أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

فوز قوّات المستقبل

الإثنين 16 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,785 زائر

فوز قوّات المستقبل

نجحت القوات اللبنانية حيث لا يجرؤ كثيرون: فازت بمقعد نيابي، وأعادت للحزب السوري القومي وهجاً خيّل لكثيرين أنه فقده، فانتفض حزب الهزائم المتراكمة في الكورة أمس، مقدّماً بإمكاناته المتواضعة على شتى الصعد عرضاً انتخابياً استثنائياً، كاد أن يتوّج بنصر كامل

 

غسان سعود

للكورة بوابتان جنوبيتان، طريق شكا القديم وفيه النفق المظلم الطويل، والأوتوستراد الجديد. على يسار الأول، بحر تختلط أمواجه في إحدى النقاط بنبيذ دير سيدة النورية. أما يمين الثاني، فتضيئه قلعة تقوم فوق صخرة ضخمة يقال إن الأمير فخر الدين بناها لحماية إمارته. مروراً بشكا، التي وهبها الرئيس كميل شمعون للبترون لحسابات انتخابية، يوصل البحر إلى أنفة. بلدة نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري التي جعل التلوث خضارها أصفر.

 

لا شيء يذكر هنا، باستثناء مفاجأة صباحية لمكاري، تمثلت باقتراع عشرات الناخبين السنّة بحسب ما أملاه عليهم ضمير السيارات القومية التي أقلتهم باكراً إلى مركز الاقتراع. من الطريق الساحلي، صعوداً في طريق «شقها البغل» إلى كفريا. تتجاور كنيسة البلدة وجامعها، ينعكس بطريقة ما تفاهماً سياسياً بين الطائفتين السنية والمارونية المكونتين للبلدة. يكتفي المرشح وليد العازار بصور صغيرة. أما السيدة المارة بنصب شهداء البلدة فلا ترى فيه أكثر من ساعة. والساعة كالدولاب «تبرم». في البلدة نحو 130 منتخباً مارونياً، ليس فيهم ملتزم واحد في التيار الوطني الحر. أكثريتهم كانوا قوميين أو مؤيدين للقومي، والأقلية شهابيون يلتفّون حول والد الوزير السابق الفضل شلق. أما اليوم، وبعد تصالح شلق والقوميين، قررت البلدة مخاصمة الاثنين والفتح على حساب مكاري والقوات وأحمد الحريري. أما كفرحاتا، فهي بلدة الوزير السابق الياس سابا. للحزب القومي تراث هنا: إلى هذه الرقعة التي تعرف في الكورة باسم القويطع، اعتاد قادة الحزب اللجوء كلما اشتدت عليهم حملات القمع. لكل منزل هنا تقريباً قصته في كتب القوميين. ورغم ذلك، يكاد يتساوى القومي مع القوات في أصوات المقترعين. إجد عبرين قرية سنية ـــ مارونية أخرى في هذا الجُبيل. يعني اسمها «المطلة» على عبرين البترونية، فيما تطلّ بتعبورة على دار بعشتار في المقلب الماروني من الكورة. في كفتون الصغيرة المحافظة على منازلها القديمة، يتذكر أحد الشبان القوميين أنه هنا، قبل خمسين عاماً، أقسم اليمين.

ثمة حزب واحد يخوض المعركة التي خيضت أمس في الكورة، اسمه: الحزب السوري القومي الاجتماعي. حزب واحد تتراكم فوق طاولاته دراسات تؤكد أن فوز القوات محسوم وأكثر، ويخوض الانتخابات بحماسة استثنائية والأهم: بثقة بالنفس. حزب يقنع أنصاره في اللحظة الحرجة بأن يطنشوا على كل ما يقال ويثقوا بشعبهم، فيراهنوا على علمانية الناخبين لا على مذهبيتهم، وعلى وطنيتهم لا على حسابات جيوبهم. حزب لا يخشى المعارك الخاسرة، ولا يردعه بؤس تحضيراته وضعف إعلامه وتواضع قدراته المالية وتردد حلفائه وبشاعة أدائه النيابي والوزاري عن الدفاع عن قناعاته: لا يمكن أن نسلم متبسمين مفاتيح الكورة أو غيرها لخصمنا السياسيّ. وحين تسألهم عمّا يفعلونه، يسردون خمسين أو ستين أو سبعين عاماً وأكثر من الهزائم، قبيل تعداد عشرات الرفقاء الذين لطالما باعدتهم الخلافات الداخلية، مشيرين إلى «النصر الحقيقيّ». ها هم هنا، الحردانيّ والإنعاميّ وعبد المسيحيّ وكل الآخرين. نجحت القوات اللبنانية مرة أخرى حيث لا يجرؤ الآخرون: شدت العصب القوميّ وأتاحت لحزب أنطون سعادة العلمانيّ القول إنه الآن في لحظة الجنون المذهبيّ هذه موجود، وفي القرى السنية أكثر بكثير مما في القرى الأرثوذكسية.

