عكف سليمان على صوغها السبت والأحد الماضيين، وناقشها مع معاونيه، ثم أعاد مراجعتها مرة أخيرة عشية انعقاد الجلسة الحادية عشرة.

ومع أن ردود فعل متناقضة أعقبت البيان الختامي، معظمها من أفرقاء قريبين من قوى 14 آذار، لم تجده في مقدار الحدّ الأدنى الذي توقعته، وتجاهله خصوصاً الكلام عن سلاح حزب الله، البند الوحيد الذي ناطته تسوية الدوحة بطاولة الحوار، ولا تناول كذلك القرارات السابقة للحوار، ولا السلاح الفلسطيني في المخيّمات وخارجها، إلا أن «إعلان بعبدا» أفضى إلى بضع ملاحظات:
أُولاها، أن رئيس الجمهورية استمد مسوَّدة البيان الختامي من حصيلة الاجتماعات الثنائية التي كان قد عقدها في الأسابيع الأخيرة مع أقطاب الحوار فرادى، وأصغى إلى هواجسهم ومخاوفهم، وخصوصاً بعد التسيّب الأمني في الشمال والبقاع، والخشية الجدّية من انتقال عدوى الأزمة السورية إلى حرب أهلية بين اللبنانيين. تمحورت اللقاءات الثنائية تلك على مسألتين أثارهما الرئيس مع زوّاره: هل تريدون لبنان ساحة؟ وهل توافقون على مهمة رادعة للجيش؟ كانت الإجابات، وأخصّها من الرئيس فؤاد السنيورة، إيجابية. فأوردها في متن المسودة.
ثانيتها، لم يرَ سليمان في أول جلسة لطاولة الحوار منذ 4 تشرين الثاني 2010 البدء حيث انتهت الجلسة العاشرة في 17 حزيران 2010، أي الاستراتيجيا الدفاعية الوطنية. منذ ذلك الوقت طرأت تطورات بالغة الأهمية والدقة في لبنان والمنطقة قلبت توازناتهما الداخلية والإقليمية، وأخصّها ما يجري في سوريا، وسبّبت انقساماً لبنانياً حاداً اختلط فيه السياسي بالأمني. الأمر الذي حمل سليمان ـــ وهو ما لمّح إليه في مداخلة استغرقت 35 دقيقة في مستهل الجلسة ـــ على تناول ثوابت وطنية تعرّضت لخلل خطير منذ أكثر من سنة ونصف سنة. قاده ذلك إلى قصر جلسة البارحة على تأكيد الثوابت تلك بإجماع أقطاب الحوار، كمدخل طبيعي وحتمي إلى استعادة وتيرة مناقشات الطاولة حتى الجلسة العاشرة، وخصوصاً ما يتصل بسلاح حزب الله الذي يدرجه الرئيس في نطاق الاستراتيجيا الدفاعية الوطنية، كي يميّزه عن تفشّي سلاح المدن والسلاح الفلسطيني، بينما تجهد قوى 14 آذار في مطابقة هذا السلاح بذاك وذلك.
ثالثتها، أن مسودة البيان الختامي نوقشت بنداً بنداً، وأُدخلت تعديلات طفيفة عليها، إلا أن الحاضرين أجمعوا على القبول بها في إشارة إلى التزامهم سقف الرئاسة، والتعامل الإيجابي مع خياراتها في مواجهة المشكلات الداخلية الحالية، متأثرة بما يجري في سوريا. كان الأكثر مدعاة للانتباه في هذا الجانب، تسليم المعارضة بأمر واقع يناقض حملاتها الأخيرة، هو استمرار الحكومة الحالية والجلوس مع رئيسها والقوى التي تتألف منها إلى طاولة واحدة، وتجاوز المطالبة بإسقاطها.
رابعتها، أن قوى 14 آذار خرجت من جلسة أمس وقد وافقت على رفض المنطقة العازلة شمالاً، ورفض تهريب السلاح والمسلحين واتخاذ لبنان مقراً ضد سوريا، وعلى دعم دور الجيش في كل المناطق اللبنانية، بما فيها الشمال، بوصفه قوة ردع لا فريقاً متفرّجاً. تغاضت كذلك عن ذكر سلاح حزب الله، وتجاهل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الأمر الذي عُدّ تنازلات سياسية مبكرة غير مقترنة بمكاسب موازية في أهميتها. بل الواقع أن وجود السنيورة على رأس المعارضة إلى الطاولة قلّل مغزى غياب الرئيس سعد الحريري، وحمّل هذا الفريق وزر الموافقة على البيان الختامي. لم يلمس أحد في المقابل أثراً لغياب رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع عن الطاولة.
