صار لكل فريق «شارعه»، ولم تعد أي منطقة في منأى عن قطع طرقها، احتجاجاً على شيء ما. حتى لو كان المحتجون شركاء في صنع القرار الذي يحتجّون عليه. يوم أمس، كان الموعد مع التيار الوطني الحر. من منطقة مار مخايل في الأشرفية، بدأ أنصار التيار تحركاتهم، تحت اسم «أهالي المنطقة». والمنطقة هنا الأشرفية. فلا بد لذلك من وجود مناصرين للقوات اللبنانية، ليشاركوا «إخوتهم» في التيار وقفتهم الاحتجاجية على تحرك مياومي مؤسسة كهرباء لبنان، تحت عنوان «مواجهة احتلال المرفق العام»، أو «إشراك المسيحيين في الوظيفة العامة».
جرى تناقل الدعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بإجراء مباراة مفتوحة، بخلاف القانون الذي أقرّه المجلس النيابي في جلسته الأخيرة، والذي يتضمن إجراء مباراة محصورة بالمياومين العاملين في المؤسسة منذ عشرات السنين.
وعند السابعة إلا ربعاً، بدأت الحشود بالوصول إلى أمام الباب الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان، يتقدمها القيادي في «التيار الوطني الحر» زياد عبس. اكتمل العدد، فكان الهتاف الأول شتيمة لرئيس مجلس النواب نبيه بري. في مقابل هتافات من المياومين «الله لبنان تثبيت وبس». تطورت الشتائم، فردّ المياومون بهتاف «الله حكيم بري وبس». فبعض المياومين لم يعرف بعدْ أن القوات اللبنانية التي كانت أول من أعلنت مناصرتها لقضية المياومين، أصبحت والتيار العوني والكتائب صفاً واحداً في مواجهتهم. فوجئ مناصرو القوات الموجودون في الضفة الثانية من «البوابة» بهذا الهتاف الصادر عن المياومين. علت الابتسامات وجوههم، ليردّوا بعبارات نابية بحق المياومين، ومن ثم بدأوا القيام بإيماءات يدوية تشير إلى شعار القوات، ولتقول إنهم مناصرون لـ«الحكيم». وهتف بعض المعتصمين «الله وقوات وعون وبس».
وتوسعت دائرة الشتائم بين الطرفين وتطورت إلى رشق المعتصمين المياومين بـ«الرماح» والحجارة التي أصابت عدداً من المياومين الذين ردوا بفتات الحجارة التي كانت تصلهم. ثم دخلت زجاجات البيرة أرض المعركة. وفي الساعة الثامنة تقريباً، خرج عبس من «موقعة الكهرباء» وحوله نحو 15 شاباً، ثم حمل أحد المعتصمين المذياع: «الباصات على الأوتوستراد، يللا يا شباب بدنا نفل»، لينهي عباراته بلغة المنتصر: «انتهت المهمة».
التعرّض لمصوّر «الأخبار»
وخلال قيام مصوّر «الأخبار» الزميل مروان بو حيدر بتأدية عمله، تقدم أحد المعتصمين من الزميل بو حيدر ونزع الكاميرا من يده، ووضعها تحت قدمه محاولاً تكسيرها، إلا أن بو حيدر استطاع تهريب كاميرته.
سياسياً، علمت «الأخبار» أن الاتصالات التي جرت أمس لمحاولة ترطيب الأجواء في موضوع المياومين لم تستطع احتواء التحركات التي قامت «ضد إقفال مؤسسة كهرباء لبنان». وذكرت مصادر قوى الأكثرية الوزارية أن المواقف لا تزال على حالها لجهة تمسك تكتل التغيير والإصلاح بـ«إخلاء المؤسسة وعدم احتلال الإدارات الرسمية». ولفتت مصادر في التكتل إلى أنه ليس صدفة أن يكون التيار أمس ومناصروه دافعوا عبر تحركهم في الشارع عن المؤسسات الرسمية وعن الجيش اللبناني. وحتى يوم أمس، كان التكتل لا يزال مصراً على ضرورة التراجع عن القانون الذي صدر لتثبيت المياومين، واعتباره كأنه لم يكن، رافضاً اقتراح قانون لتعديل القانون الصادر. وفي المقابل، يرفض حلفاء التكتل، وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري، اعتبار القانون غير صادر، مع انفتاحه على أي تعديلات تطاوله.
في غضون ذلك، أكد وزير الطاقة جبران باسيل في إطلالة هي الأولى له على موقع فايسبوك أن لا مانع من إخلاء شركة كهرباء لبنان بواسطة القوى الأمنية وبالقوة، «ولكن للأسف لا قرار ولا وجود لدور قوي للقوى الأمنية إلا ضد الأوادم».
وأكد أننا «نريد أن نوفّر الكهرباء من تركيا ومن إيران، ومن كلّ دولة تقدّمها لنا. أنهينا مع شركة تركية وقريباً إن شاء الله ننتهي مع إيران».
