ينظر رئيس «التقدمي» الى المشهد اللبناني، فيرى الناس عالقين في «سيرك»، ولذلك صار مفروضا عليهم أن يشاهدوا عروضا سخيفة في التهريج والألعاب البهلوانية، وان يصفقوا ويهللوا لمن يطربهم التصفيق والتهليل، فيما البساط يُسحب، أو هو سُحب من تحت أرجلهم من قبل «عباقرة الخفة والمزاجيّة والاستعلاء».. ماذا بعد، يسأل جنبلاط، ويجيب «لم يعد جائزا الاختباء خلف الاصبع، فقد دخلنا فعلا في الازمة الكبرى، أو بالاحرى المتاهة الكبرى وهيهات هيهات ان نتلمس طريق الخروج منها».
كأن «التيار» قد صعق وليد جنبلاط، ولذلك أطلق «صرخته الكهربائية» لعل هناك من يسمع ويبادر الى وقف هذه الحالة العبثية التي تتحكم بواقع الكهرباء «فالناس يصرخون ولا أحد يستجيب، ولذلك كان طريقهم الأقرب هو النزول الى الشارع وإحراق الدواليب، فمن المسؤول هنا، أنا، أبدا، وزارة الكهرباء ليست عندي، بل عندهم .. كفى تعطيلا ومزايدات».
هذا الموقف الكهربائي الذي أطلقه جنبلاط في وجه وزير الطاقة جبران باسيل وتياره، معزول عن الوضع الحكومي. فقط «رسالة» أراد توجيهها لعل من يتلقفها يضع حدا لـ«اهتراء الكهرباء»، ولذلك يستخف جنبلاط من كل التفسيرات التي أسقطت على موقفه وبينها انه يدق عن سابق تصوّر وتصميم مسمارا في نعش الحكومة لإسقاطها، ويسارع للقول لـ«السفير»: «ما هذه الخفة، نحن مجبورون بهذه الحكومة، ومن قال ان أحدا يريد إسقاطها، لا بل من هو القادر على إسقاطها».
وليس «التيار» وحده الذي يكهرب مزاج جنبلاط في هذه الأيام، بل «المكابرات والمبالغات السياسية» التي تطلقها بعض «قوى 14 آذار» باتجاه الحكومة، وخاصة من قبل «ذاك القابع على التلـّة» (المقصود هنا سمير جعجع)، فهو كما فؤاد السنيورة و«زعيم الكاثوليكية العالمية» (ميشال فرعون) و«سائر عباقرة 14 آذار».. «يريدون إسقاط الحكومة، كيف سيسقطونها، وهل لديهم البديل، انهم يطالبون بإسقاط الحكومة وهم يعلمون ان إسقاط الحكومة ليس بالامر السهل».
و«برغم كل ما يقال ـ يتابع جنبلاط ـ لا تغيير حكوميا، والمسألة لا تحتاج سوى الى قليل من الفعالية والجهد، فلدينا رئيس حكومة ممتاز، فقط أعطوه «شويّة معنويات»، وليحل عنه ميشال عون».
لا جديد في العلاقة بين جنبلاط و«قوى 14 آذار»، وعندما يُسأل عن حال تلك القوى يجيب مع ابتسامة معبرة: «من هو رئيسهم اليوم»، ولا يتأخر في الإجابة «سمير جعجع هو قائدهم الفعلي». وأما بالنسبة الى مواقف البعض من هذا الفريق، فيقول مع ابتسامة عريضة: «كما انني مجبور أن أسمع ماذا يقول هؤلاء، مجبور أن أسمع ماذا يقول الآخرون».. ويقصد هنا البعض في قوى الاكثرية.
لا تطوّر يذكر في العلاقة مع سعد الحريري، يقول جنبلاط انه التقى الحريري مؤخرا في السعودية عندما كان يعزي بولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز «وسلمنا على بعضنا البعض». هذا في المناسبات الاجتماعية، لكن ماذا في السياسة؟ يجيب «عندما يأتي أهلا وسهلا فيه، لكنه ليس هو المسؤول عن أزمة الكهرباء، هم (الأكثرية الحالية) المسؤولون».