سوى ذلك حصلت على إجماع بالتزام اتفاق الطائف وتطبيق ما بقي من بنوده. ورغم مداخلة اتسمت ببعض الحدّة من دون استفزاز للسنيورة بعد استراحة الجولة الأولى من المناقشات، أسهب فيها في انتقاد حكومة ميقاتي وسلاح حزب الله، ارتأى المجتمعون في نهاية المطاف الموافقة على مسودة رئيس الجمهورية الذي لفته ودّ الرئيس ميشال عون حياله. إلا أن الاتفاق على جلسة أخرى في 25 من هذا الشهر من دون اقترانه بتحفظات، وحصره بجدول الأعمال بدءاً من بند الاستراتيجيا الدفاعية الوطنية، أظهر ـــ خلافاً لكثير من مواقف الأيام الأخيرة ـــ تعلّق أقطاب الحوار ببعث الروح في الطاولة. تجنّب طرفاها المقايضة، وتيقنا من أن الفتنة والتسيّب الأمني يستهدفهما معاً.
عكست هذا المؤشر مداخلة الرئيس متحدّثاً عن غطاء عربي لمبادرته، وكذلك الإشارات التي تبلغها من السعودية عن ضرورة تحريك الحوار الوطني. لم يقتصر الأمر على رسالة الملك عبد الله إلى الرئيس اللبناني الشهر الماضي، داعياً إلى الحوار ومشيداً بسياسة الحكومة النأي بالنفس عن أحداث المنطقة وأخصّها سوريا، بل كذلك اللقاء الذي جمع الرئيس في الأول من حزيران في جدّة بوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والرئيس سعد الحريري إلى غداء تكريمي له بعد مقابلته الملك. في اللقاء لم يتردّد الفيصل، الذي ينادي بحدّة مغالية بتسليح المعارضة السورية وإقامة منطقة عازلة وإسقاط نظام الرئيس بشّار الأسد، في الحضّ على انعقاد الحوار وتجنيب لبنان التأثر بما يجري في سوريا. ورغم تباين الرأي بينه وبين سليمان حيال الموقف من توقيت الحوار ومصير حكومة ميقاتي، قال الحريري كلاماً مماثلاً. كلاهما كانا صدى ما سمعه رئيس الجمهورية قبل وقت قصير من العاهل السعودي.
خامستها، أهمية الموقف الذي أورده البيان الختامي، وهو إرسال نسخة من «إعلان بعبدا» إلى الأمم المتحدة والجامعة العربية كوثيقة ثوابت لبنانية أجمع الأقطاب عليها. صاغ رئيس الجمهورية هذا البند عندما أعدّ مسودة البيان نهاية الأسبوع وناقشه مجدّداً مع معاونيه، وخلص إلى التمسّك به بغية وضع وثيقة رسمية يطبعها الإجماع بين يدي الأمم المتحدة والجامعة العربية.
وما خلا تحفظاً عابراً للنائب سليمان فرنجية حيال إرسالهما إلى هاتين المرجعيتين، ما لبث أن تخلى عنه، أبرز الإجماع على هذه الخطوة التمسّك باتفاق الطائف كتسوية وطنية يسلم بها اللبنانيون ولا يرتضون سواها، وسجلت موقفاً لبنانياً لم يسبق أن اتخذته حكومة ميقاتي إلا جزئياً عبر سياسة النأي بالنفس ترجمة لما ذكره البيان الختامي عن الحياد، وهو مطلب دائم للرئيس أمين الجميّل. لكنه أضاف إليه رفض لبنان المنطقة العازلة على حدوده مع سوريا وتهريب السلاح والمسلحين. وهي المرة الأولى التي تسلّم فيها قوى 14 آذار بموقف كهذا بعدما أوحت بمواقف معاكسة ليس أقلها دعم المعارضة السورية.


Script executed in 0.19643211364746