اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أمس، في كلمته التوجيهية الاولى إلى الحكومة الجديدة، «أن سوريا تعيش حالة حرب حقيقية بكل جوانبها، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، وعندما نكون في حالة حرب فكل سياساتنا وكل توجهاتنا وكل القطاعات تكون موجهة من أجل الانتصار في هذه الحرب». وقال الأسد «نريد علاقات جيدة مع كل دول العالم لكن يجب ان نعرف اين هي مصالحنا الدائمة وليس المرحلية، وقد لاحظنا في المفاوضات أن الغرب يأخذ ولا يعطي واتخذنا قرارا بالتوجه شرقا، وهناك بدائل حقيقية مع هذه الدول ويجب ان نساعد القطاع الخاص ليتمكن من بناء علاقة حقيقية مع تلك الدول».
في المقابل، اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في خطوة تنذر بتصعيد التوتر مع دمشق، تغيير قواعد الاشتباك على الحدود السورية، بما يعني أن «أي عنصر عسكري سوري قد يشكل خطرا قرب الحدود سيعتبر هدفا» مشروعا للقوات التركية، وذلك ردا على اسقاط سوريا الطائرة الحربية التركية، وهو ما ادانه حلف شمالي الاطلسي.
اما سياسياً، فتوجهت الانظار إلى اجتماع «مجموعة الاتصال» الدولية حول سوريا الذي من المتوقع عقده السبت المقبل في جنيف. وبدت المؤشرات ايجابية في اتجاه التمكن من عقد المؤتمر بالرغم من معضلة المشاركة الايرانية، إذ أعلنت روسيا استعدادها للمشاركة في الاجتماع حتى إذا لم تشارك فيه طهران، بينما أشارت واشنطن إلى تزايد احتمالات مشاركتها في الاجتماع.
وتزامن ذلك، مع ابلاغ رئيس عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة هيرفيه لادسو مجلس الامن في جلسة مناقشة مغلقة امس ان «الظروف ليست مناسبة لاستئناف» عمل بعثة المراقبين الدوليين في سوريا.
تركيا
وقال اردوغان أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لـ«حزب الحرية والعدالة»، إن سوريا «أسقطت الطائرة التركية قصدا وعمدا، وليس نتيجة خطأ أو خلط». ووصف ذلك بأنه «استهداف عدائي»، و«هجوم جبان من قبل نظام الأسد» ضد تركيا. وشدد أردوغان على أن بلاده ستتابع هذه القضية وفق ما تقتضيه المواثيق الدولية. واعتبر أردوغان أن «النظام السوري أصبح خطرا على شعبه ذاته، وأن هذه الحادثة الأخيرة كشفت أن نظام الأسد صار خطرا مفتوحا وقريبا يتهدد تركيا كما يهدد شعبه».
وشدد اردوغان على أن «مرحلة جديدة قد بدأت بعد هذه الحادثة، وأن تركيا لن تتسامح بأي شكل من الأشكال مع المخاطر الأمنية التي يشكلها النظام السوري على حدودها معه، ولن تصمت في مواجهتها». وأوضح أن «قواعد الاشتباك الخاصة بالقوات المسلحة التركية قد تغيرت». وأضاف ان «كل ما من شأنه أن يشكل خطرا عسكريا من قبل سوريا على حدودنا سيعامل كهدف تجب إصابته»، مضيفا ان «كل عنصر عسكري يقترب من تركيا آتيا من الحدود السورية ويمثل خطورة وخطرا أمنيا سيُعتبر تهديدا عسكريا وسيعامل كهدف عسكري».
أما حلف شمال الأطلسي الذي عقد اجتماعا طارئا استجابة للدعوة التركية، فدان إسقاط سوريا للطائرة، الذي وصفه بانه «غير مقبول»، لكنه نأى بنفسه عن اتخاذ أي اجراءات عسكرية هجومية أو دفاعية للردّ.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان «نحن نعتقد ان من المهم الا ينظر الى ما حدث على انه استفزاز أو إجراء متعمد». وأضافت ان اي تصعيد سياسي سيكون «بالغ الخطورة» ويهدد خطة السلام التي وضعها مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان. وتابعت قائلة «نحن نعتقد ان أفضل سبيل هو ضبط النفس والتفاعل الايحابي بين الجانبين التركي والسوري لتوضيح ملابسات الحادث».
مؤتمر جنيف
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أهمية مشاركة إيران في المؤتمر الدولي حول سوريا المتوقع
عقده في 30 حزيران الحالي في جنيف. لكن حول ما إذا كان سيحضر المؤتمر في حال غياب إيران عنه، قال لافروف في تصريحات صحافية: «سأذهب، لكن في هذه الحالة سنتحدث فقط عن كيفية جمع كل الأطراف اللازمة لاستخدام هذه الفرصة. يجب انتهاز هذه الفرصة، لكن ذلك يتطلب جمع كل الجهات ذات التأثير في الأوضاع، ولا شك في أن إيران من بينها».
