أشار وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي في حديث لصحيفة "الراي" الكويتية إلى أن "الوجود في الحكومة مطلوب انطلاقاً من اهمية وجود حكومة في البلد حالياً لا اكثر ولا اقل. وفي حال طارت الحكومة ليس ثمة امكانية في ظل الوضع الداخلي في لبنان لتشكيل اخرى".
ورأى العريضي أن المناخ السياسي لا يسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية "وإسقاط هذه الحكومة قبل الاتفاق على أخرى توافقية يعني إدخال البلد في المجهول، بمعنى انه لا يمكن الحديث عن تشكيل حكومة جديدة حالياً الا بعد توافق يسبق اسقاط الحالية، اذ لا يمكن إدخال البلاد في ازمة سياسية كبيرة رغم كل عاهات الحكومة الحالية".
واذ يردّ الازمة السياسية الراهنة الى انتفاء الحوار بين الفرقاء السياسيين، يتطرّق الى التعطيل الاخير الذي طال الحكومة بعد مقاطعة وزراء "التيار الوطني الحر" لجلستها الأخيرة احتجاجاً على إقرار اقتراح تثبيت العمال المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان بما يتعارض مع توجهات وزير الطاقة جبران باسيل، مستغرباً هذا السلوك، ومحملاً "التيار" مسؤولية ما آلت اليه الامور في ملف الكهرباء، ويقول "إن التيار الذي لجأ الى الاستفزاز والكيدية في معالجته هذا الملف لم يتوان عن اعتماد سياسة عبثية لن توصله الى أي حل في مقاطعته جلسات مجلسي النواب والوزراء".
وإعتبر أن "سياسة هذه الحكومة والموقف العربي والدولي منها أدى الى تطيير الموسم السياحي، فدفع فاتورة الخسارة كل اللبنانيين ولا سيما اولئك الذين يعتاشون من المرافق السياحية".
أما عن الاسباب فيوضح "أن الدول العربية التي اتخذت قرارها لم تفعل ذلك لاسباب امنية فقط، بل هي منعت مواطنيها من زيارة لبنان لأنه لا يوجد استقرار سياسي ولا مؤسسات سياسية تؤمن الاستقرار وتحفظه في البلاد"، ويضيف: "ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تقريباً، لا يُستقبل في اي من الدول العربية، فهل هذا دليل ثقة بالحكومة؟ يكفي ان ينظر اللبنانييون والعرب الى التناقضات والعثرات التي رافقت الحكومة من داخلها حتى يعلموا هشاشة الوضع السياسي وبالتالي الامني في لبنان".
ولفت إلى أن "من الطبيعي ألا يشعر اللبنانيون بالامان في ظل الحكومة الحالية"، معدداً قصورها، ومتوقفاً مطولا عند "الفلتان الامني الذي يبدأ بأداء الحكومة في قضايا أساسية كالعمالة (لاسرائيل). فالعمالة اصبحت وجهة نظر في لبنان. كيف نثق بالقضاء اذا خرج عميل كبير من السجن بعد فترة قليلة من احتجازه وتقام له احتفالات؟ كيف ننظر الى قضية الموقوفين الاسلاميين في الشمال؟ يتم توقيف أناس ويُتَهمون بالارهاب ثم فجأة يُطلق سراحهم (في إشارة الى شادي المولوي الذي اوقف بتهمة الانتماء الى تنظيم ارهابي) ويذهب رئيس الحكومة وبعض الوزراء الى مدينة طرابلس لاستقبالهم كالابطال!.هل هذا يوحي بالثقة؟ كلا لا يوحي بذلك".
وفي حين يشير الى تورط قوى اساسية موجودة على طاولة مجلس الوزراء في أحداث طرابلس "فهم يدفعون الاموال لجماعات اسلامية في الشمال والامر ليس سريا"، لا يتردد في وصف الحكومة بـ "الفاشلة لأنها لم تقم بالحد الادنى المطلوب منها".
ولدى سؤاله عما إذا كان وزراء "جبهة النضال الوطني" رهينة أو أسرى الاستقرار، يرفض التوصيف سائلا عن بديل عدم المشاركة في الحكومة. ويقول "ما البديل؟ ترْك البلاد بلا حكومة وترك الساحة لمن يريد التصرف والحكم بعقل امني؟ لو لم نكن موجودين في الحكومة لذهبنا الى مواجهة امنية كبرى في الشمال. وجودنا عطّل هذا الامر. كان ثمة مَن يريد الذهاب الى معالجة أمنية لما جرى في الشمال تحت عناوين كيدية ومن دون اي محاولة لاحترام الذاكرة الامنية. وهذه المعالجة لو حصلت لأدت الى مواجهة أمنية وبالتالي تعني فلتاناً شاملاً وتدمير البلد وتفتيت الجيش وإغراق الشوارع بالدماء".
وأكد أن "أي خطوة تُسقط الفتنة في البلاد سنكون معها وإن تطلبت منا تقديم تنازلات. نعرف اين تبدأ الفتنة ولا نعرف كيف تنتهي. وبين البداية والنهاية ثمة اثمان كبيرة".
