أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عندما يصبح الجيش مضطراً إلى حماية .. نفسه أولاً قهوجي ينتقد "الموتورين": الأمن بالحكمة لا بالتراضي

الأربعاء 11 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,774 زائر

عندما يصبح الجيش مضطراً إلى حماية .. نفسه أولاً قهوجي ينتقد "الموتورين": الأمن بالحكمة لا بالتراضي

منذ ذلك الحين، سقط الـ«ستاتيكو» المحلي والاقليمي الذي سادت مفاعيله منذ العام 1992، فانكشف البلد مرة واحدة وتضاءل «الامن السياسي»، بل تلاشى كليا في بعض الاوقات، ليملئ الفراغ خطاب طائفي ومذهبي حاد، افرز «أجساما غريبة» ومشاعر ملتهبة كانت تجد متنفسا لها في الشارع.

وسط هذا المناخ، كان المطلوب من الجيش ان يحمي نفسه أولا من عدوى الانقسامات الداخلية المستفحلة، ثم ان يحمي البلد من خطر الانهيار الكامل، ولعله نجح الى حد كبير في «التعايش» مع هذا التحدي آنذاك، حتى يكاد يصح القول انه أول من مارس سياسة «النأي بالنفس»، بعدما قرر ان ينظم الصراع، لا ان يخوض فيه، ما أتاح له ان يستحوذ على ثقة طرفيه، كما حصل يوم احتشد جمهورا 8 و14آذار في ساحتيهما، بحماية المؤسسة العسكرية التي تولت صون حق التظاهر والتعبير. 

«نجت» المؤسسة العسكرية يومها من «الاغتيال» الذي أودى بحياة العديد من الشخصيات، لتبقى هي بمثابة «الضمانة» الوحيدة لحد أدنى من «الدولة»، في زمن اشتد فيه الصراع على السلطة ومؤسساتها التي فقدت إحداها الشرعية الميثاقية (مجلس الوزراء)، وتعطل عمل الأخرى (مجلس النواب) فيما «حوصر» رئيس الجمهورية.. وحده الجيش ظل موضع إجماع في ذروة الانقسام. 

لاحقا، وخلال دورة «الفصول اللبنانية»، كاد الجيش ينزلق الى صدام مع فئات مختلفة، ولكنه في كل مرة كان يستدرك الامر ويستنقذ دوره، فيعود من التجربة باقل الخسائر الممكنة. ولعل الدليل الأكبر على تمكن الجيش من اكتساب الثقة فيه، حين انعدمت بين اللبنانيين، هو ان الرئيس التوافقي خرج في نهاية المطاف من صفوفه بعد فترة طويلة من الفراغ.

حدث ذلك كله، قبل الزلزال الاقليمي الكبير الذي بلغ ذروته مع تفجر الوضع داخل سوريا، في موازاة ارتفاع منسوب الاحتقان المذهبي في لبنان الى معدلات غير مسبوقة. لقد كان على الجيش ان يعوّض مجددا عن النقص السياسي في المناعة الداخلية المكتسبة، من خلال حضوره على الارض، إلا ان مهمته بدت هذه المرة اصعب من أي وقت مضى، بعدما أدرج ضمن «بنك الاهداف» وصار، جسما وقائدا، في مرمى الاستهداف المباشر للنيران السياسية والمذهبية، في محاولة لتعطيل دوره.

وفي حين، كلف مجلس الوزراء الجيش بالانتشار على الحدود مع سوريا للحد من انفلاتها، ومن تبادل الرسائل عبرها، يؤكد قائد الجيش العماد جان قهوجي لـ«السفير» ان البدء في تنفيذ خطة تفعيل الانتشار على الحدود الشمالية والشرقية يحتاج الى بعض الوقت، بانتظار إنجاز عملية سحب بعض القوى العسكرية من أماكن تواجدها الحالي ونشرها على الحدود، مشيرا الى ان هناك حاجة للواء، أي ما يعادل ألفي عسكري، من أجل إحكام القبضة بشكل افضل على الخط الحدودي، علما ان قواتنا موجودة في أماكن التوتر، وما نريد ان نفعله هو تعزيز دورها.