وأضاف لافروف «أما مضمون هذه المحادثات، فيجب أن تهدف إلى إحراز اتفاق حول ضرورة الضغط على جميع الأطراف السورية من أجل أن تجلس بنفسها إلى طاولة التفاوض لتبحث عن حلول وسط ستعطي لكل المكونات القومية والطائفية وغيرها بلا استثناء الإحساس بالأمان في بلادها». وتابع قائلا: «لكن لا يمكن لهذه الأطراف أن تتفق إلا بأنفسها، أما اللاعبون الخارجيون فدورهم يقتصر فقط على المساعدة في جمع هذه الأطراف وتشجيعها على تقديم تنازلات متبادلة».
وألح لافروف على ضرورة أن يناقش الوزراء بأنفسهم مشروع البيان الختامي للمؤتمر الدولي حول سوريا وقال: «إن القضية سياسية، ولا بد من مناقشتها على المستوى الوزاري على الأقل من أجل محاولة إحراز اتفاق حول تغيير التوجهات الحالية وتحويلها إلى المجرى السياسي، إلى مجرى الحوار بين السوريين أنفسهم، وهم الوحيدون الذين يمتلكون حق تقرير مصير بلادهم».
من جانبها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند حول مسار التوصل إلى تأكيد عقد مؤتمر جنيف «نحن نقترب، لكننا لم نتخذ اي قرارات بعد». واضافت نولاند ان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون اتصلت بانان واعربت عن املها بان يحقق الاجتماع اذا عقد «تقدما حقيقيا في دعم خطة انان، وبالتحديد في دعم الانتقال الديموقراطي السلمي في سوريا».
ورفضت نولاند مشاركة ايران وقالت «نظرا لدعمها (ايران) للنظام، وتصرفاتها المستمرة بشأن سوريا، فنحن لا نرى انها قادرة على تقديم مساهمة مفيدة في الوقت الحالي». واكدت ان الولايات المتحدة تريد ان تضمن ان «جميع الدول والمنظمات المشاركة في الاجتماع ملتزمة بخطة انان وملتزمة بانتقال سلمي وايجابي».
واشار المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني الى «الانشقاقات العالية المستوى» التي حدثت مؤخرا في صفوف الجيش السوري. وقال «من الواضح ان نظام بشار الاسد يفقد سيطرته على البلاد شيئا فشيئا». واكد كارني ان الولايات المتحدة ستواصل السعي لتحقيق انتقال سياسي لا يتضمن بقاء الاسد في السلطة، مؤكدا «نرى انه لا يمكن ان يكون الاسد جزءا من اي عملية انتقالية». وقال كارني ان خسارة الارواح امر «فظيع» متهما الاسد بأنه «متعجرف».
واضاف كارني «على المجتمع الدولي ان يتوحد» للعمل من اجل انتقال سياسي في سوريا. وعن المشاورات مع روسيا، قال كارني «لقد عقدنا اجتماعات مثمرة للغاية»، مضيفا مع ذلك انه «لا شك في ان بيننا اختلافات».
لكن وكالة «اسوشيتد برس» نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن القوات العسكرية السورية «تبقى مستقرة ومخلصة» للأسد، بالرغم من الانشقاقات التي لم تؤد الى تماسك المعارضة، ما ينذر بصراع عسكري طويل المدى بين الجانبين.
المراقبون
ونقل دبلوماسيون عن هيرفيه لادسو قوله في اجتماع مغلق لمجلس الأمن ان المدنيين في سوريا «يتعرضون لخطر متزايد» وان «الظروف ليست مناسبة لاستئناف عمليات» المراقبة. واوقف المراقبون الذين يناهز عددهم 300 مراقب دورياتهم وعملياتهم الاخرى في 16 حزيران الماضي مع تصاعد العنف بين النظام السوري والمناهضين له.
وقال لادسو ان بعثة الامم المتحدة لا تزال تحاول مساعدة العاملين في المجال الانساني في سوريا. الا انه اضاف ان الحكومة السورية لا تزال تضع العراقيل امام المراقبين مثل رفضها السماح لهم بحيازة هواتف تعمل بالاقمار الصناعية التي وصفها لادسو بانها «ادوات مهمة». واضاف انه حتى قبل ان يعلق المراقبون دورياتهم، رفضت حكومة الاسد السماح لهم باستخدام مروحيات خاصة بهم تمكنهم من التنقل في ارجاء البلاد.
إلى ذلك، وقعت اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية ومجموعات مقاتلة معارضة في ضواحي دمشق اسفرت عن مقتل 27 شخصا. وافاد المرصد السوري لحقوق الانسان بمقتل 59 شخصا آخرين بينهم 32 جنديا من القوات النظامية في اشتباكات وقصف واطلاق نار وانفجارات في مناطق اخرى.
وقتل 14 شخصا جراء القصف على بلدة الهامة في ريف دمشق و11 في ضاحية قدسيا حيث تدور اشتباكات بين الجيش النظامي ومقاتلين معارضين، وسقط قتيلان في كل من دوما وحرستا. وقتل شخص برصاص قناص في حي جوبر الدمشقي الذي شهد هو الآخر اشتباكات. وكان «المرصد» اشار الى وقوع اشتباكات عنيفة منذ فجر أمس، استمرت حتى بعد الظهر حول مقار الحرس الجمهوري المكلف حماية دمشق وريفها في قدسيا والهامة، وشملت الاشتباكات ايضا بلدة دمر. (تفاصيل أخرى ص 14).
(«السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ب)