أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

قاطع الطرقات: تعدّدت الصور والدولاب واحد

الإثنين 25 حزيران , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,846 زائر

قاطع الطرقات: تعدّدت الصور والدولاب واحد

قيل، قبل 20 عاماً، إن «الدولاب» أسقط حكومة عمر كرامي الأولى. آنذاك، امتلأت الشوارع بالعمّال الغاضبين، بعد تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، وليس بين أيديهم سوى «سلاح» الإطارات المشتعلة. لا يزال حسين يذكر تلك المرحلة. كان عمره 18 عاماً. حادثة إحراق يده بـ«الكاوتشوك» المنصهر حفرت في ذاكرته بـ«الأسود». كبر الفتى وصار رجلاً، لكنه، حتى اليوم، لا يزال يجهل سبب وجوده بين جموع الغاضبين يومذاك. كل ما يعرفه أن جميع فتيان الحي كانوا فرحين بـ«كرنفال» النار. ليس مهماً السبب. لذلك، بات يرفض الآن، وقد أصبح أباً، السماح لابنه بالنزول إلى ساحات «الشحتار» تلك، ولو من أجل المشاهدة فقط.


اليوم ثمة حسين صغير، لا يمتّ إلى الأول بصلة، يشعل الإطارات عند طريق المطار. هناك قبالة محطة «الأيتام» تحديداً، عند مستوعبات «سوكلين» الخضراء. قرْبُ منزل ذويه من «ساحة النار» يحفّزه على النزول إلى الشارع، مع كل ليلة ظلماء، ليس فيها كهرباء، وليس مهماً ضوء القمر. هناك ستجد الكثير من «فتى الدواليب» هذا. هم، دائماً، الفئة الأكثر عدداً بين معشر «الحرّيقة». ستجدهم الأكثر حماسة في جمع الإطارات، من شارع إلى شارع، فيما يكتفي من هم أكبر سناً بإشعالها، إضافة إلى تصديهم للكاميرات الوافدة لتغطية «الحدث». أعطهم فرصة التجمهر فقط وخذ منهم ما يقطع الطرقات.

بلال، أحد المتحدثين إلى الكاميرات، ما زال يشعل «الدواليب» رغم سنواته الثلاثين. تجده أول من يواجه ضابط الجيش الآتي لفتح الطريق. لا داعي إلى الحديث عن ضابط قوى الأمن، لأنه لا يتقدم أصلاً، بل يقف بعيداً كمشاهد جيد أو «شاهد زور». يأخذ الشاب بشتم الدولة. يشتم الوزير والمسؤولين بالأسماء. أحياناً يصل به الأمر إلى شتم المسؤولين من طائفته. هكذا، يبدو أن لفعل «الشوب» وغياب الكهرباء فاعلية، أحياناً، في تخطي الطائفية. غالباً ما يخلع بلال الـ«تي شيرت» ويلفّها حول خصره. العرق يتصبب من وجهه بفعل اللهب والحركة. يمثل بلال نموذجاً عن صورة نمطية لأحد مشعلي الإطارات. يشتم «الأغنياء» المرفهين بنعيم المكيفات. نبرة صوته عالية دائماً، يصرخ أحياناً، حتى لو كانت سنتمترات قليلة تفصلك عن وجهه. قد يعترض طريق سيارة فارهة، أوصلها حظ سائقها السيّئ إلى تلك الساحة، فـ«يعطبها» ببضع ركلات وخدوش. لا تفسير لديه لهذا الفعل. كل ما يفهمه أنه عاد من عمله ليستريح في المنزل، فلم يجد «التيار» حاضراً، وبالتالي لا ماء بارداً ولا تلفاز... ولا شيء.

في ساحة الإطارات يصبح بلال، كل مرة، خليطاً من حقد طبقي ونقمة اجتماعية و«شوب». بوده لو كان بإمكانه قطع أوتوستراد المطار الجديد. أمنيته لو يصل إلى شركة الكهرباء ليحطم محتوياتها. حلمه الوصول إلى وزارة الطاقة ليفرغ فيها «طاقته». يدرك أن هذا محال. ففي ظل ضعفه، بانتمائه إلى شريحة «المسحوقين» في المجتمع، يعلم أنه لو تجرأ على تلك الأماكن، فسوف «يُداس». هناك اللعب مع الكبار، وبلال يعرف «أصول اللعبة».

ثمة صورة نمطية أخرى، لشبّان في عمر بلال، لكنهم ليسوا بمثل «وعيه الاجتماعي». هم من «العواطلية» غالباً. لا معنى للنوم باكراً طالما لا عمل يستدعي الاستيقاظ صباحاً. لا بأس بسهرة «حرق» وهرج ومرج، بعدما أصابت الرتابة سهراتهم مع «الأركيلة». يصادف أن بعض هؤلاء لديهم كهرباء من منازلهم، بوجود «نعمة» الاشتراك في المولد، لكن مع ذلك يفضلون مشاركة «الشبيبة» سهرة الغضب. يسهل ملاحظة «افتعال» حالة الغضب عند هؤلاء. تجدهم حريصين على «تلبية نداء» بيئتهم. سيكون منهم من يدفع المستوعبات المعدنية إلى وسط الطريق، مهدّداً متوعداً، وصارخاً بالحشود أن «يشعلوها» أكثر. لبعض هؤلاء ملامح تخيف المارة، وخاصة الآتين من أماكن بعيدة، تلك التي ألفت ربما تقنين التيار، لكنها لم تعرف بعد معنى غياب الكهرباء تماماً. يزيد من رهبة هذا النوع من «الغاضبين» كثرة الوشوم على سواعدهم. صاحب الجسد «المشطّب» هو الأكثر إخافة. أنت أمام شاب «يرسم» على جسده بالشفرة، فما بالك بما سيفعله بأجساد الآخرين إن صوّب غضبه نحوهم. من بين هؤلاء شلة «الحبحبجية». هنا حبّة المخدر تتكلم و«الشعب يتألم». تجد أحدهم يتأبط «دولابه» كسلاح رشاش، وآخر «يداعبه» بطريقة لا تخلو من فن، وثالث «يدحرجه» صوب ساحة النار لـ«يعدمه» حرقاً.

لابس «البيجاما» يبدو غريباً في تلك الساحة. مظهره وطريقه كلامه يوحيان بأنه «ابن بيت». لم يستطع النوم، فقرر النزول إلى الشارع، حيث «الشوب» أقل، ليجد نفسه بين مجموعات ما كان ليجتمع بها لو كانت المروحة «شغالة» في بيته. يأخذ زاوية ويبدأ بتوزيع نظراته على «الغاضبين». هو أحدهم، لكن ثمة «عقلانية» تمنعه من الاقتراب منهم أكثر. يقترب قليلاً، فقط، عندما يأتي المسؤول «الحزبي» ليطلب من الناس الكف عن قطع الطريق. هنا ينطلق لسانه بعبارات «واعية» ومفهومة، وغالباً ما يسأل «إلى متى؟».


Script executed in 0.19942593574524