أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ثورة مصر تحقق إنجازاً جديداً: مرسي رئيساً منتخباً

الإثنين 25 حزيران , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,285 زائر

ثورة مصر تحقق إنجازاً جديداً: مرسي رئيساً منتخباً

ولعلّ الوجه الديموقراطي المضيء في هذه الانتخابات قد تبدّى في مجموعة من الظواهر التي تكاد تجعل الانتخابات المصرية تقترب من ذلك النمط الذي تتميز به الانتخابات في الديموقراطيات الغربية، ومن بينها أنه لم يكن متاحاً للمصريين أن يعلموا بهوية رئيسهم الجديد سوى في اللحظة التي نطق بها رئيس اللجنة العليا للانتخابات بالنتيجة النهائية، والتي أتت متقاربة جداً، بحيث ظلت ضمن مستوى 3.5 في المئة بين المرشح «الإخواني» الفائز محمد مرسي، ومنافسه آخر رئيس وزراء في عهد مبارك الفريق أحمد شفيق. 

والأهم في هذا المشهد الديموقراطي أن المرشح الخاسر، قد سارع بدوره إلى الاعتراف بانتصار غريمه، لا بل تقدم منه بالتهنئة، فيما كان مناصروه يكبتون مشاعر الغضب والحزن التي تبدّت على وجوههم لحظة إعلان النتيجة، وقد ساعد على ذلك أن مناصري «الإخوان» قد احتفلوا بانتصارهم من دون استفزاز الفريق الآخر، لتتلاشى بذلك المخاوف من انفلات أمني ظل كابوساً يؤرق المصريين طوال الأيام الأخيرة. 

أما من حيث النتائج، فإن الانتخابات المصرية ترتدي طابعاً تاريخياً أيضاً، بعدما أتت إلى قصر العروبة بمرشح لا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، في سابقة لم يعرفها تاريخ الجمهورية المصرية، والأهم أن الرئيس الجديد قد أتى من جماعة ظلت محظورة طوال العهود الماضية، قبل أن تتحول إلى جماعة محظوظة تحت شمس ثورة الخامس والعشرين من يناير. 

إعلان النتيجة 

كثيرة هي المرّات التي تحلق فيها المصريون حول شاشات التلفزيون لمتابعة أحداث مصيرية شهدتها مصر منذ انطلاق «ثورة 25 يناير»، لكن تحلقهم يوم أمس حول الشاشات انتظاراً لنتيجة جولة الإعادة الحاسمة لانتخابات الرئاسة كان الأكثر توتراً وقلقاً. 

كثر عاشوا لحظات ترقب وانتظار، وكثر تسمّروا أمام شاشات التلفزيون للتأكد مما لديهم من معلومات بفوز أحد المرشحين. وبات المصريون ليلة إعلان نتيجة الانتخابات والقلق يعتصرهم، خاصة بعد تسرب الكثير من معلومات حول نجاح شفيق، وقد صاحب ذلك انتشار الجيش والشرطة على طول البلاد وعرضها، فيما كانت الماكينة الإعلامية كلها تحذر من خطر يحيق بالبلاد. 

وفسر جمال عيد، الناشط الحقوقي مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في حديث إلى «السفير»، حالة الاحتقان والقلق التي عاشها المصريون ليلة إعلان النتيجة بأنها «جزء من استمرار اللعبة الاستخبارية، فقد أطلقوا ماكينات الشائعات بشكل مقصود للتلاعب بمحمد مرسي والحصول على أكبر قدر من التنازلات»، مؤكداً علم الجميع بفوز «مرسي»، هم يعلمون بأنه الفائز ولكن استخدموا هذه الحيل لإرباك الإخوان والشعب معهم للحصول على مكاسب». 

ودقت الساعة الثالثة من عصر يوم أمس بتوقيت القاهرة، ليحبس المصريون أنفاسهم، ويترقبوا ظهور رئيس اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة المستشار فاروق سلطان. وأتى تأخر المؤتمر لأكثر من أربعين دقيقة، ليزيد من حيرة المصريين وقلقهم. 

