ترفض إدارة هيئة «أوجيرو» تقديم التسهيلات اللازمة لشركتي تشغيل قطاع الخلوي على صعيد السعات الداخلية متذرّعةً بمحدودية إمكاناتها؛ ومن يُثبت عكس هذه الذريعة تُعاقبه. وبغياب السعات المطلوبة ومع ازدياد الضغط على بعض النقاط الحامية، تتراجع النوعية ويزداد التشويش، وتحديداً في منطقة الجنوب. فهل ننتظر اتصالاً ثانياً من السرايا الحكومية لتسوية الوضع؟
حسن شقراني
قدّمت شركتا تشغيل قطاع الهاتف الخلوي في لبنان ــ «Touch» و«Alfa» ــ طلباً إلى وزارة الاتصالات أخيراً بتأمين سعات داخلية إضافية لحفظ نوعية الاتصالات في بعض «النقاط الساخنة». يتمحور الطلب حول إجراء أساسي: استخدام الشبكة السلكيّة التابعة للوزارة لتخفيف الضغوط على اللواقط الهوائية (Antennas)، نظراً لأنّ الشبكات تستطيع تحمّل الحمل الإضافي، وبالتالي يتمّ الحفاظ على المستوى السائد من النوعيّة إلى حين الانتهاء من مخطّط رفع جودة الاتصالات الخلوية.
حتّى الآن يبدو الامر عاديا ومنطقيا، إلى أن نصل إلى التنفيذ، حيث تتحكّم هيئة «أوجيرو» ــ المكلّفة وفقاً لعقود من جانب الوزارة بتنفيذ أعمال لصالحها ــ بكلّ مفاصل هذه المرحلة. فقد جاء الجواب ضمنياً على الشكل التالي: لا يُمكننا تأمين هذا الطلب لأنّ الشبكة لا تتحمّل.
لكن الحقيقة مختلفة تماماً؛ فقد أوضحت مصادر من «أوجيرو» ووزارة الاتصالات والشركتين على نحو متطابق، أنّ على العكس تماماً ممّا تدّعيه الهيئة، فإنّ الشبكة قادرة تماماً على تأمين السعات المطلوبة. ويروي أحدهم أنّه خلال اجتماع عُقد أخيراً كان مخصصاً للتباحث في هذا الموضوع، قدّم أحد المديرين في «أوجيرو» موقفاً رافضاً للسلوك الذي تعتمده الإدارة بقيادة عبد المنعم يوسف، وأكّد أنّ بإمكان الهيئة أن تؤمّن السعات اللازمة التي تحتاج إليها الشركتان «فما كان من الإدارة إلا أن كافأته على شفافيته وموقفه الموضوعي وخصمت من راتبه!».
ويأتي هذا السلوك، يُتابع الراوي نفسه، في إطار «الضغط على بعض الكوادر في الهيئة للقول إنّ أوجيرو لا تتمتع بالقدرة التقنية لتأمين هذه الخدمة». ويوضح أنّ عمل الهيئة يقتصر في المبدأ على رسم صورة الوضع والتنفيذ، وفي حال كانت القدرات فعلاً محدودة يُمكنهم الطلب من الوزارة تأمين المعدّات اللازمة وليس القول إن «ذلك مستحيل تماماً».
ولكن ما هي قضية السعات الداخلية؟ ولماذا هي مهمة إلى هذا الحدّ؟
وفقاً لتقنيّي وزارة الاتصالات فإنّه في بعض المحطات المهمة يتزايد التشويش والضغط على الشبكة في بعض الأحيان ما يؤثر على جودة الخدمة. ولحلّ هذه المشكلة يُمكن تحويل التواصل بين المحطة والشبكة الرئيسيّة من اللواقط الهوائيّة إلى الشبكة السلكية (وهي نحاسية الآن على أن تتحوّل كلياً إلى الألياف الضوئية مع بداية العام المقبل).
ويوضح هؤلاء أنّ بإمكان تلك الشبكة السلكية التي تشغلها «أوجيرو» لصالح الوزارة، تأمين السعة المطلوبة «على الأقلّ بنسبة 70%، إن لم نقل على نحو كامل».
وللوقوف أكثر عند انعكاسات موقف إدارة «أوجيرو» يُمكن استعراض مثال خطّ الاتصالات الخاص في منطقة الجنوب بمجملها. فتلك المنطقة تعتمد على نقطة توزيع مركزية في منطقة بئر حسن تُشغلها «Touch» وعلى نقطة أخرى في سن الفيل تشغلها «Alfa». وأقلّ تشويش يحدث عند هاتين النقطتين الحاميتين ينتقل إلى الجنوب اللبناني.
وإضافة إلى هذه البقعة الحسّاسة، هناك محطات رئيسية أخرى في منطقة بيروت الإدارية تتعرّض لزيادة في الضغط.