وقال: «عندما نختلف مع كلّ النّاس على الكهرباء، هل نرحم أحداً حتى أصدقاءنا؟ ولكن المسؤولية تحتّم علينا إبقاء شيء من المستور لكي يأتي أوانه».
وعمّا إذا كانت المصالحة المسيحيّة قائمة على فكّ التّحالف مع حزب الله، أجاب قائلاً: «نحن لا نتحالف ولا نتصالح مع أحد على حساب أحد، نريد أن نضيف أي تفاهم جديد إلى التفاهمات القائمة، لكننا لن نقبل أن نكون عرضة للابتزاز من أحد بسبب تفاهماتنا، بسبب التضحيات التي قمنا بها للحفاظ عليها».
مبادرة شربل نحّاس
من جهته، عبّر وزير العمل السابق شربل نحاس عن قلقه إزاء ما حصل أمام مقر مؤسسة كهرباء لبنان، وقال إن هذا المشهد يدفع الى طرح حلول غير تقليدية لتفادي الأسوأ. واقترح أن يتبنى النافذون في مجلس الوزراء ومجلس النواب حلّاً من 6 نقاط:
أولاً _ إلغاء قانون تنظيم الكهرباء والتخلي نهائياً عن أي خطّة لخصخصة هذا القطاع.
ثانياً _ إلغاء عقود شركات مقدّمي الخدمات.
ثالثاً _ إجراء امتحان كفاءة للمياومين من أجل ضم من تحتاج إليه ملاكات مؤسسة كهرباء لبنان.
رابعاً _ تطبيق القوانين على المتعهّدين، ولا سيما قانوني العمل والضمان الاجتماعي، من أجل ضمان حقوق عمّال المتعهّد عن سنوات خدمتهم الماضية، وإنهاء عقود المتعهّدين بعد تغريمهم على المخالفات التي قاموا بها بسبب عدم التصريح عن عمّالهم لصندوق الضمان.
خامساً _ إعادة فتح باب التوظيف في ملاكات المؤسسة من أجل استقطاب الخبرات المطلوبة لأداء مهماتها.
سادساً _ قيام الدولة فوراً بتسديد قيمة الدعم الناتج من الفارق بين كلفة إنتاج الطاقة والسعر المدعوم وكامل الكلفة الناتجة من نقص الاستثمار في قطاع الكهرباء من أجل تمكين المؤسسة من النهوض مجدداً.
بدوره، رأى رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن «مشكلة الكهرباء لم يسبّبها الوزير الحالي، بل هي عبارة عن تراكم مشكلات عبر الزمن». وأكد «أننا لسنا خائفين على التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لأن الجنرال عون عندما وقّع عليه كان يعرف جيداً أن خدمة البلد تقتضي ذلك، وكان يعرف الى أين يؤدي هذا المسار».
اعتصام صربا
التحركات الشعبية التي نفذها أنصار التيار الوطني الحر لم تقتصر على ملف الكهرباء. فقد قطع عدد من «أنصار الجيش» و«أصدقاء الجيش» أوتوستراد صربا ــ جونية، مع عدد من أهالي الضباط والعسكريين، استنكاراً لإعادة توقيف الضباط الذين كانت المحكمة العسكرية أطلقت سراحهم في وقت سابق، في قضية الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه، مطالبين بتخليتهم مجدداً فوراً. وفيما تمنى الجيش على المواطنين فتح أوتوستراد صربا، مشيراً إلى أن قيادة الجيش تشكر للمواطنين عواطفهم ودعمهم لها، لم يمتثل المعتصمون للطلب إلا بعد ساعات، وأعيد فتح الطريق في الاتجاهين، فيما قطع «أصدقاء الجيش» طريق العاملية في برج البراجنة وطريق البترون وطريق نهر إبراهيم وطريق طبرجا.
ورأى عضو كتلة «المستقبل» النائب خالد ضاهر «أن الجو القائم هو بتحريض من قبل قائد الفوج المجوقل في الجيش العميد جورج نادر». وردّ أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان على ضاهر معتبراً «أن هذا الكلام مؤسف ويستهدف الوحدة الوطنية وسيادة لبنان، وهو معيب»، متسائلاً: «هل لخالد ضاهر وغيره الحق في قطع الطرقات فيما لا يحق لغيرهم التعبير عن رأيه؟»، معلناً اعتصاماً مماثلاً أمام المحكمة العسكرية عند السابعة من مساء اليوم.
ورأى عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أن المعتصمين «يحاولون الإيحاء أن هناك انقساماً حول دور الجيش، وهذا أمر خطير».
ووجّه اللواء جميل السيد في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي تهنئته الخالصة إلى الرئيسين السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة «لانتصارهما الحاسم على الجيش، وتمكنّهما من إعادة زج الضباط والعسكريين، الذين حصلت معهم حادثة مقتل الشيخ عبد الواحد ورفيقه، في السجن مجدداً»، مؤكداً أنّ «هذا الانتصار لم يكن ليحصل لولا أن تواطأ معهما كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحكومته وقضاة شهود الزور سعيد ميرزا وصقر صقر».