أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عندما يتحول عدوان تموز إلى جرم

الجمعة 13 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,956 زائر

عندما يتحول عدوان تموز إلى جرم

قبل أشهر، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت يحيى غبورة حكماً أدان بموجبه طبيباً وخمسة مواطنين بتهمة «إعطاء شهادة كاذبة معدّة لكي تقدم الى السلطة العامة...، بحسب المادة 466 من قانون العقوبات». فالخمسة ادّعوا إصابتهم بأعطال دائمة جراء القصف الإسرائيلي في عدوان تموز، تصل إلى 30%، فيما هم في الحقيقة لا يشكون من أي عطل. واستندوا في ذلك إلى تقرير الطبيب الشرعي. الحكم قضى بحبس الطبيب لمدة عامين، ومنعه من ممارسة مهنته، وحبس الخمسة لمدة أربعة اشهر، وإلزامهم بالتعويض بمبلغ عشرة ملايين ليرة إلى المدعية الشخصية، الدولة اللبنانية، لكن هؤلاء ليسوا أول المحكومين ولا آخرهم، بل جزء من عشرات الأشخاص الذين وجهت إليهم التهمة ذاتها بنسب مختلفة.

الدولة كانت قد بادرت إثر عدوان تموز 2006 إلى تكليف الهيئة العليا للإغاثة، دفع مساعدات مالية لعائلات الشهداء والجرحى وفق المعايير المعتمدة لدى مجلس الجنوب، إذ يقوم المجلس بمعالجة جرحى الاعتداءات الإسرائيلية، على أن يدفع إلى من تعطل عطلاً دائماً كلياً مبلغ 15 مليون ليرة. ولمن تعطل تعطيلاً دائماً جزئياً يدفع له نسبة مئوية من هذا المبلغ تعادل نسبة التعطيل. طلب الحصول على التعويض حينها، كان يستلزم تقديم مستندات، من بينها تقرير من طبيب شرعي حول الإصابة. وهنا بدأت القضية، إذ تبين لاحقاً أن بعضهم، بالاشتراك مع سماسرة، يقومون باستغلال الأمر لتحقيق منافع شخصية، ما حدا بالحكومة إلى تشكيل لجان طبية للتحقّق من صحة كل ملف. وفي المحصلة، ولما اكتشفت اللجنة وجود تزوير في كثير من الملفات لناحية تغيير حجم الإصابة لقبض تعويض أكبر، من خلال المقارنة بين تقرير الطبيب الشرعي وحالة المصاب الذي مثل أمامها، فإنها أحالت المتورطين على النيابة العامة المالية، ومنها على قاضي التحقيق الأول في بيروت. الأخير أصدر قرارات ظنية تحولت إلى قضاة الجزاء المنفردين في بيروت، الذين برّأوا البعض وأدانوا البعض الآخر.

جولة سريعة على جلسات المحاكمة العلنية في قصر عدل بيروت، تظهر أن من بين المتهمين الكثير من المتورطين «بغير قصد». الاستجوابات أكدت تورط الأطباء الشرعيين في التزوير عن سابق قصد لدوافع مالية، فيما ثبت أن بعض المصابين لم يتعرض للإصابة في الأساس خلال العدوان، بل في حوادث أخرى سابقة، فيما آخرون حُرّرت بأسمائهم التقارير من دون علمهم. في المقابل، هناك الكثير ممن لم يدركوا أنهم يرتكبون جرمي التزوير واستعمال المزور، بل ظنوا أن التعويضات تشمل كل من أصيب في العدوان، وليس فقط كل من تسببت له إصابته بعطل دائم. من بين هؤلاء الزوجان ح. وأ. ي. (77 عاماً)، اللذان نجوا من مجزرة الشياح حين تهدم المبنى الذي يسكنان فيه على رأسيهما وأصيبا بجروح بالغة في جسديهما، فيما استشهدت العاملة الإثيوبية التي تعمل لديهما. عند انتشار خبر التعويضات، تقدم ابنهما ح. بالطلب مستنداً إلى تقرير من أحد الأطباء الشرعيين بعد خمسة أشهر من وقوع المجزرة، الذي قدّر لوالده نسبة العجز والضرر اللاحق جراء الإصابة بـ50% ولوالدته بنسبة 45%، لكن الدولة لم تصرف لهما التعويضات، بل استدعتهما للتحقق من حقيقة العجز، ليتبين للجنة الطبية التي مثلا أمامها أن نسبته 3% لأحدهما و7% للآخر. لذا حوّلتهما مع الطبيب الذي يحاكم بأكثر من ملف مشابه، إلى القضاء.

بكثير من الأسى والأسف، يتابع ابنهما مجريات قضية والديه، عاتباً على الدولة. يقرّ، بأنه ووالديه وافقوا على نسبة العطل التي حددها الطبيب، التي تمثّل العنصر الجرمي، لكنه يبرّر ذلك بأنه «اختلاف في وجهات النظر والتشخيص بين الطبيب واللجنة الطبية التي حققت». إلا أن ذلك الاختلاف يُبقي العجوزين قيد المحاكمة منذ اكثر من سنة.


Script executed in 0.19496393203735