كان في الكورة أمس معركة. يروي المسنّون هنا أن عبد الله سعادة كان في طور إنشاء مستشفى في السعودية حين أعاده الحزب إلى الكورة ليخوض باسم العقيدة القومية فقط انتخاباته الأولى عام 1953 في وجه إقطاع النائب الراحل فؤاد بيك غصن. خسر سعادة أولى معاركه، انتخابياً وربح حضوراً بدا مؤثراً وقوياً أمس في منزل النائب السابق سليم سعادة. صعوداً من أميون، تربط بعض مزارع الدجاج عاصمة القضاء الإدارية ببلدة دار بعشتار. بعد مزار لمار مارون عند مدخل البلدة، صليب، فصورة قديمة للبطريرك الماروني نصر الله صفير، ثم مزار لقديس. يتغير القديسون هنا: يصبحون موارنة. أثبتت القوات أمس أن دار بعشتار معقلها الأساسي في الكورة، وشبه الوحيد. وحتى فيها، نجح الخصوم في الحفاظ على نتيجتهم في الانتخابات السابقة حاصدين نحو ثلث الأصوات. بعيداً عن بلدة نهرا الشالوحي، أثبت التيار الوطني الحر لامبالاته بصناديق الاقتراع ما لم يكن قميص المرشح برتقالياً. اختفى الناشطون العونيون أمس. لا أعلام برتقالية ولا متبرقلات ولا طبل وزمر على أغنية «عونك جايي من الله»، والأهم، لا أصوات. فقط مسؤولون يتجولون ببذلات رسمية بين التلفزيونات معلنين دعمهم اللامحدود للمرشح القوميّ. والنتيجة في كفرعقا بلدة مرشح التيار المفترض جورج عطا الله أتت سيئة جداً بالنسبة إلى العازار، وبأبهى حالاتها بالنسبة إلى مرشح القوات. ويفترض بالأداء العوني أن يفتح نقاشاً جدياً: هل بذل التيار جهداً انتخابياً، وهذه هي حيثيته في الكورة، أم أن حيثية التيار أكبر، وهو اكتفى بالتفرج؟

بعيداً عن العونيين والقوميين، تتلاصق مئات المنازل القديمة في سلسلة من الحجارة البيضاء لتوصل إلى منزل وزير الدفاع فايز غصن في كوسبا. حظي الأخير بالحقيبة الأرثوذكسية وربما المسيحية الأهم في الوزارة، ويلقى من زعيم المردة النائب سليمان فرنجية كل دعم، كما تُفتح أمامه أبواب الوزارات وإدارات الدولة نهاراً وليلاً. المطلوب أقله أن يتقدم خصميه في بلدته: النائب نقولا غصن والقوات اللبنانية تتقدمها أسرة النائب الراحل فريد حبيب. يربط شارع المدارس منزل غصن بمركز الاقتراع. الوزير والمردة في المنزل، والدته وزوجته وابنته في مركز الاقتراع. وفي نهاية اليوم، حفظت النتيجة ماء وجه المردة والوزير ونسائه الثلاث.

إلى دده عاصمة الأيوبيين، يستثني بائع الأعلام عند مدخلها القومي فقط من الأعلام التي يعرضها، فيما لا يستثني المرشح جون مفرج أي عمود خشبي من صوره. ينتشر شبان كراميون بقمصان حمراء عند باب المدرسة، فيما يتظلل بضعة حريريين زرق تحت شجرة عملاقة. هنا خبط القومي يده في صندوق الاقتراع، مفاجئاً تيار المستقبل في ـــ ما يعتقده الحريريون ـــ عقر دارهم. يشرح أحد القوميين أن القوات أحضرت المغتربين بتكلفة باهظة من أوستراليا وكندا وغيرهما من الدول البعيدة، أما القومي فأوعز إلى أنصاره في الدول القريبة بوجوب المجيء أقله يومين، الأمر الذي لم يكلفه الكثير.

في النتيجة، خاض الحزب السوري القومي الاجتماعي معركة تقليص فارق 2009 الانتخابي بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية من جهة والقومي وحلفائه من جهة أخرى، وانتصر. خاض الحزب معركة التأكيد أن الكورة ليست لقمة سائغة يمكن للقوات والمستقبل أن يأكلاها بسهولة، وانتصر. أما القوات فخاضت معركة إثبات النفس في أميون نفسها، وخسرت. خاضت معركة وأد الحزب القومي في معقله، وخسرت. وخاضت معركة الحسم المسبق لانتخابات 2013 في الكورة، وخسرت.


Script executed in 0.17396593093872