ليس للحوار بديل بالنسبة الى وليد جنبلاط، فلطالما نادى به، وكلما جلس الناس الى الطاولة أمكنهم الوصول الى قواسم مشتركة. يرفض رئيس «التقدمي» الدوران في الحلقة المفرغة «لأن أهمية الحوار، أي حوار، أن يكون منتجا، وهذا يعني أنه مع انعقاد الجولة الجديدة. هناك ضرورة للبدء بمقاربة الاساسيات، ولا سيما منها البند المتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات وهذا ما سبق أن تم الاتفاق عليه، وكذلك مقاربة السلاح الموجود داخل المدن.. لأنه يجب وضع حد لكل السلاح «الفلتان»، وكل يوم يمر يؤكد حجم الحاجة الكبرى لوقف هذا «الفلتان».. لأن هذا الوضع لا يحتمل».
عين وليد جنبلاط على الشمال، ودعوته الملحة حاليا هي التعجيل بإعلان نتائج التحقيق في مقتل الشيخين احمد عبد الواحد ومحمد حسين المرعب من بلدة البيرة العكارية، «لأن من شأن ذلك تبريد الأجواء ومعاقبة المخطئ، وفي كل الجيوش تحصل أخطاء، وليفعلوا كما فعل ميشال سليمان عندما كان قائدا للجيش على اثر أحداث مار مخايل». إلا ان ما حصل في المخيمات الفلسطينية زرع الخشية لدى جنبلاط من تفاقم الامور الى الأسوأ، ولعل ما يريبه هو الزيارة التي قام بها أحمد جبريل مؤخرا لبيروت، «فأحمد جبريل مثل شاكر العبسي، وما أخشاه أن يكون النظام السوري يحضر لإلهائنا بحرب مخيمات جديدة، بدل أن نذهب الى الحوار ونناقش الأساسيات».
يخطئ من يعتقد أن جنبلاط عدّل موقفه من النظام السوري، خاصة أن نبرته في الأسابيع الأخيرة شابها، كما اعتقد البعض، تراجع في حدتها، فالرجل حاسم ويقول: «أبدا، لم يحصل ان كانت لي قراءة هادئة للوضع في سوريا، وكلما عجلنا في إسقاطه كان أفضل لسوريا.. إنه يدمر سوريا، أو ما تبقى منها، إنه يدمرها جيشا ووحدة وحتى نسيجا اجتماعيا انظروا ماذا يفعل في حمص».
وعندما يقال لجنبلاط ان هناك قوى دولية تقف الى جانب الاسد مثل روسيا وغيرها، يسارع للقول: «معنى ذلك ان هذه القوى شريكة في الجريمة.. أنا لا أعتقد أن هناك إمكانية لحل سلمي في سوريا بوجود بشار، يجب إزالته ليس وحده بل هو وعائلته، هل ترك بيت الأسد أحدا؟ أبدا».
الكرة في ملعب الروس كما يعتقد جنبلاط، فأخيرا اقترحوا عقد مؤتمر دولي، ما يعني انهم يريدون أن يضعوا سوريا على المشرحة الدولية، ولكن إن لم يقتنع الروس بأن بشار أجرم بحق شعبه، وان وجوده دمار لسوريا ولا بد من إزالته، فإن الامور الى المزيد من التأزم والانفجار.
ولكن موقف جنبلاط هذا لا ينسجم مع سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة اللبنانية، يقول: «ننأى بأنفسنا، ولكن ليس معنى ذلك ان نسلم الناشطين السوريين لإعدامهم ثم موضوع تهريب السلاح من لبنان.. ليبيعونا إياها.. سلاح «الكلاشنيكوف» لا يقدم ولا يؤخر».
ليس للانتخابات النيابية مساحة في «أجندة» وليد جنبلاط المعلنة حاليا، ..»هناك أمور أهم منها. الحوار أهم، التلاقي أهم، وقف التشنجات أهم، والأهم من كل شيء، أعطونا كهرباء، هذا ما يريده الناس.. ثم في ظل هذه الأجواء السائدة والتوترات التي تحصل هنا وهناك، لا أريد أن أقول إن الانتخابات قد تحصل أو لا تحصل، ما زال مبكرا الحديث عنها ولكن في ظل هذه الاجواء ماذا تقدم الانتخابات وماذا تؤخر في ظل انعدام التوافق على ان يكون هناك دولة، لا بل على الحد الادنى من الدولة.. في هذا الجو، نائب بالناقص أو نائب بالزائد ماذا يقدم أو يؤخر.. لا شيء».