تحية طيبة وبعد،
إسمح لي بداية ان أتوجه إليكم بهذا الخطاب المفتوح، مؤكدا احترام موقعكم وموقفكم وحقكم المطلق في إبداء الرأي والتعبير والتحرك في اطار الشرع والقانون، لا سيما أنكم تؤكدون على سلمية هذا التحرك، بعيدا عن سطوة السلاح والمسلحين.
واسمح لي ثانيا ان أحترم فطنتكم وذكاءكم في اختيار الفرص والمواضيع والقضايا التي توجه تحرككم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدنا ومنطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي .
واسمح لي ثالثا الا أجادلكم في ما يتردد عن الغطاء السياسي الداخلي او الخارجي الذي يظلل مسيرتكم السياسية او الدعوية. فأنا على طيبتي وبساطتي، مقتنع تماما بأن واجبكم الإنساني والأخلاقي والديني هو الذي يحرك نضالكم السلمي.
أنت يا صاحب الفضيلة أذكى من ان تصدّق، أو أن تحملنا على أن نصدق، أن اعتصاما محدودا على قارعة طريق سيحمل «حزب المقاومة» على إلقاء سلاحه. فما عجزت وتعجز عن تحقيقه اسرائيل وأميركا وقوى كبرى، لا يمكن أن يتحقق باعتصام او احتجاج او حتى بحرب. وأرجو ألا تعتبر هذا الكلام من باب الغرور والتجبر والاستعلاء، لكننا يا صاحب الفضيلة ننقل لك «الواقع كما هو» (بالأذن من «قناة الميادين») لأن تجربتنا الطويلة مع المقاومة وحزبها، تفترض ان هذا الحزب نفسه لا يملك حرية التصرف وحده بالسلاح، بل وحدهم أبناء الجنوب وأهالي الشهداء والجرحى والمعوقين والأسرى هم الذين يملكون هذا الحق.
وبصفتي واحدا من أبناء الجنوب، مثلك يا صاحب الفضيلة، اسمح لنفسي بأن أصارحك القول بصدق.
قبل ثلاثين عاما احتلت إسرائيل أرضنا ونصبت حواجزها على طريق الأولي شمال صيدا، ومنعت أبناء الجنوب من العبور إلى أرضهم او الخروج منها، وفتحت معبرا واحدا لهم عن طريق باتر- جزين، فأذلت الجنوبيين وأهانت شيبهم وشبابهم ونساءهم واطفالهم. وانا أربأ يا فضيلة الشيخ ان يسجّل التاريخ، قطع الطريق الى الجنوب وإهانة وإذلال أهله مرتين: مرة على يد أسرائيل وعملائها، ومرة اخرى على يديك. كما نربأ يا صاحب الفضيلة ان يكون السيد حسن نصر الله في هذه الايام مهددا مرتين: مرة من اسرائيل ومرة اخرى على لسانك الذي وعد بأن يحرمه النوم، في الوقت الذي لا نشك لحظة واحدة انك من ألدّ أعداء اسرائيل.
انا أكيد يا صاحب الفضيلة ان «حزب المقاومة» لن يمسّكم بسوء، ما دام الطابع السلمي يعنْون تحرككم وأفعالكم، وكذلك حركة «امل» ورئيسها. ولكن ثمة من يسأل بكل طيبة: من يضمن يا فضيلة الشيخ عدم دخول طرف ثالث او رابع او خامس على الخط، لأهداف تعرفها جيدا، فتسقط لا سمح الله في المكان الذي لا تريده ولا نريده لك. نحن نريدك شهيدا في سبيل فلسطين اذا كنت من عشاق الشهادة، لا قتيلا في زواريب لبنان. وأرجو بحرارة ومحبة الا تعتبر هذا الكلام تهديدا، فأنا لا أملك القدرة على التهديد، لكنني من موقعي المتواضع أجد نفسي حريصا على التنبيه . حماك الله من كل شر.
الحكمة ثم الحكمة يا صاحب الفضيلة. إنها «رسالة من تحت الماء» حيث البلد يكاد يختنق بأهله عاجزا عن التنفس. نحن نريدك مقاوما، وأنت أهل للمقاومة، ولكن في الاتجاه الصحيح. فاتق الله في أهلك وبلدك والتزم مسجدك وقلْ ما شئت، فالصلاة والخطاب في بيوت الله خير من الشوارع، والسلام على من اتبع الهدى.