المطلعون على تفاصيل العلاقة بين الرجلين يؤكدون أنها بلغت في إيجابياتها على الصعيد الشخصي مستوى لم تبلغه سابقاً، حتى أمكن عون طلب ما يشاء. فببعض التطييب لبري، وفبركة الأساطير عن انبهار عين التينة بزعامة الرابية، خلق النائب ابراهيم كنعان قبل نحو أربعة أشهر الكيمياء المفقودة بين المرجعيتين، ليستيقظا على غرام، لكن المشكلة ليست في تفصيل المياومين ولا هي مع بري، تقول الرابية. وتوصي من يعنيهم الأمر بالحد من التصعيد ضد بري أو تسهيل مهمة الراغبين في جعلها مشكلة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر. «لا مشكلة بين بري وعون»، علاقتهما الشخصية في أحسن حال؛ المشكلة أبعد من ذلك: هي في علاقة أفرقاء الأكثرية الطارئة بعضهم ببعض، وفي علاقة هؤلاء بالقوانين التي تسيّر شؤون الدولة.
ثمة عتب عوني على الرئيس نجيب ميقاتي؟ ربما. ثمة احتقار للنائب وليد جنبلاط؟ طبعاً. ثمة أسف لإخلال بري بتعهده إلزام الحكومة قبل ثلاثة أشهر بالإنتاج أكثر؟ أكيد. لكن هذه جميعها ثانوية. مشكلة التيار: حزب الله. ففعلياً لم ولن ينتظر التيار من الرئيس ميشال سليمان وميقاتي وبري أكثر مما يعطونه، لكنه كان يأمل حماسة أكبر من الحزب للإصلاح والتغيير. «أقله خبطة كف واحدة على الطاولة رفضاً لسرقة هنا أو التفاف على القانون هناك»، يقول أحد نواب التيار. قبيل شروع ثلاثة من زملائه في الحديث عن حزب الله الوزاري وحزب الله النيابي وحزب الله النقابي «غير المبالي وأكثر، قل المحبط لنا»: «لا يبالي حزب الله لا بمشاريع القوانين التي تحيينا اجتماعياً واقتصادياً وربما سياسياً ولا بخططنا الوزارية. همهم أداء دور «أبو ملحم»، فيما نحن نعتقد أن أبا ملحم لا يبني دولة».
يعلم الجنرال أن جمهور التيار لم يهضم فحسب التفاهم مع حزب الله، بل استلذ به أيضاً: بات توجيه أدنى انتقاد إلى الحزب يواجه بغضب عوني شعبي. بين محطتي المنار والأو تي في، يتجمع عونيون كثر كل مساء قبالة الأولى. وفي سيارات العونيين تسمع نشرات أخبار إذاعة النور أكثر نسبياً مما تسمع صوت المدى العونية. وفي هذه اللحظة الإقليمية بالتحديد، يعلم الجنرال أن التفاهم مع الحزب القاهر لإسرائيل يطمئن كثيرين، فضلاً عن أن التفاهم هو أول تحالف سياسي جدي يقيمه العونيون العاطفيون، برضاهم مع فريق سياسي فاعل محلياً، لكن عون نفسه يعلم أن قوة ذلك التفاهم تكمن في حساب غير العونيين، أنه التقاء تيارين لم يدخلا سابقاً في زواريب الحروب الطائفية، ولم يشاركا لاحقاً في نهب المال العام، ويحملان أقله على الورق مشروعاً إصلاحياً. مشكلة التيار الوطني الحر ضرب الصورة الأخيرة للتفاهم أمام الرأي العام. أضف أن العونيين لا يحبون «أبو ملحم». هم أحبوا عون لمناقضته الأخير بالكامل، وأحبوا حزب الله لأنه القوة التي لم تخش اسرائيل، وأثبتت قدرتها على قرن الأقوال بأفعال.
« نعم إثارة الملف انتخابية بامتياز»، يقول نائب عوني، لكن «ليس كما ينظر بعض السذّج عن سعي عون إلى استقطاب الناخبين الذين يؤيدون كل من يصرخ في وجه حزب الله كأن الانتخابات الأحد المقبل لا بعد عام، وإنما من منطلق خوض العونيين الانتخابات السابقة والقادمة بناءً على برامج لا تقدمها غالبية الكتل الأخرى». وبناءً عليه يعتقد العونيون أن ناخبيهم سيحاسبونهم بعد عام على ما فعلوه وما لم يفعلوه، دون أخذ ظرفهم المرحليّ في الاعتبار. وقد دلت تجربة الكهرباء الأخيرة على أن المواطنين لا يتذكرون تحذيرات الوزير المعني قبل ستة أشهر ولا معرقليه الواضحين للأعين، ويحمّلونه هو وتياره السياسي اليوم مسؤولية انقطاع الكهرباء.
العلاقة بين التيار وحزب الله لم ولن تنقطع. تقول الرابية. والاتصالات مستمرة بين نواب من الجهتين، لكن الحل لن يكون على فنجان قهوة، بل بعلاج جدي للمشكلة. فأولويات التيار ثلاثة: أولاً، إنجاز اقتراحات القوانين التي أعدها. ثانياً، أن تسير شؤون وزاراته وتحصل التعيينات ويفعّل الضغط على خصومه بالملف المالي طالما تقرر وضع ملفي شهود الزور والأجهزة الأمنية جانباً. ثالثاً، التفاهم مع حلفائه المفترضين بشأن قانون الانتخاب، والضغط بشتى الوسائل الضرورية لإقراره في المجلس النيابي. هذا ما يريده التيار بوضوح واختصار، الصعب هو اكتشاف ما يريده حلفاؤه المفترضون.