للمرة الأولى في تاريخ الإدارة اللبنانية، نزل موظفو القطاع العام الى الشارع، في تظاهرة غير مألوفة، شارك فيها المعلمون، احتجاجا على عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
أمس، حطم عدد لا بأس به من رؤساء الدوائر الرسمية والعاملين في القطاع العام المحرمات المتوارثة، وهم الذين أحرجتهم الأزمة الاقتصادية - المعيشية حتى أخرجتهم من مكاتبهم، التي تحولت الى «زنزانات»، بعدما «كبلتهم» سلسلة الرتب والرواتب الجامدة منذ العام 1998، حيث توقف الزمن في الإدارة الرسمية منذ ذلك الحين، فيما كان منسوب غلاء العيشة يرتفع بسرعة خارجها، ملتهما القدرة الشرائية لرواتب الموظفين.
وإذا كان تحرك البارحة يدل على شيء، فإنه يدل من جهة على شجاعة موظفي القطاع العام، الذين تحدوا الضغوط والإغراءات بنزولهم الى الشارع، ويعكس من جهة أخرى مدى تفاقم مأزق الدولة التي انتفض عليها أبناؤها، وساروا في تظاهرة ضدها من ساحة البريير، حتى مدخل السرايا حيث كانت تجتمع الحكومة، من دون أن يرف لها جفن، كما اتضح من موقفها السلبي حيال صرخة الموظفين والمعلمين، بحجة أنها لا تخضع للضغط.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء «أن التعبير عن المطالب هو حق لمن يسمح له القانون بذلك، لكن أن تصبح المسألة كسر هيبة الدولة ورهن مصير 100 ألف طالب على النحو الحاصل، مع تجاهل أن الحكومة هي صاحبة مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب لإنصاف الجميع، فهذا أمر غير مقبول». وشدد على «أنه لا يمكننا في هذه الظروف الدقيقة أن نقبل بتهديد الاستقرار الاجتماعي والمالي الحاصل، وإرهاق الخزينة بأعباء إضافية».
ورداً على قول ميقاتي إن كسر هيبة الدولة أمر غير مقبول، قال عضو هيئة التنسيق النقابية ورئيس «رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي» حنا غريب لـ«السفير» إن «هيبة الدولة تُكسر عندما تعد ولا تفي»، لافتا الانتباه الى أن الرئيس ميقاتي «وعدنا بالاستجابة لمطالبنا ولكنه لم يف بوعده، إذ تبين أنه كان يقول لنا شيئا ويفعل شيئا آخر».
وكشف أن رئيس الحكومة، وخلال إحدى جولات التفاوض معه، «هو الذي نصحنا بأن نقاطع تصحيح مسابقات الامتحانات الرسمية إذا حصل خلل في تلبية مطالبنا، حيث عرض علينا يومها أن نستمر في مراقبة الامتحانات، مقترحا مقاطعة التصحيح لاحقا، كضمانة لنا، حتى نثق في ما يطرحه، فلما تراجع عما سبق أن طرحه نفذنا الاتفاق معه، وقاطعنا التصحيح».
وشدد على أن التحرك مستمر حتى تعديل قيمة الدرجة للمعلمين، للحفاظ على حق مكتسب لهم لقاء الزيادة في ساعات العمل، ومساواة الأساتذة المتعاقدين بغيرهم لناحية نسبة الزيادات، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
مجلس الوزراء
وكانت جلسة مجلس الوزراء قد انعقدت، أمس،على وقع تظاهرة هيئة التنسيق النقابية التي توقفت امام السرايا نحو ساعة، حيث ألقيت كلمات حمّلت الحكومة
مسؤولية عدم تنفيذ الوعود بإقرار سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، ما دفع ميقاتي الى استهلال الجلسة برد قاسٍ على هيئة التنسيق، فيما لم يتم التطرق الى موضوع التوتر الأمني عند الحدود مع سوريا.
وأفادت مصادر وزارية ان الجلسة ناقشت مسألة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، حيث أكد ميقاتي للوزراء، أنه مستمر في ما قررته اللجنة الموسعة واللجنة الفرعية الوزارية المكلفتان درس موضوع السلسلة، لكل قطاع من قطاعات الدولة على حدة، لجهة دفع الزيادات اعتبارا من أول تموز وإعطاء ست درجات للمعلمين، مشيرا الى ان هناك مسألتين عالقتين هما: قيمة الدرجات والزيادة للمتقاعدين.