ولذا فإنّ رفض إدارة «أوجيرو» ــ وتحديداً عبد المنعم يوسف ــ «يُعرقل شبكة الاتصالات بالمعنى الشامل» على حد تعبير أحد خبراء الاتصالات على علم بديناميات العمل في الشركتين.
ووفقاً لمصادر في وزارة الاتصالات فإنّ «ما تفعله أوجيرو هو تعطيل متعمّد لشبكات الإرسال لكلّ اللبنانيين». فهذا الوقف المتعمد للدفق يؤثّر جداً على تدفق المعلومات ويؤثر على نوعية الصوت.
«هذا الفريق الذي يُدير أوجيرو مستعدّ لأن يتعمّد تقديم المعلومات الخاطئة والضغط باتجاه ترويجها في قطاع لا يتحمّل مزيداً من التأخير»، يتابع المصدر نفسه. «ألا تُعدّ خدمة الاتصالات الخلوية مصلحة وطنية؟ كيف يتم التعاطي مع هذا القطاع بهذا المستوى من الخفّة والمزاجية؟».
وتأتي هذه الخطوة في وقت تُنفّذ فيه الوزارة مخططها الوطني لتحسين خدمة الاتصالات الذي أطلقته عند بداية العام الجاري، فبموجب هذا المخطط ــ الذي أتى بعد سنوات طويلة من غياب الاستثمارات واستعمال القطاع لتوليد المداخيل الريعية للخزينة فقط ــ يُفترض نشر 400 محطّة إرسال جديدة و1200 لاقط هوائي (Antenna) و120 جهاز تقوية إرسال (Repeaters) إضافة إلى تأمين 20 محطّة نقالة.
ووفقاً لما توضحه أوساط شركة «Alfa» فإنّ قسماً كبيراً من المحطات الجديدة المنوي تركيبها في الجنوب جهزت «ولاحظنا أن الحركة (Traffic) كانت كبيرة جداً عليها ما يوضح حجم النقص الذي كان موجوداً». لكن في المقابل فإنّ ما تفعله أوجيرو «يؤخّر كثيراً الجهود» على هذا الصعيد.
والجهود المطلوبة حالياً كبيرة فعلاً. فبالتوازي مع تطوير البنية التحتية للشبكتين، يتم إطلاق العديد من البرامج المحفّزة لاستخدام الهاتف الخلوي في لبنان وخصوصاً بعد إطلاق خدمات شبكة الجيل الثالث (3G) بنهاية العام الماضي. وهذا ما يُشكّل عبئاً مزدوجاً على آلية التحديث في هذه المرحلة.
وإضافة إلى ذلك، تبرز مشكلة التشويش الإضافية في لبنان في ظلّ انتشار الأجهزة غير الشرعيّة (راجع: 8 أشهر لتحسين جودة الخلوي، http://www.al-akhbar.com/node/27804).
ويأتي هذا التعاطي من جانب «أوجيرو» مع شركتي الهاتف الخلوي ــ ومع وزارة الاتصالات في الوقت نفسه ــ على صعيد السعات الداخلية، بعد وقت طويل من حرمان الشركتين من السعات الدولية. فإجمالاً يُفترض أن تشتري الشركتان تلك السعات من الدولة ــ ممثلة بالذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات، أوجيرو ــ على شكل خطوط شهرية تُسمّى «E1». غير أنّ مدير «أوجيرو» عبد المنعم يوسف يرفض بيع تلك الخطوط للشركتين ويُجبرها على شرائها من السوق بسعر أعلى بكثير (راجع الكادر المرفق).
3.28 ملايين
عدد مشتركي الهاتف الخلوي في لبنان، على اعتبار أن معدّل الاختراق يبلغ 82%. وتهدف وزارة الاتصالات إلى رفع النسبة إلى 100% قريباً
8 ملايين
عدد الاتصالات التي يُجريها المقيمون في لبنان على شبكتي الهاتف الخلوي. وتتزايد هذه الاتصالات مع زيادة اختراق الهواتف الخلوية
800 دولار
السعر الذي تتكبده شركتا الخلوي لشراء خطّ السعات الدولية (E1) من السوق ــ وسعره الرسمي 420 دولاراً ــ فيما تحرمهما «أوجيرو» منه
اتصال من دولة الرئيس
بعد ضغوط استمرت 6 أشهر ومطالبات مستمرّة ــ «وربّما اتصال من رئيس مجلس الوزراء!» نجيب ميقاتي، يقول أحد المطّلعين ــ قرّر عبد المنعم يوسف التهاون قليلاً مع شركتي الخلوي في ما خصّ السعات الدولية، فحرّر 5 خطوط «E1» لشركة «Alfa» التي تشغل رخصة «Mic 1» و25 خطاً لشركة «Touch» المسؤولة عن تشغيل رخصة «Mic 2». مع العلم أن كلّ شركة تحتاج إلى 100 خطّ شهرياً لتسيير أعمالها.