للمطلوبين بموجب مذكرات توقيف "عميد" كسر الرقم القياسي في لبنان بصدور 2550 مذكرة بحقه، بعضها للاشتباه فيه بسرقة سيارات وبعضها الآخر لاتهامه بتجارة المخدرات.
وقع عميد المطلوبين في شرك القوى الأمنية أخيراً بعد استدراجه للقبض عليه. لكنّ يبقى أمام القوى الأمنية العشرات ممن صدرت بحقهم مئات مذكرات التوقيف لا بل أكثر من ألف مذكرة، ممن نجوا ومازالوا ينجون من قبضة "الدولة".
في الآونة الأخيرة أثارت أرقام المذكرات التي كان يرفقها الإعلام باسم الموقوفين في الأحداث الأمنية الأخيرة، شيئاً من الضحك وشيء من البكاء لدى المواطنين. فمن المضحك أن يراكم مواطن 150 مذكرة توقيف على سبيل المثال، ومن المبكي ألا يقع في قبضة "الدولة" طوال فترة مراكمتها. وإذا ما سئل المواطنون عن السبب الأول والأساسي لعدم توقيف مطلوب بمئات أو حتى بأكثر من ألف مذكرة، ظنّوا أن القوى الأمنية تغضّ الطرف عنهم برشوة، وإذا صدقت نياتهم يعتبرون أن عناصر الدرك غير كفوئين للبحث والتحري عن المطلوبين. لكن لمذكرات التوقيف في لبنان قصّة يستهلها رئيس مكتب التحريات في قوى الأمن الداخلي المقدّم كابي يمّين بالتعريف القانوني لها، فيشير إلى أنه فور التقدّم بشكوى ضدّ أي مواطن يصدر بحقّه النائب العام أو مساعديه من المدعين العامين ما يسمى "بلاغ بحث وتحرٍ" مدته عشرة أيام، قابلة للتجديد عشرين يوماً. ما أن تسقط مهلتها يحوّل الملف إلى قاضي التحقيق أو الهيئة الاتهامية فتُصدر ما يعرف بمذكرة توقيف، لا تسقط إلا في حال تم توقيف المتهم أو التراجع عن الدعوى. ما يعني أنّ مذكرة التوقيف لا تتقيّد بمهل زمنية. ويلفت يمين إلى أن بلاغ البحث والتحري يرسل إلى المخافر أو المراكز التي يحق لها توقيف المتهم، كما يعمّم عبر الأمن العام على جميع المرافق الجوية والبحرية والبرّية الحدودية. بينما تصدر مذكرة التوقيف بست نسخ ترسل إلى مكتب التحريات، ومراكز التوقيف، والأمن العام، وباب المحكمة وملف المتهم. وتقوم الضابطة العدلية لمدة ثلاثة أشهر بالبحث عنه لتتوقف بعد هذه المهلة، من دون أن تسقط مذكرة التوقيف الغيابية.
قبل السادسة مساءً
يحوي اليوم مكتب التحريات التابع لقوى الأمن الداخلي نحو 150 ألف مذكرة من بلاغ بحث وتحرٍّ، ومذكرات توقيف، وخلاصات حكم، وقرارات سجن، وفق يمّين. إلا أن ذلك لا يعني، كما يوضح، أن هناك 150 ألف مطلوب في لبنان، "لأنه كما الحال مع المطلوب بـ2550 مذكرة توقيف هناك من هو مطلوب بأكثر من مذكرة أو أكثر من بلاغ أو صادر بحقه أكثر من خلاصة حكم وقرار سجن. وتراوح جميعها بين الغرامة المالية والجرائم الشائنة". وهو يفصح أن هناك بين 30 و40 مواطناً فاقت مذكرات التوقيف بحقهم المئة.
وبموجب مذكرات التوقيف تبحث الضابطة العدلية عن المتهم في محيط إقامته وعمله وتسأل عنه في منزله قبل السادسة مساء، وفق القانون. ويوضح يمين أن القوى الأمنية يمكنها استخدام السلاح في عملية التوقيف، في حال لم يمتثل المتهم للإشارات السمعية والضوئية التي تطلقها العناصر.
ويروي يمين أن مذكرات التوقيف تتراكم على شخص معين، من دون أن يكون مرتكباً للجرم. ويشرح: "غالباً ما نواجه هذا الموقف مع الموقوفين بتهمة تعاطي المخدرات، فهم للتستر عن التاجر الذي مدّهم بها يفيدون بأنهم اشتروها من تاجر آخر، يكون معروفاً، فتسجل بحقه مذكرة توقيف. ومن هنا يفوق عددها الألف بحق البعض".
ويختم بأن عناصر التحري والقوى الأمنية المسؤولة عن القبض على متهم، يحيكون السيناريوهات للإيقاع به، فتارة يتحوّلون إلى "مدمني مخدرات"، وتارة أخرى إلى صحافيين، ومرات إلى عمّال في مصنع. لكنّه يشدّد على أن الضابطة العدلية لا يمكنها أن تتحرّك لتوقيف متهم إلا بقرار قضائي صادر عن المحكمة المختصة.
تحرّ على التحري
يرفض وسام، وهو اسم مستعار، أن يدلي برأيه وجهاً لوجه في شأن مذكرات التوقيف، فقد صدر بحقه منها نحو 170. يتّصل من رقم مخفي ويستهلّ الكلام بتبرير بديهي: "ما في دولة تعطينا حقنا فنأخذه بوسائلنا"، ثم يقول ضاحكاً: "أنا ابن بيروت، لا أقبل أن يتفوق عليّ أبناء البقاع بتسجيل الرقم القياسي، خصوصاً أن الفرص متاحة أمامي في العاصمة لمزيد من اللوفكات. سأعمل لتجميع ألف مذكرة وأحيي الزميل في المجال نوح زعيتر، فهو مثالي الأعلى".
يفصح وسام أنه بعد صدور أول مذكرة توقيف بحقه قبل نحو العشر سنوات لجأ إلى أحد السياسيين للتدخل مع القيمين على الملف لعدم توقيفي، خصوصاً أن الجرم كان تجارة مخدرات. ويضيف هازئاً "لا أدري إن كانت تلك الواسطة ما زالت سارية المفعول، لكنني بت أعرف جيّداً كيف أتفلت من القوى الأمنية فأمكث لدى صديقي لأيام، وأبدّل عملي باستمرار ثم حيّنا الفقير يسمح أن أختبئ بكل سهولة كلما زارتنا الدورية". يقف وسام عند هذا الحد من خططه للتفلت من القوى الأمنية، وهو يضحك حين يُسأل إن لم يكن لديه وسائل أخرى ليبقى حرّاً طليقاً، ثم يستدرك: "قد ألجأ إلى تغيير ملامحي إذا اضطر الأمر، كما الرفيق كارلوس".
يوضح أحد عناصر القوى الأمنية الذي رفض ذكر اسمه أن الأمن في لبنان يسير بالتراضي "لأن الضابطة العدلية لا بدّ وأن تأتي بالمتهم أينما اختبأ فور تكليفها من قبل القضاء بالقبض عليه. لكن هناك قرارات قضائية وسياسية تسير عكس القوانين فتغض النظر حتى عن أكبر المتهمين. والبرهان أنه حتى الإعدام في لبنان ينفّذ على قاعدة 6 و6 مكررّ".