وعند الثالثة والأربعين دقيقة خرج سلطان، ليتلو مقدمة مطوّلة، ذكّرت المصريين بمقدمة رئيس محكمة جنايات القاهرة المستشار أحمد رفعت وقت محاكمة حسني مبارك. وبعـد أكثر من ثلثـي الساعة من تـلاوة بيانه، أعلن سلطان فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، ليجنب مصر وأهلها دماء كانت متوقعة حال فوز الفريق أحمد شفيق، وصداماً كان وشيكاً بين شعب مصر وجيشها، ولتنطلق بعدها أفراح المصريين، ليس فرحاً بفوز مرسي، بل فرحاً بمصر وخسارة نظام مبارك للأبد ممثلا في الفريق شفيق. 

وأعلن سلطان أن مرسي فاز بنسبة 51,73%. وأوضح أن إجمالي عدد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية 50,958,794 ناخباً، وأن إجمالي عدد الناخبين الذي حضروا: 26,420,763، ما يعني أن نسبة المشاركة بلغت 51,85 في المئة. وأضاف أن إجمالي عدد الأصوات الصحيحة بلغ 25,577,511 صوتاً، فيم بلغ إجمالي عدد الأصوات الباطلة 843,252 صوتاً. وأشار إلى حصول مرسي على 13,280,131 صوتاً في مقابل 12,347,380 صوتاً لشفيق. 

مرسي رئيساً 

وما كاد سلطان يعلن النتيجة حتى تعالت الصيحات داخل مقر الهيئة العامة للاستعلامات، حيث عقد المؤتمر الصحافي للجنة الانتخابية. وبدت الأجواء داخل القاعة صورة مصغرة عن الاحتفالات الصاخبة التي شهدها ميدان التحرير وشوارع العديد من المدن المصرية. 

وسارع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي ورئيس الحكومة كمال الجنزوري وشيخ الأزهر أحمد الطيب ومفتي الديار المصرية علي جمعة وقائمقام الكنيسة القبطية الارثوذكسية الأنبا باخوميوس إلى تهنئة مرسي. 

وأعلنت «الإخوان المسلمين» في بيان مقتضب نشر على صفحتها في موقع «تويتر» أن مرسي استقال من كافة مهامه سواء في الجماعة أو في «حزب الحرية والعدالة» الذي يترأسه. 

ومساءً، توجه الفريق أحمد شفيق بالتهنئة لمنافسه، لتنتهي بذلك العملية الانتخابية بسلام. 

وفي خطاب بثه التلفزيون المصري، من أحد استوديوهاته في منطقة المقطم، تعهد الرئيس المنتخب محمد مرسي بأن يكون «رئيساً لكل المصريين ووصف فوزه بأنه «لحظة تاريخية». 

وتعهد مرسي بتحقيق أهداف كل من شاركوا في الثورة، مؤكداً أن «الثورة مستمرة حتى تتحقق كل أهدافها»، وأن «مصر الوطن ومصر الشعب في حاجة الآن إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة حتى يجني هذا الشعب العظيم ثمار تضحياته» المتمثلة في «الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهي الشعارات الأساسية للثورة والتي لا تزال حناجر المصريين تعلنها قوية في كل منابر الثورة». 

ودعا مرسي الشعب المصري إلى تعزيز الوحدة الوطنية للخروج من المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. وقال «إنني في هذه اللحظة التاريخية أدعو الشعب المصري العظيم إلى تقوية وحدتنا الوطنية وتمتين الأواصر بيننا وتقوية وحدتنا الوطنية الشاملة». 

وبرغم الحديث عن الثورة وأهدافها، فإن خطاب مرسي، الذي اكثر فيه الرئيس المنتخب استحضار الآيات القرآنية وخطب الخلفاء الراشدين، قد أتى ناقصاً لجهة طمأنة المصريين القلقين إزاء تولي «الإخوان» هذا المنصب الحساس في الجمهورية المصرية، فقد خلا، ولو تلميحاً، إلى نقاط جوهرية، من بينها السياسة التي سينتهجها الرئيس المنتخب لإقامة شراكة فعلية بين مكوّنات المجتمع، والطريق الذي سيسلكه لحل الإشكاليات الدستورية القائمة في البلاد. كما أنه لم يتطرق إلى هواجس المصريين في الأمن والاقتصاد سوى عرضاً. 

في المقابل، فقد سعى مرسي إلى طمأنة الجيش بأن قال إنه لن يسعى للقصاص من أحد سواء أكان في الجيش أو الشرطة أو أي مصري كان. 

أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وفي ما بدا تطميناً لإسرائيل والغرب، قال مرسي إن مصر تحت قيادته ستحافظ على كافة المعاهدات والمواثيق الدولية وعلى الالتزامات والاتفاقيات، وعلى منظومة القيم المصرية والإنسانية، وعلى حقوق المرأة والطفل. 