ولفت ميقاتي الانتباه الى ان هناك اجتماعا للجنة الموسعة، في الثانية والنصف من بعد ظهر الثلاثاء المقبل في السرايا، لاتخاذ القرار المناسب بحضور كل الاطراف المعنية، ونبه الى ان مجموع الزيادة يبلغ مئتي مليار ليرة، وإقرارها من دون بت مصادر التمويل البديلة سيرفع نسبة التضخم الى حد كبير وتتلاشى الزيادة.
وفي الشأن المالي قال وزير المال محمد الصفدي لـ«السفير»: نحن رفعنا السلسلة مع مصادر التمويل ومجلس الوزراء يتخذ القرار. وخلال الجلسة، أعلن وزير السياحة فادي عبود انسحابه منها احتجاجاً على وضع وزارة المالية يدها على مبنى تابع لوزارته.
المياومون والأشرفية
وفي سياق التحركات التي يشهدها الشارع، ينظم «التيار الوطني الحر» تظاهرة عند السابعة مساء اليوم، من ساحة ساسين الى درج غلام المحاذي لمؤسسة الكهرباء التي يعتصم في داخلها المياومون.
وقال قيادي في «التيار» لـ«السفير» ان المسيرة «سلمية حيث سيحمل المشاركون مصابيح كهربائية في رسالة حضارية للتعبير عن رفضهم احتلال مبان حكومية في الاشرفية، ورفضهم الامر الواقع القائم على تعطيل المؤسسات والمرافق الرسمية وترهل الخدمة العامة، ودفاعا عن منطق المؤسسات».
ولفت الانتباه الى ان «القانون يعتبر فعل المعتصمين من قبيل الاحتلال الموصوف لمرفق عام، اضافة الى ان هذا التعطيل جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة، ومن واجب القضاء أن يضع اليد على القضية وملاحقة المرتكبين، تماماً كما من واجب القوى الامنية استخدام الوسائل الملائمة لانهاء احتلال المرفق العام وإعادة الوضع الى طبيعته».
من ناحيتها، أكدت مصادر «لجنة المتابعة للعمّال المياومين وجباة الإكراء في مؤسسة كهرباء لبنان» لـ«السفير» أن «المعتصمين في المؤسسة كافة، جاهزون للمثول أمام القضاء المختص في أي وقت وزمان». وأوضحت رداً على «البدء بالملاحقة القانونية للمعتدين على المديرة المالية في المؤسسة منى عيسى»، أن «المعتصمين متأكدون من براءتهم، لأن هذه القصّة مختلقة، وقد استُغلت للتشويش على تحرك المياومين».
واعتبرت المصادر أن «هناك جهات في المؤسسة تتعمد افتعال المشكلات مع المعتصمين، بسبب التقرير الذي نشر أخيرا، وكشف عن اختفاء فواتير قيمتها أكثر من 14 مليار ليرة في السنوات السابقة».
سليمان متمسك بالحوار
في هذا الوقت، اعتبر الرئيس ميشال سليمان في كلمة ألقاها خلال حفل الافطار الذي أقامه في قصر بعبدا، امس، أنّ مصلحة لبنان العليا والحاجة لحماية السلم الأهلي وإبقاء البلاد بمنأى عن التداعيات السلبيّة للأحداث الجارية في محيطنا تفرض من جميع الأفرقاء الإقبال على الحوار بعقل وقلب منفتحين حول مختلف المسائل الخلافيّة، والتخلّي عن مواقفهم المسبقة التي أعلنت، إن لجهة رفض مناقشة الموضوع الأساسي والوحيد المدرج على جدول أعمال هيئة الحوار، أو لجهة طلب إقرار هذا الموضوع قبل مناقشته في هذه الهيئة التي تشكّل مظلّة واقية للواقع القائم.
وحذر من المواقف والقرارات الخاطئة المبنيّة على قراءات ملتبسة أو على حسابات ظرفيّة، إذ لا إمكان، من منطق تاريخ مجتمعنا التعدّدي، لسيطرة فريق فئوي على آخر أو طائفة على طائفة أو مذهب على مذهب في لبنان، ولا غلبة للسلاح على أراضيه، مهما ترسّخت أو تقلّبت موازين القوى الداخليّة والإقليميّة. ودعا الى عدم ربط استقرارنا بالرهانات على الخارج أو بالحسابات السياسيّة الضيّقة، مؤكدا الالتزام بكل مندرجات «إعلان بعبدا».
وأوضح انه سيعاود اتصالاته وجهوده اعتباراً من هذا المساء (أمس) لضمان استئناف أعمال هيئة الحوار الوطني في السادس عشر من آب المقبل، محمّلاً جميع الأفرقاء مسؤوليّة أيّ تخلّف عن المساهمة الجادّة في تذليل العقبات، وتلافي الأزمات، وتبـديد المخــاوف، من خـلال سلوكيّات الحوار وقواعده وآدابه.