ويوضح ان الهدف من الخطة هو إقفال الثغرات التي يستخدمها المسلحون، قدر الامكان، لانه من الصعب جدا ضبط كل الحدود بشكل تام وكامل، ليس فقط في لبنان وإنما في كل دول العالم، وبالتالي فان الافتراض ان بالإمكان فرض السيطرة على كل متر من الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا ليس في محله، لاسباب موضوعية، لا علاقة لها بكفاءة الجيش وقدراته، علما ان الجيش السوري نفسه نشر آلافا من جنوده على الحدود، إلا انه لم يستطع ضبطها بالقدر الكافي.

ويشدد قهوجي على ان الجيش يلبي عبر تعزيز تواجده في المناطق الحدودية نداء الناس الذين يرفضون أي وجود مسلح ويطلبون منا التدخل لضبط الامن، وبالتالي فان الغطاء الشعبي هو بالنسبة إلينا أهم من الغطاء السياسي.

وإذ يشير الى ان الجيش تعرض لإطلاق نار على الحدود مع سوريا، يلفت الانتباه الى انه لم تُعرف هوية المسلحين، وقد قامت القوات العسكرية بالرد عليهم بالشكل المناسب وهذا ما سنكرره كلما تم استهداف جنودنا وضباطنا.

ويتجنب قهوجي الذهاب بعيدا في التعليق على قول البعض بان دم الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه أغلى من دم قائد الجيش، لكن «تحفظه المدروس» لا يمنعه من إطلاق إشارات تحمل في «بطانتها» دلالات معبرة: هذا كلام عبثي بلا طعمة، يطلقه موتورون، والآن ليس وقت ان نرد، والاساس بالنسبة إلي هو الحفاظ على دم الابرياء بالدرجة الاولى. ويضيف في رسالة مبطنة لمن يعنيه الامر: أقول للبعض الموتور «كل شيء في وقته..».

وينفى قهوجي بشدة ان يكون الجيش قد أخلى عكار مؤخراً على خلفية احداث الكويخات او خفف تواجده فيها او انكفأ عن بعض مراكزه فيها، مشيرا الى ان من يروج لذلك إما انه لا يرى جيدا وإما يتكلم عن أمنياته وأحلامه، في حين ان الواقع مغاير تماما. 

ويشدد على انه لم يتم سحب جندي واحد من المنطقة، فالجيش جزء من عكار، وعكار جزء منه، وبالتالي لم تتغير خريطة انتشار وحداتنا هناك، ولم نغادر أي موقع، ولم نعدل في مهماتنا على الارض.. كل ما حصل ان هناك حواجز متحركة تقام حينا وتُرفع حينا آخر، تبعا للمتطلبات الميدانية، ويبدو ان البعض أخطأ في القراءة والاستنتاج.

ويؤكد قهوجي ان الجيش لن يترك عكار مهما جرى وأيا كانت الضغوط التي تُمارس عليه، بل أكثر من ذلك، نحن بصدد زيادة قواتنا في المنطقة، من أجل إعادة الاستقرار إليها، وإقفال الثغرات الامنية المفتوحة التي يشكو منها المواطنون.

وإذا كان قهوجي لا يخفي انزعاجه من الحملات الظالمة التي تتعرض لها المؤسسة العسكرية من حين الى آخر، إلا انه يؤكد في الوقت ذاته ان هذه الحملات لا تؤثر بتاتا على تمسك الجيش بدوره الوطني العابر للمناطق والطوائف، ونحن سنستمر في تحمل مسؤولياتنا حيال شعبنا، بمعزل عن الغبار الذي يثار هنا او هناك.

ويشدد قهوجي على ان الجيش يرفض اعتماد مقولة الامن بالتراضي وهو لو كان يطبقها فعلا، لكانت المشكلات التي يواجهها اقل، مضيفا: لا أمن بالتراضي، ولكن ذلك لا يمنع ان يكون الامن بالحكمة، فنتفادى استخدام القوة حيث لا تفيد، ونستخدمها حيث نجد ذلك ضروريا، تبعا لطبيعة الحالة التي نواجهها. 

وعندما يُسأل عن رأيه في قرار مجلس الوزراء التوسع بالتحقيق في ملف مقتل الشيخ عبد الواحد ورفيقه، يوحي قهوجي ان في فمه ماء، مكتفيا بإجابة مقتضبة: لا تعليق الآن..


Script executed in 0.19979786872864