ورداً على سؤال، يقول: "كما سقطتْ الحكومة في الامتحان الأمني، كذلك فشلتْ في معالجة الملفات الحياتية والنقابية وأساءت التقدير في عدد من المواضيع التي تتعلق بالحريات العامة وحرية الاعلام وغيرها من القضايا التي لا نقبل المساومة فيها". ويضيف مستشهداً بتخبط الحكومة في معالجة مواضيع حساسة "كتحديد سعر رغيف الخبز والبنزين وتأمين الكهرباء التي أغرق غيابها البلاد في العتمة... إضافة الى المشاكل في القطاع التربوي وغيرها من الأزمات الاجتماعية التي لا تنحصر المطالبة بها بفئة محددة من الشعب، فإذا كانت هموم اللبنانيين، على اختلاف أطيافهم، واحدة فلتكن اهتمامات الحكومة واحدة. لقد فشلت الحكومة حين نأت بنفسها عن كل شيء".
وفي موضوع الحوار، رأى العريضي أن "اجتماعات هيئة الحوار في بعبدا لن تتمكن من البحث في تشكيل حكومة في ظل تمسك فريق 14 آذار بحصر البحث بالسلاح غير الشرعي. وهو مطلب مفهوم لأنه يأتي كرد فعل على تعطيل "حزب الله" للحوار سابقاً ورفضه البحث في الاستراتيجية الدفاعية".
وأوضح ان "الوضع الداخلي في البلاد ليس بأفضل أحواله، ولاسيما بعد ورود تقارير امنية استخباراتية من جهات دولية واقليمية متعددة تقاطعت معلوماتها حول احتمال عودة الاغتيالات لتصفية حسابات سياسية مع شخصيات معينة من لون سياسي معين. تضاف اليها المعلومات التي كشفها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو بالمناسبة خارج اللون السياسي المستهدف حالياً، وتؤكد احتمال استهدافه. وتقتضي خطورة هذه المعلومات عدم التعامل معها بخفة. ما يعني أنه يتوجب على كل من بات في موقع المستهدَف اتخاذ اجراءاته الامنية خصوصاً في ظل وضع امني متدهور في البلد".
وفي حين تشير المعلومات والتقارير الامنية الى أن لائحة المستهدَفين بعمليات الاغتيال تتضمن اسميْ النائب وليد جنبلاط وعضو "جبهة النضال الوطني" النائب أكرم شهيب، إعتبر العريضي أن "هذه المعلومات تكشف أن ثمة من هو منزعج من مواقف النائب جنبلاط تجاه الأزمة السورية والمعادلة السياسية في الداخل وموقعه الاستراتيجي باعتباره مرجحاً في الموازين الداخلية".
أما عن الجهة التي قد توكل اليها مهمة تنفيذ الاغتيالات، يرفض العريضي اتهام أحد لأنه "في بلد كلبنان بلا سقف أو غطاء، يمكن لأي جهة أو طرف أي يتدخل في اللعبة السياسية الداخلية لتصفية الحسابات".
وكشف أن أحد أبرز أسباب التدهور الأمني في البلاد يعود الى "عدم وجود تعاون بين الاجهزة الامنية التي تحولت أدوات بيد الاطراف السياسية التي تستهدف احياناً بعضها البعض من خلال تسريب معلومات او القيام بمشاكسات او استهدافات سياسية لاحد الاجهزة الأمنية بهدف تقديمه على الاخرى للنيل منها".
وأكد وزير الاشغال أن "الاجهزة الامنية في لبنان قوية وقادرة على القيام بواجباتها بمهنية عالية وهو ما أثبتته عندما تمكنت من تحقيق انجازات كبيرة، لكنها للاسف غير متماسكة. وإلا كيف لنا ان نفسر وجود روايات متعددة حول قضية واحدة؟"، ويضيف: "ملف تنظيم "القاعدة" في لبنان خير دليل على ذلك، فوزير الدفاع يؤكد ووزير الداخلية ينفي. بعض القوى السياسية المشارِكة في الحكومة تؤكد أن تهريب السلاح من لبنان الى سوريا يجري بغطاء من احد الاجهزة الامنية ثم يخرج مجلس الدفاع الاعلى بعد اجتماع مركزي له لينفي هذه المعلومات. هذا التضارب في المعلومات يعطي صورة غير ايجابية عن الاجهزة الامنية وواقع عملها. ومن الطبيعي أن يشعر المواطن بقصور هذه الاجهزة عن توفير الامن والاستقرار، وهو ربما ما يبرر اقدام كل فريق على اتخاذ إجراءات أمنية خاصة به بما يشبه الامن الذاتي".
الخطر الذي يعيشه لبنان قد يؤدي الى الفلتان والفوضى وهي حالة رأى العريضي أنها "أخطر من الحرب لأن للحرب قواعدها وأنظمتها رغم كل بشاعتها. لكن الفوضى لا قاعدة ولا انظمة تحكمها. حتى أن مصطلح "شريعة الغاب" لم يعد ينطبق على البلاد بعدما بتنا نعيش في غاب من دون شريعة".
وفي ملف تهريب الاسلحة الى سورية يؤكد العريضي حصول حركة تهريب عبر الحدود ويقول: "نعم هناك تهريب وهي عادة يومية متوارثة منذ عشرات الاعوام في المناطق الحدودية. في السابق كان التهريب يحصل للمواد الغذائية والوقود والخبز... اليوم السلاح هو البضاعة الاكثر رواجاً في التجارة وهناك طلب كبير عليها. والمهرّب تاجر يعتاش من هذا العمل، وباعتراف كل القوى السياسية على طاولة مجلس الوزراء، فإن مهربي الاسلحة لا هوية سياسية واحدة لهم".