لكنه أكد على «أننا لن نسمح بالتدخل بالشأن الداخلي لأي دولة، كما لن نسمح بالتدخل بشؤوننا، وليعلم الجميع أن قرار مصر سيكون من داخلها، وبإرادة أبنائها». 

مبادرات سياسية 

ومع فوز مرسي بمنصب رئيس الجمهورية، تبدو الساحة السياسية في مصر مقبلة على تحديات جديدة، لعل أبرزها طريقة تعامل الرئيس المنتخب مع باقي القوى السياسية، وشكل العلاقة بينه وبين المجلس العسكري الذي استعاد، بعد حل مجلس الشعب، وبموجب الإعلان الدستوري المكمّل، سلطة التشريع، كما منح نفسه صلاحيات سياسية واسعة منافسة لصلاحيات الرئيس. 

وستكون المهمة الأشد دقة أمام الرئيس الجديد طمأنة باقي القوى السياسية والمجتمعية، وبشكل خاص الأقباط، وفي هذا الإطار يتم الحديث عن مبادرات عدة في هذا الإطار. 

وقال رئيس «حزب الوسط» الإسلامي المعتدل أبو العلا ماضي، الذي سبق أن طرح مبادرة للتوافق بين «الإخوان» والمجلس العسكري والقوى السياسية الأخرى، في حديث إلى «السفير»، إن «ثمة خطراً شديداً كان ينتظر مصر لو فاز شفيق، وما أراه من فرحة هي لسقوط شفيق أكثر منه لفوز مرسي»، معتبراً أن النتيجة «جنبت دماء جديدة» وأن «الثورة أصبح عندها أمل أن تستكمل أهدافها». 

وأعرب أبو العلا ماضي عن أمله في ألا يحدث صراع بين مرسي والمجلس العسكري، مشدداً على «أننا سنسعى وآخرين لتجنب هذا الصراع». 

وأعرب ماضي عن قناعته في أن مرسي سيفي بما وعد به خلال حملته الانتخابية. وأضاف «اجتمعت أنا والدكتور مرسي و(المرشحين الرئاسيين) حمدين صباحي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وكانت إجاباته واضحة بأنه سيكون رئيساً لكل المصريين». 

بدوره، قال الناشط الحقوقي البارز نجاد البرعي، في حديث إلى «السفير» إنه «من السابق لأوانه أن نحكم على الدكتور مرسي»، مضيفاً «نحن أمام حقيقة واحدة أننا أمام رئيس منتخب». 

وأضاف أن «هناك مواجهة مرتقبة لا محالة بين الإخوان والعسكر، فقد يقرر مرسي فجأة أن يجتمع مع البرلمان ويقسم اليمين أمامه، ووقتها لا نعلم ماذا سيكون رد العسكر». 

وقالت عضو مجلس الشعب المنحل مارغريت عازر لـ«السفير»، «لا نريد تعميق فقدان الثقة، ولا نريد أن نزيد من حالة الارتباك، ولن نفترض سوء النية من البداية، وننتظر أن يفي الدكتور مرسي بما وعد به وقت الانتخابات»، رافضة في الوقت ذاته الدعوات لإلغاء الإعلان الدستوري وقرار حل البرلمان. وأوضحت «نحن دولة قانون، والثورة قامت من أجل إعلاء القانون، فلا بد من احترامه وتعميقه لدى الناس». 

بدوره، أكد مدير الحملة الانتخابية لمرسي، ياسر علي أن «الاعتصام مستمر حتى تنفذ طلبات الميدان... وسوف نناقش مع جميع القوى السياسية كل القرارات التي صدرت منذ 14 حزيران، من حكم المحكمة الدستورية والإعلان الدستوري والضبطية القضائية. 

من جهته، قال مدير مركز الدراسات المستقبلية والاستراتيجية لـ«السفير»: «لطالما نفى المجلس العسكري أن يكون له مرشح، وها هو يفي بما وعد، وآن للناس أن تصدقه، ولا تلتفت للشائعات بأن الضغط هو من أجبر العسكر على ذلك». ورأى سليمان أن الفترة المقبلة ستشهد «تفاهمات بين الرئيس المنتخب والمجلس العسكري لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية»، معرباً في الوقت ذاته عن سعادته بفوز مرشح الإخوان. 


Script executed in 0.20368790626526