أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الأسير .. على قارعة السلاح

الإثنين 02 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,727 زائر

الأسير .. على قارعة السلاح

توافر له السند الشخصي، فهو رجل معمَّم ومفوَّه. ولأن رجال الدين وعلماءه ومشايخه وكهنته يتدخلون في السياسة، وفق أهواء طوائفهم، فقد وجد له مكاناً بينهم، ولكن بطريقة مختلفة جداً. هو مثلهم، ولكنه لا يشبههم.

وتوافر له السند المذهبي، فهو سنيٌّ آخر، من داخل الحلبة السنية، المؤتلفة أقوالها حول سوريا والنظام فيها، حول السلاح وحملته في لبنان، وحول «الموالاة» وأكثريتها المغشوشة. هو سني في المذهب، وفي السياسة، ولا يختلف عن مرامي الحريرية السنية وحلفائها، ولكن بطريقة مختلفة. هو مثلهم ولا يشبههم.

وتوافر للأسير السند الخطابي، فهو من أهل الخطاب المترامي الأقوال والأهداف، ومن «فوق السطوح». يقول كلاماً، (وغير مفيد أن تعرف مدى صحته)، لا يصيب ولا يترجم. وهو بذلك ينتمي إلى «طبقة» أصحاب الأقوال، أما أفعالها، «فعلى الله». وطبقة الصوت العالي في لبنان، ذات ريادة في الفشل.. واحد من هؤلاء: بشير الجميل: «نحن شياطين هذا الشرق».. قالها وانتهى. وليد جنبلاط واحد آخر: «يا بشار ويا بشار» في ساحة الشهداء، فهاجت وماجت جموع واستيقظت غرائز. قالها واعتذر ولم يتب عنها، فوقع فيها بعد أسابيع، على جاري عادته في قول «الحكمة» في غير مكانها... واحد من هؤلاء كذلك، الجنرال ميشال عون. طبقة صوته لا تختلف. لهجته مرتفعة، انه فوق الواقع، وفوق الناس وفوق من هو فوق. يكيل كلاماً ويوقظ شعارات، (ليس مهماً مدى صحتها وحاجتنا إليها) ويمارس «الدبيك» السياسي فوق سطح دولة «منهوكة». فهو لا يتوقف عن التهديد والوعيد و«محاربة الفساد بفخار الكلام »، ثم نرى ان كل شيء سيكون كما كان من زمان... واحد آخر من هذه الطبقة، إنما بصيغة الجمع، فريق 14 آذار، من سعد الحريري إلى مروان حمادة إلى «جحافل» فارس سعيد والآخرين، فهم من أصحاب الصوت العالي، وريادة المعارك بالكلام، ضد نظام الأسد في الشام، وضد «حزب الله» في لبنان، وضد الجنرال عون في كل مكان... ولا يزيد كلامهم في حل أو في تصويب أو أمل... فالكل، يصيبون الدولة «المنهوكة» بكلام من العيار الثقيل. والشيخ الأسير هو من هؤلاء، ولكنه بطريقة مختلفة. إنه مثلهم ولا يشبههم. 

وتوافر للأسير سند مرير: سيادة الخطاب المذهبي بألوان مختلفة. لا كلام في لبنان يسمع إلا الكلام المذهبي. من أخمص القدمين إلى فوهة السياسة. لقد بلغت المذهبية مرتبة المقدس المطلق برغم شرورها. لا معبود إلا بالمذهبية. لا طريق تعبرها إلا المذهبية. لا مرور لأمر في مجلس الوزراء، وفي الوزارات، وفي المؤسسات، وفي الوسائط الإعلامية، وفي التربية وفي القضاء وفي... قضاء أي حاجة، إلا بالمذهبية. وصدف في آخر «الزمان اللبناني» المقعد، أن المذهبية مربحة لأصحابها، ومدمّرة للوطن، في وطن، لا أحد فيه من هؤلاء، يسأل عن الوطن... والأسير من هؤلاء، وينتمي إلى أهل السنة، وبهم يُعرَّف. لكنه ليس مثلهم، لأنه قرر الخروج من القول إلى الفعل، ومن «الحكمة» السنية التي تثرثر مواقف، ولا تهتدي إلى أسلوب وسياق. قرر أن يكون سنياً بطريقة مختلفة... يحكي بقبضته، يخطب بعمامته، يخيف بقيافته، ويتصرف كأنه قائد جحافل جرارة قادرة على تنفيذ وعيده وتهديده، بالتي هي أسوأ.

فللسنة اليوم في لبنان «معتدلون» في قيافتهم، ومتطرفون في الملبس و«المجلس» الذي صارت مقاعده موزعة بين ساحة الشهداء في بيروت، وشوارع صيدا، وقريباً، في طرابلس، على ما يقال وعلى ما يقوله الأسير نفسه... وأهل السنة يعترفون به وبما يشبههم فيه، ويبتعدون عنه بما يختلفون فيه، مع إمكانية توهّم بأنهم يستطيعون إخافة الآخرين به... هو في ظنهم أداة تخويف لا غير... من يدري؟

وتوافر للأسير سند إقليمي. فهو ينتمي إلى معسكر (شاء ذلك أم لم) عربي إقليمي واسع، يسعى إلى تغيير النظام في سوريا، وتغيير سوريا كذلك. وساعده النظام السوري بسبب ما يرتكبه من عنف يصب الزيت المذهبي على نار مستعرة لأسباب غير مذهبية، متعلقة بالحرية والديموقراطية والعدالة والكرامة. 

