كل ما فيه يوحي بفائض الحنان. ملامحه الخجولة وابتسامته الرقيقة وعيناه الذابلتان اللتان تنظران برقة زائدة حولهما، كأنهما عينا أب حازم وقوي لكنّه ذو قلب كبير.
و"الجنرال" يحب أن يكون كذلك. أباً ذا قلب كبير يتسع للجميع، من البعثي علي الديك إلى الاسيري فضل شاكر، وما بينهما من سياسيين.. ومطربين.
هكذا عوّد "الجنرال" لبنانييه: يواجه أي مشكلة بابتسامة الواثق، لكنه ضعيف في حبه للبنان ولعسكر لبنان. يجهش بالبكاء ألماً من تعب الذين يصلون الليل بالنهار من أجل البلد. يبكي لكن ليس عن ضعف. فهو ضابط ويأخذ على عاتقه أمن لبنان، حاكياً بصوته المجروح، كأنه واحد من أولئك اللبنانيين العظماء الذين يعيشون في جبال مسرحيات الرحابنة، ممجدين الرب الذي خلق لبنان، هائمين في حب طبيعة البلاد وطهارتها، مترفعين عن صغائر السياسيين وحبائلهم وصراعاتهم التافهة. أولئك الذين يكفي أن يكون واحدنا لبنانياً حتى يقعوا في غرامه، ويعملوا من أجل يومه وغده، غير مبالين لا بطائفة ولا بعقيدة ولا بموقف سياسي.
يراهن مروان شربل على الطيبة التي لا بد موجودة في جينات كل لبناني، فقط لأنه لبناني. بالفطرة نحن طيبون. لكن السياسة هي التي تخرّبنا، وتخرّب ما بيننا. وهو الذي يعرف ما في دواخلنا من صدق، ما زال يأنف عن السياسة، لأنها الشر ولأنها أساس كل بلاء.
هو الوحيد بين زملائه من "الجنرالات" الذين انتقلوا إلى عالم الشهرة، ويبدو كمن يحلم بأن يعود به الزمن إلى الوراء، فيرتدي بزته الرمادية ورتبته العسكرية ويقف على الحواجز في الليالي الامنية، ساهراً على أمن النائمين في البيوت. هناك حيث للواجب معنى وقيمة.
وفي وزارة الداخلية، لا يبدو شربل تتمة لأحد. فهو يختلف تماماً عن زياد بارود، الحقوقي المديني الذي لا يُظلم إذا قيل عنه إنه لا يجيد حمل مسدس فكيف باستخدامه؟ وشربل ليس بالطبع تتمة لكل ما ارساه الياس المر، وقبله ميشال المر، من صورة لوزارة الوزارات التي تجعل الجالس فيها يجيد، اكثر ما يجيد، المبارزة المتواصلة في "الكباش"، واستعراض تكوّر عضلة الزند وكبر حجمها.
على العكس، فإن شربل يحب أن يكون الأب الذي يحل المشاكل بين اولاده أجمعين، طالت لحى بعضهم، أو قصرت، لا فرق. وإذ يُقبِل بحبٍ منقطع النظير على الجميع، محاوراً، فكي يوقظ فيهم القيم الكبيرة والاساسية عن الوطن وحبه، حتى يستحيل كل ما هو أدنى من ذلك غباراً. وهو غالباً، ينجح في مسعاه، فإذا ظهر مبتسماً، والشيخ أحمد الاسير خلفه، مبتسماً أيضاً، كدنا ننتظر ظهور كلمة "النهاية" على المشهد الأخير من الفيلم الذي ينتصر في ختامه البطل الوحيد، أي لبنان، ويعيش فيه الابطال بسعادة إلى الابد.
والجميع في مثل هذا الفن التوجيهي الهادف أبطال. هذا ما يجعل الهروب من تشبيه مروان شربل بأبو ملحم مستحيل. لكن شربل، على العكس من العجوز الاسطوري الراحل، أكثر ابتساماً وتفاؤلاً وأملاً بمستقبل عظيم يمكن أن يؤول إليه ما دام آل إلى "جنرالين" قبله وما زال يحوم حول وريثهما. وقد بكّر في تمييز نفسه عن "الجنرال" الابدي ميشال عون، لهذا السبب بالتحديد. لأن كرسي بعبدا لا يتسع لـ"جنرالين" في آن معاً.
وعلى العكس، أيضاً، من اي مرشح آخر لرئاسة الجمهورية، فإن مروان شربل يرى في نفسه، صادقاً، كل المواصفات التي ينبغي أن توصله إلى الكرسي العتيد. فهو "جنرال" وماروني، وهاتان تكادان تصيران صفة واحدة ولازمة للعبور إلى القصر. وهو يعتد بأنه ليس خارج كل واي اصطفاف سياسي فحسب، بل أنه خارج السياسيين كلهم. كأنهم كلهم في كفة، وهو في كفة أخرى. كأنهم من معدن وهو من مادة أخرى مختلفة كلياً. كأنهم من تنك، وهو، لنقلْ، من خشب أرز الرب.
يفكر بخلاف ما يفكرون، ويحلم بخلاف ما يحلمون. يترفع عنهم، لكنه يظل يبتسم لهم، فهو الأب الذي ينتظر اعتراف الجميع بابوته للوطن، حين يأتي موعد الابوّة المقبلة للبلاد.
طيّبٌ مروان شربل. صريحٌ وواضح وخطابه "بلا فذلكات" على ما يذهب القول اللبناني. زلّات لسانه تحسب له دائماً ولا تحسب ضده. مضحكة لشدة غرابتها لكنها ليست مؤذية. ليست عنصرية أو ذكورية. يقع فيها اي لبناني عادي، وقد تجد أقواله، لمباشرتها ووضوحها، من يرددها من بعده، وليس في سبيل التندر.
مروان شربل شعبي بهذا المعنى. هو نموذج المواطن اليومي الذي ضاق ذرعاً بالسياسيين، كل السياسيين، وكفر بهم جميعاً، ولم يبق له الا حب الوطن، ونشيده الوطني، وقليل من الامل بيوم فيه كثير من دبكة ايام زمان على كتف الشلال.
حنون وزير الداخلية. رومانسي. إذا أغمض عينيه ليستمتع بحلم يقظة، سيرى كل الزعماء السياسيين في عناق جماعي لصيق شديد، يتطهرون بدموعهم المنهمرة عليهم كالمطر من كل أحقادهم وخلافاتهم وصراعاتهم. وسيكون شربل، في حلم اليقظة نفسه، مغرورق العينين لشدة تأثره بما يرى، ولشدة امتنانه لنفسه. وسينتظر نهاية هذا العناق الحار الذي يجري في مكتبه الرئاسي في قصر بعبدا، كي يطل على اللبنانيين ويعلن لهم بحبور أن كل الأزمات السياسية حلّت، وأن الشعب اللبناني سيعيش سعيدا إلى الابد، أو على الاقل سيعيش سعيداً خلال عهده كرئيس للجمهورية. وبدلاً من أن يقف الاسير خلفه، سيقف كل السياسيين، مغتبطين بهذا الاب للجمهورية. وعلى مثل هذا المشهد الرائع، تظهر كلمة "النهاية" بالأسود والأبيض.