وفي موازاة احتقان الشارع، علمت «السفير» أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أجرى خلال الايام الماضية، مشاورات بعيدة عن الأضواء مع بعض أقطاب طاولة الحوار، ومن بينهم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، بهدف التحضير لجلسة الحوار، الإثنين المقبل، والتي ستباشر البحث في بند الاستراتيجية الدفاعية، من دون استبعاد إمكانية التطرق في بدايتها الى الوضع العام السائد في البلد، على خلفية التطورات الأمنية الأخيرة، لكن من غير أن يعني ذلك إدخال أي تعديل على جدول الأعمال.
غصن: لست مطمئنا
إلى ذلك، انخفض منسوب التوتر في مخيمي نهر البارد وعين الحلوة ، أمس، على وقع الاتصالات المستمرة بين الجيش والفصائل الفلسطينية، لسد الثغرات في العلاقة الثنائية وإعادة ترسيم حدودها، بما يريح أبناء المخيمات ويصون حقوقهم الإنسانية من جهة، ويحفظ هيبة الجيش ودوره في صون الاستقرار من جهة أخرى.
وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع فايز غصن لـ«السفير» إن القيادات الفلسطينية أبدت، خلال الاتصالات التي أجريت معها، التزامها بالتهدئة، ورفضها جر المخيمات الى أي مشكلة مع الجيش، لكنه أوضح في الوقت ذاته أنه ما يزال غير مطمئن، لأن دخول المتضررين على الخط يبقى وارداً، الأمر الذي يتطلب أعلى درجات اليقظة والحذر.
وشدد على أن الجيش «يمارس سياسة ضبط النفس، ولكن ضمن حدود، لأنه من غير المقبول التعرض له او استهداف هيبته، وهذا أمر محسوم، ولا يحتمل النقاش».
وأشار إلى أن البلد يعيش منذ فترة في حالة غير طبيعية، ومفتوحة على كل الاحتمالات، آملا أن يحترم الجميع الجيش ويمتنعوا عن المساس به، لأنه يحفظ أمن الوطن كله والمواطنين باختلاف انتماءاتهم، من دون أي تفرقة أو تمييز.
تداعيات العتمة
على صعيد آخر، تواصلت الاحتجاجات الشعبية على التقنين الموجع في التيار
الكهربائي، حيث استمر قطع الطرق بالإطارات المشتعلة في مختلف المناطق، بانتظار أن تفي مؤسسة الكهرباء بوعدها زيادة معدلات التغذية تدريجيا خلال الأيام المقبلة، بعد الانتهاء من عملية الصيانة وتصليح الأعطال في العديد من معامل الإنتاج، مع الإشارة إلى أن التحسن المنتظر لا يعني سوى العودة إلى نظام التقنين السابق، بحيث يُنتظر أن يرتفع معدل التغذية من تحت الصفر إلى ما فوقه بقليل.
ولعل عمق المأزق الراهن يتضح بكل حدته من خلال قياس الفارق الكبير بين القدرة الإنتاجية لمعامل مؤسسة الكهرباء، والحاجة الاستهلاكية للمشتركين البالغ عددهم حوالي مليون و300 ألف مشترك بين منزل ومؤسسة، إذ تصل حاجة الاستهلاك من الطاقة في الأيام العادية الى حوالي 2650 ميغاوات، لا سيما خلال أيام الذروة، بينما تنتج المعامل حاليا حوالي 1200 ميغاوات، وهذا هو سبب التقنين القاسي والشامل لكل لبنان.
جنبلاط يهاجم «التيار»
ويبدو أن شظايا «القنبلة الكهربائية» قد أصابت جسم مجلس الوزراء، إذ قال النائب وليد جنبلاط لـ«السفير» إن هناك جهة سياسية في الحكومة تعطل الكهرباء، هي «التيار الوطني الحر» الذي لا يريد الاستفادة من الصناديق العربية، ولا يريد إعطاء دور للقطاع الخاص، وبالتالي فإنه يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الواقع المزري الذي وصلت إليه الكهرباء، وأضاف: كفى تمويها وعبثا، وليتحمل صهر التيار الـ«داماد» مسؤوليته. («داماد» كلمة تركية تعني صهر السلطان)
في المقابل، قالت مصادر واسعة الاطلاع في «الأكثرية» لـ«السفير» إن بعض ما يجري في الشارع بشأن الكهرباء يدعو الى الارتياب، لا سيما بعد ورود معلومات حول دخول أجهزة معينة على خط اللعب بنار الإطارات المشتعلة، معتبرة أن مشهد إحراق الإطارات هذه الأيام، يشبه إلى حد كبير ما حصل عشية إسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي في مطلع التسعينيات.
وإذ تشير المصادر إلى أن بعض التحركات يعبر فعلا عن سخط الناس بعدما بلغ الانقطاع المتمادي في الكهرباء حدا لا يحتمل، لفتت الانتباه إلى أن هناك من ركب هذه الموجة الشعبية لتحقيق أهداف سياسية، وفي طليعتها السعي إلى تغيير المعادلة الداخلية، واضعة ما يحدث حاليا في إطار «الحرب الناعمة» ضد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في ظل توزيع مدروس للأدوار بين من يحاول إسقاط الحكومة في الهواء الطلق، وبين من يدفع في هذا الاتجاه على طاولة الحوار.
وشددت المصادر على أن المطلوب من الحكومة، في المقابل، المسارعة الى احتواء أزمة الكهرباء واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من وطأتها، إلى جانب مواصلة ترجمة الاتفاق الأخير على تفعيل إنتاجية الحكومة.
على الضفة الأخرى، وبينما دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الوزير جبران باسيل الى تقديم استقالته إذا كان عاجزاً عن معالجة ملف الكهرباء، حمّلت «كتلة المستقبل» النيابية وزراء «التيار الوطني الحر» المتعاقبين، بالدرجة الاولى، مسؤولية تفاقم انقطاع التيار الكهربائي، متهمة باسيل بالانصراف إلى الأعمال الانتقامية والكيدية وترتيب صفقات مشبوهة.