وتوافر للأسير سند شيعي... فالصمت الشيعي المبرم، لا يخفي السطوة الشيعية المتماسكة، فالشيعة في السياسة اللبنانية، برهنوا على أنهم «الأشقاء» الطبيعيون «للمارونية السياسية» في عز سطوتها، في مرحلة ما قبل الحروب اللبنانية، و«للسنية السياسية» في فورة صعودها مع الحريرية، في مرحلة ما قبل اغتيال زعيمها... وها هي «الشيعية السياسية» في الداخل اللبناني، تترنَّح، وحليفها يهتز، ومرشدها مشغول بأمور كثيرة، أبرزها، «النووي والدولي»، و«الأخوي السوري».

كان يمكن الأسير بسبب عناصر الإسناد هذه، أن يصبح رقماً في المعادلة اللبنانية، لولا خفته واستخفافه بالسلاح، وتحديداً سلاح المقاومة. هو يعرف ولكنه يكتم، من هم أعداء هذا السلاح. هو يعرف ولكنه لا يعير انتباهاً إلى ما أنجزه هذا السلاح في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. أكرر: الاحتلال الإسرائيلي يا ناس! أضيف: هذه إسرائيل العظمى التي هزمها هذا السلاح. هذه إسرائيل ومن معها التي كبدها هذا السلاح خسائر فخسائر فخسائر، حتى التحرير... (نتوقف عن الإضافة). الشيخ الأسير يعرف جيداً أن إسرائيل ضد هذا السلاح وجرَّبت حذفه في حروبها كافة، فتعاظم عدداً ونوعاً ورجالاً. الشيخ الأسير يعرف جيداً أن الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب عموماً، والدول العربية، الإسلامية طبعاً، والمعتدلة كذباً، ضد هذا السلاح، فهل يعرف أنه في هذا المعسكر، وأنه يتقدم عليهم بالجغرافيا لا أكثر؟

إن المذهبية مدرسة في الارتكاب. أم الكبائر منها. 

الشيخ الأسير يعرف انه لا يستطيع، مع كل من مثله، أن يسقط شعرة من رأس المقاومة، لا إرادة فوق إرادة مقاتليها، وهؤلاء أصابعهم على الزناد، ومرماهم الأراضي المحتلة، في ما وراء حدود سايكس بيكو، وما وراء الخط الأزرق... انها فلسطين التي هناك، التي تحتاج إلى السلاح الذي هنا... السابع من أيار، بحاجة إلى غير المنطق المتكرر الذي يرى فيه.. «اعتداء على السنة والاستقلاليين»، يراه آخرون رداً على اعتداء من قبل العالم، بأدوات لبنانية، للتخلص من سلاح المقاومة، بالضربات الناعمة. ولا أحد يظن ان هذا الصراخ حول السلاح سيؤدي إلى نتيجة.. قد يغرق البلد في عنف متنقل، لا أكثر، وهو عنف لا تحمد عقباه. 

إنما المثير للدهشة، إصرار الشيخ الأسير على إقلاق نوم وراحة السيد حسن نصر الله و«الأستاذ» نبيه بري. غير مفهوم هذا الإقلاق... هل مبعثه سيغموند فرويد، أم جماعة «لاكان»؟ ثم، كيف سينفذ ذلك؟ بالفعل، إن بعض السوريالية في لبنان يدعو إلى الأسف، وبعضها يشير إلى الخرف، وبعضها يدعو إلى السخف. سيَّان. وللعلم. اللبنانيون لا ينامون، ليس خوفاً من الأسير، بل من كل من يحمل الراية ويحركها أمام الثيران الطائفية والمذهبية الهائجة. إنه خوف مزمن. 

أما السند الأخير للأسير، فهو هذه القوى السياسية «الحاكمة» بأمر مذاهبها، و«المحكومة» بالفشل والعجز. هذه «قوى» لا قوة لها، لا على البت ولا على الحوار ولا على التسوية.. 

الأسير ظاهرة جديدة، بثياب قديمة، وعدة عتيقة إنما، بحداثة أسلوبية، والتعاطي معها غير جائز أمنياً، فهذا حرام سياسي. في بلد «منهوك» وينزلق بسرعة إلى الدم. والتعاطي معها بالاستبعاد، يزيدها تشبثاً وقوة.. لذا ليس أمام من هم على أمثاله، وهم كثر، سوى محاورته، ومناقشته، وإبداء الرأي في ما يقول وفي كيفية ما يقول. أقنعوه بأن مثل هذا الأسلوب ليس خطراً عليه، بل على ما تبقى من البلد. أقنعوه بأن أهدافه مستحيلة. لا تكذبوا عليه، أو تناوروا عليه... هو ليس من البضاعة الرائجة في صنع التسويات. 

إذا لم يقتنع، فلا حول ولا قوة... ولن يصيبنا إلا ما كتبتموه لنا وهو كتاب مخيف.

 

[email protected]


Script executed in 0.20332813262939